الأردن وهذا أنا!
لديّ خطة استماع في السيارة وصداقة قديمة مع الإذاعة، وكثيرًا ما أطلب تحويل البرامج المرئية النافعة إلى نسخ صوتية، أو أستفيد من القنوات الصوتية التي تتكاثر والحمدلله، فالمتاح حاليًا يمتاز بالتنوع والوضوح وغزير العلم. ومما استمعت إليه مؤخرًا وسماعي له مستمر حتى الآن، برنامج اسمه “هذا أنا”، الذي سبق أن عرضه التلفزيون الأردني مع شخصيات أردنية، وهو فيما بلغته من حلْقات بدون محاوِر مما يجعل الحديث فيه متسلسلًا.
والأردن بلد عزيز مجاور، وهو أحد أقسام الشام الذي كان إقليمًا واحدًا في يوم عزة مضى وسيعود، ولذلك اقتبس الأردن من جوار الأرض المباركة وحضورها البهي في النصوص والوجدان، ثمّ نال من امتداد الجزيرة العربية وما امتاز به إنسانها من أنفة وشجاعة، وأتاحت له ملاصقة العراق بلاد الرافدين ما جُبل عليه أهلها من صلابة وجلد، وإن تكاثر الخلال الحسنة لمظنة النبوغ والتصدر والعراقة، أو هكذا يجب.
كما امتزجت مع عرب الأردن أعراق كثيرة، ومع ذلك بقي البلد عربي اللسان، إسلامي الثقافة، واضح السمت، ويحقّ للأردن أن يفاخر بتجربة الاندماج بين بيئات وقوميات وأديان ضمن نسيج واحد لا تؤثر عليه الاختلافات، فالبلد لديه قدرة على اجتذاب الآخرين واحتوائهم ضمن كيانه ومكوناته دون أن يُصاب بعسر هضم، أو يضطر لإخراج عنيف، ومن شواهد ذلك شيوع الزواج من بلاد عربية أو أجنبية، وأصبح الرجل الأردني مثل مجتمعه يستوعب القريب والبعيد، وإن كنا نتمنى عليه ألّا يغفل عن بنات دياره ذوات الحسب والخلق والجمال، وفي كلٍّ خير.
ثمّ إني لاحظت من خلال الاستماع حبّ الأردني لوطنه سواء أقام فيه أو تغرب عنه، ودون ادعاء متضخم كما تفعل شعوب أخرى تجاه أوطانها، مع توقير الأردني لبيت المُلك الهاشمي، ومؤسسة الحكومة حتى وإن اختلف معها أو كانت له آراء أخرى، وهي محبة متبادلة تطلّ منها معاني التوافق والتراحم والتعاذر، وإن استمرارها ونماءها لكفيل بخلق مجتمع حر صريح صاعد، وأبتهل لله ألّا يعثرها تغوّل جانب، أو غلو جانب آخر.
ويوجد بين القرى والبلدات الأردنية الصغيرة منها والكبيرة تنافس في ميادين الشرف وتخريج العلماء والمبدعين، وابتداء المشاريع والبرامج المجتمعية؛ وكم من مرة نهض أهل بلدة بعمل تطوعي لصالح قريتهم ثمّ أكملته الوزارة المعنية، ولهم تجارب إن في تشييد المدارس أو تمهيد الطرق وغيرها، ونتيجة لهذه الخصيصة يُعدّ الأردن من أفضل البلاد العربية في المجتمع المدني على الصعيد النظري والعملي.
أما عن مستوى التعليم في الأردن وشغف الناس به فلا نعجب إذا عرفنا تقديس التعليم والمدرسة والقراءة، ويتضح هذا جليًا في مخرجات الجامعات الأردنية من جميع التخصصات خاصة الشرعية والصحية والتقنية والهندسية، فللطبيب الأردني مهارة مشهودة مشكورة، ولمبدعي التقنية آثار ومنتجات، وضمن أطروحاتهم العالية دراسات شرعية مرجعية، والمعلم الأردني عميق مؤثر، وأرجو ألّا يفقد التعليم وهجه عند الجيل الأردني المعاصر؛ ذلك أن التعليم يصنع أعظم ثروة أردنية وهي الإنسان كما كان يؤكد ويكرر الملك الراحل الحسين بن طلال.
كما أني وقفت على عراقة الأسرة الأردنية، وتماسكها، والتزامها العام بأعرافها وتقاليدها، وتقديرها لكبرائها وأكابرها، وأسأل الله أن يزيد تماسكهم وتلاحمهم، وأن تنجو بلادهم من كيد الذين حسدوا الشرق على دفء الأسرة، وتزاوجها الشرعي، وتناسلها الكثير، والتوقير العائلي البيني، ومكانة البيت وربّ الأسرة، وتصوّن المرأة وعفتها، وسرني كثيرًا أن سمعت من ضيفات البرنامج وهنّ على درجات عالية من التعليم والعمل قولهن: بيتي، وزوجي، وأولادي في الدرجة الأولى عندي، وستظلّ الأردن بخير مادامت هذه التراتبية باقية.
بينما لاحظت نشاط أعضاء المجتمع في العمل الأساسي والإضافي، ولذا يسترزقون من قيادة سيارات الأجرة، ويعملون في المطاعم والمقاهي والمتاجر التي تتيح لهم فرص الاكتساب، ولبعضهم أعمال من خلال المنزل أو عن بعد، دون أن يؤثر ذلك على الواجبات الأسرية والدراسية، والالتزامات التي ليس منها بدٌّ، وصفة الجدية ظاهرة في هذا المجتمع الذي يعاني من الغلاء وقلة الثراء، دون أن يضطره هذا البلاء لفقدان شيمه النبيلة، أو التنكر لأصوله النقية، ومبادئه القيمية.
أيضًا يتجلّى في الأردن وفرة رجال الدولة من رؤساء الحكومات والوزراء وأمناء المدن ومديري الجامعات والمفكرين، وقلّما تسمع لمسؤول أو مثقف أردني دون أن يعجبك منطقه ولو لم توافقه على أفكاره، والشيء بالشيء يذكر فإن المنتج الثقافي الأردني المطبوع مع عمقه وجودته وجدّة بعضه ليس له من الحضور ما يتناسب مع متانته، ولا أدري من الملوم، وإن كنت أثق بأن هذا الشعب الأبي المعتني بحسن تمثيل بلاده حتى فيما يُعرض على شاشات التلفزة سيسعى لتكثيف حضور الثقافة الأردنية في البلاد العربية.
وبإمكان الأردن أن يكون في محيطه مثل ماليزيا أو سنغافورة في جوارهما، ولا يشترط لذلك سوى عمل حكومي وشعبي دؤوب مستقل عن الضغوط التي تمليها المنظمات أو الدول القوية، وستصبح الأردن قلعة تقنية، أو واحة تعليمية، أو مزرعة منتجة، أو مصنعًا مبدعًا، أو بيئة علاجية مكتملة الأركان، والله يلهم أهل الشأن هناك ما فيه الصالح لهم، والخير العميم لأجيالهم.
بقي أن أقول بأن فوائد البرنامج التلفزيوني كثيرة، منها أن قائدة طيارة سُألت: هل تلزم الشجاعة لقائد الطائرة؟ فأجابت: كلا! لأن شجاعته المتهورة قد تهلك الركاب معه، ونقل متحدث عن والدته الأمية نصيحتها له إذا وجد ورقة ملقاة على الأرض بأن يحملها ويقرأ ما فيها من علم أو فائدة، وأرادت طبيبة شرعية الخلاص من رهبة الشهادة أمام المحكمة فنصحها زميلها الخبير بأن تُبقي على هذه الرهبة كي لا تشارك في الظلم أو حرف مسار العدل، وقال الأخير: إن المرأة في ديارنا تسمى “وديعة الأجواد”! ومن نافلة الكلام أن البرنامج فيه فرائد كثيرة، وإنما كتبت العالق بالذاكرة منها.
حفظ الله الأردن بلد النشامى وأهله من شتى المنابت والأصول. وأشير إلى علمي اليقيني بأني ركزت على الصورة الإيجابية المشرقة وهي الغالبة بفضل الله، ولا يخلو مجتمع أو بلد من ملحوظات أو نقص، وليت أن أساتيذ التربية وعلم الاجتماع في هذا القطر الكريم ينشطون لدراسة الشخصية الأردنية من جميع جوانبها بما ينفع مجتمعهم، وصانع القرار ومتخذه، ويعين على مستقبل أحسن لبلد ذي نصيب كبير من العراقة والبركة، وعبق التاريخ، والأهمية المستقبلية لنهره وصحرائه وجباله وواحاته.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الأربعاء غرة شهرِ شعبان عام 1441
25 من شهر مارس عام 2020م
7 Comments
ولكن مع الآسف الشديد نجد في بعض اهل الاردن كرهاً شديداً للسعودية ودول الخليج, وهذا واقع ملموس ومشاهد, الى درجة ان البعض اصبح لا يدخل الاردن بسيارته الشخصية خشيتاً من تعرضها للسرقة او سوء المعاملة, وكذلك لا ننسى المواقف التاريخية للاردن والتي كان بعضها ضد الخليج على سبيل المثال غزو الكويت. نسأل الله ان يصلح الاحوال ويوحد صفوف المسلمين
كلام ليس منصف
عليك أن تعلم أن الاردن فيها أبناء عشائر وأصول امتداد لعشائر الحجاز وطباع رجال كرماء
وهناك من تم تجنيسهم من عدة دول وهم كثر
أبناء العشائر الاردنية لا يمكن أن يكونوا كما وصفت
وأما حرب الخليج فلها حسابات سياسية وقتيه… والكثير لم يكن يرغب بشيء منها
ولكن الذي يجب أن تعلمه أن الاردني يحب السعودية والخليج حبا لا مراء فيه وتجد الغالبية من الاردنيين من يدافع ويقف مع السعودية في كل أمر ليس منة بل يعتبره واجب عليه
كلام ليس منصف
عليك أن تعلم أن الاردن فيها أبناء عشائر وأصول امتداد لعشائر الحجاز وطباع رجال كرماء
وهناك من تم تجنيسهم من عدة دول وهم كثر
أبناء العشائر الاردنية لا يمكن أن يكونوا كما وصفت
وأما حرب الخليج فلها حسابات سياسية وقتيه… والكثير لم يكن يرغب بشيء منها
ولكن الذي يجب أن تعلمه أن الاردني يحب السعودية والخليج حبا لا مراء فيه وتجد الغالبية من الاردنيين من يدافع ويقف مع السعودية في كل أمر ليس منة بل يعتبره واجب عليه
الانصاف عزيز، و لا يخلو مجتمع من خير وشر. جل المجتمعات العربية والإسلامية خيرها ومعروفها أكبر وأعظم. الأردن العزيز بلد كرم ومكارم وأصول. حياكم الله دوما.
زدنا عنهم ، حج معنا شخص أردنيا ، من بادية الأردن قبل ١٠ سنوات لم أنساه حتى اليوم ، ملئ بالمروءة والشهامة من رأسه حتى أخمص قدمية ، فاصبحت متشوق لمعرفة ثقافة هذا الشعب
التهمت المقالة في المطار وانا راجع من الأردن.. سلمت يمينك.. ويسامحك الله شوقتني للعودة
ماشاء الله
قلم سيال وافكار ناضجة
وآراء طيبة للتطوير والابداع
وتوجيهات سديدة اختلطت بالحب والاحترام والتقدير
بوركت ونفع الله بك