سياسة واقتصاد عرض كتاب

الصّحافة الكويتيّة: صراع وتحيّز!

Print Friendly, PDF & Email

الصّحافة الكويتيّة: صراع وتحيّز!

لا يستطيع أحد إنكار الأثر الكبير لوسائل الإعلام في حياة النّاس وشؤونهم، وهذا الأثر موجود أيّا كانت طبيعة المجتمع، أو شكل مؤسسة الحكم فيه، أو مستوى الحرّيات والوعي، وإنّما يختلف قوّة وضعفًا طبقًا للعوامل السّالفة، فضلًا عن مهنيّة روّاد الصّحافة، ومقدار الدّعم الذي يحظون به.

ولا ينفكّ الباحث والمترجم المهندس الدّكتور حمد بن عبدالعزيز العيسى عن مغازلة الحريّة والنّزاهة والوعي بإبداعاته المترجمة، التي يجتهد في خدمتها انتقاء، وترجمة، وتعليقًا، وإضافة، وترتيبًا، حتى تبدو للنّاظر كأنّها خرجت من رحم واحدة مع أنّ الرجل انفرد بجمع أشتاتها، ثمّ تألّق في الرّصف والإخراج، وأحسن حتى في اختيار الشّخصيّة التي تكتب تقديمًا لمنتجاته وترجماته.

وأستعرض هاهنا على عجل آخر إصداراته، وهو السّادس ضمن سلسلة مختارات د. حمد العيسى: دراسات نادرة، وطبعته الأولى من منشورات منتدى المعارف عام (2018م)، ويقع في (648) صفحة، ويتكون من إهداء وتنويهات، ثمّ تقديم فمقدّمة، وبعدها أحد عشر فصلًا مترجمًا، فثلاثة عشر ملحقًا، وأخيرًا نبذة عن المعدّ والمترجم د. حمد بن عبدالعزيز العيسى، وعنوان الكتاب: الصراع السياسي و “التحيز للحضر” في الصحافة الكويتية المعاصرة، وكتاب فصوله هم آخرون مع النّرويجي كتيل سلفيك صاحب الفصل الأهم دون أن يكون بين الكتّاب علاقة أو ترتيب سابق.

أمّا الإهداء فبحدّ ذاته حكاية مختلفة، ذلك أنّ أبا خالد المغرم بحب الكويت وثقافتها وصحافتها لقربها من بلاده السّعوديّة، وتشاركها معها في مجالات كثيرة، قد جعل عددًا من إصدارته الأخيرة خاصّة بالكويت، وعلى غلاف واحد من أواخرها صورة لمن أهدى له كتابه الأخير هذا، وهو النّائب مسلم البراك الذي استحق من العيسى وصفه بضمير الشّعب الكويتي، والعدو الأول للفساد والمفسدين.

كتب محمّد عبدالقادر الجاسم تقديمًا للكتاب، ولا ينبئك مثل خبير، فهو كاتب ورئيس تحرير، عانى من الإيقاف السّياسي عن الكتابة غير مرّة، وعرف حقائق من داخل عالم الصّحافة الكويتيّة، وأثنى على تعاملها الفعّال مع بعض القضايا، وبالمقابل كانت مقاربتها خجولة وحذرة ولا تتناسب مع حدث مزلزل كالخلاف على منصب الأمير بعد وفاة الشّيخ جابر.

ويرى الجاسم أنّ الصّحافة الكويتيّة تفتقد الحدّ الأدنى من معايير الجودة، ومبتلاة بدرجة من العنصريّة، وهي أقرب إلى الكيانات السّياسيّة منها إلى المؤسسات الصّحفيّة، ولذلك دخلت في دائرة المنافسة مع طرف مقابل آخر، وكانت لها مطالبات تنظيميّة كفصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء، وبعد حدوث ذلك دخلت الصّحافة في وحل النّفاق الإعلامي وهو نهج مميت، وزاد الأمر سوءًا وتضييقًا صدور القانون الجديد عام (2006م)، فأصبحت صحافة الكويت حسب عنوان التّقديم: أسيرة لمصالح ملاكها وارتباطاتهم! وختم الكاتب الجريء تقديمة بجملة حكيمة حين قال: قد يختلف الرّأي حول خلاصات الدّراسات الواردة في الكتاب، بيد أنّنا نتفق أنّها مفيدة حتمًا، وما أجمل الانصاف.

تحتل الكويت المركز الثّالث عربيًا في حريّة الصّحافة بعد تونس ولبنان كما ينقل د. العيسى في مقدّمته، ويختص كتابه هذا في الفترة التي تلت تعديل قانون المطبوعات والنّشر وقانون المرئي والمسموع عام (2006م)، ومع أنّ بعض الدّراسات فيه قديمة إلّا أنّها لم تفقد قيمتها ودلالتها، ولبعضها تحليلات فريدة جديرة بالبقاء.

وتجمع الكتاب وحدة موضوعيّة مع أنّ مترجمه انتقاه من فصول كتب، ودراسات وأبحاث منشورة في مجلّات فصليّة أو أكاديميّة، ومن أوراق بعض المؤتمرات، ومقالات الصّحف والمجلّات، وهو جهد استغرق سبع سنوات غير عجاف حتى اقتنع المترجم بمناسبة دفع هذا العمل في كتاب واحد، وإخراجه إلى الّلغة العربية، وسيلحظ القارئ تكرارًا مقبولًا بين بعض محتوياته بسبب تعدّد مصادر الكتاب.

أبدى العيسى ذهوله من نتيجة دراسة خلصت إلى تحيّز صحافة الكويت للحضر على حساب البدو، ولذلك جعل المترجم هذه النّتيجة عنوانًا لكتابه الذي يضم غيرها، ويعتقد أبو خالد أنّ وصف البدو غير لائق لأنّهم الآن مواطنون مستقرون يمثلون ثلثي سكان الكويت، والحقيقة أنّي لا أرى في هذا الوصف غضاضة أبدًا، وكلمة البدو والحضر كلمتان متقابلتان ليس فيهما معاني تفضيليّة.

كما دهش العيسى من علاقة انفضاح الفساد بين الصّحافة والسّياسة ببزوغ وعي سياسي قوي لدى شباب الطّبقة الوسطى مما أدى لزيادة قوّة الحراك السّياسي، الذي قاد لمسيرات شعبيّة أسقطت بعض الوزراء، ثمّ رئيس مجلسهم فمجلسي الوزراء والأمّة، ونجم عن هذا المولود المعارض الجديد مشاركة فاعلة من البادية والحاضرة خاصّة من ذوي التّوجهات الإسلاميّة التي يترجمها الكاتب إسلامويّة.

وقاد الصّراع السّياسي النّخبوي في الكويت، والانقسام الواضح داخل المؤسسة الحاكمة وأذرعتها إلى نشاط حركة الطّبقات الوسطى من داخل جميع مكوّنات المجتمع الكويتي وطوائفه، وإنّ استمرار هذا الصّدع داخل الجهاز الحكومي ليستلزم ترتيبًا أكبر، وتعاونًا أعظم، وتنسيقًا دائمًا على مستويان عليا لحفظ الكويت وأهلها وثرواتها.

تكشف فصول الكتاب أسرارًا نادرة عن أرقام توزيع الصّحف، وتكلفة إنتاج العدد الواحد، وعدد القرّاء، وعلاقات الرّعاية الماليّة بين السّياسي والإعلامي، وبعض أوجه الفساد داخل الصّحافة خصوصًا خلال الحملات الانتخابيّة، والفضل في بيانها يعود لشجاعة كتّاب ورؤساء تحرير وصحفيين.

ومن ضمن فصول الكتاب الّلافتة فصل عن المرأة والصّحافة الكويتيّة، وآخر ينسف رمي مجلس الأمّة بتهمة تعطيل التّنمية، وثالث عن الخدعة خلف تتابع الانتخابات وأثرها في إنهاك المعارضة وتفكيكها، ورابع عن تحقيقات الفساد التي هزت الكويت ووصفها البروفيسور شفيق الغبرا بووترغيت كويتية، وفي الملاحق شيء من تسريبات ويكيليكس نقلًا عن سفارة أمريكا في الكويت، ودراسات حول أفول الصّحافة الورقيّة.

يهم هذا الكتاب كما هو مختوم على غلافه الأمامي كلّ صحفي عربي، وكلّ مرشح لمجلس الأمّة الكويتي، وعلى غلافه الخلفي صورة لرئيس تحرير القبس وليد النّصف، مع عناوين لاذعة حول الإيداعات الماليّة المريبة، وكلمة ثناء على المترجم من الرّوائي والكاتب علاء الأسواني.

وفي الغلاف الأمامي عناوين صحفيّة عن سحب الجنسيّة، وإغلاق بعض الصّحف، وصورتين إحداهما للمناضل الشّهير مسلم البّراك، والإعلامي محمّد الوشيحي، خلال حلقة في قناة اليوم وجّه فيها البراك أصابع الاتّهام نحو مسؤول رفيع بالاختلاس؛ فأغلقت قناة اليوم، وسحب ترخيص صحيفة عالم اليوم، في ذلك اليوم! وأنا اليوم أتمنى أن يمضي القارئ وقتًا ماتعًا مع هذا الكتاب!

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض

ahmalassaf@

الاثنين 17 من شهرِ ربيع الآخر عام 1440

24 من شهر ديسمبر عام 2018م

 

Please follow and like us:

2 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)