خطباء عرفة خلال قرن!
بحثت فيما مضى عن خطباء جامع نمرة خلال العهد السّعودي، ثمّ كتبت مقالة حظيت بانتشار مناسب، وربّما استفاد من معلوماتها عدد من المواقع والحسابات، مع أنّي ذكرت بأنّ بعض ما ورد فيها ظنّي ليس عليه دليل قطعي عندي، والمسؤوليّة تقع على مَنْ نقل معلوماتها المحتمَلة جازمًا بها.
لذا عدت للبحث والسّؤال من جديد، ونبشت في أعداد صحيفتي أم القرى، وصوت الحجاز المحفوظة في موقع دارة الملك عبدالعزيز، ومركز المحفوظات الوطني، فاستبان لي وجود إضافات مهمّة؛ فشرعت على إثرها في كتابة هذا المقال، علمًا أنّي لم أستطع الاطلاع على أعداد بعض السّنوات، وقد تكون محتجبة أو مفقودة أو مخفيّة.
والغريب أنّ محرري هذه الصّحف كتبوا عن كلّ صغيرة وكبيرة في الحج، بيد أنّهم نادرًا ما تطرّقوا لخطبة عرفة، وحين يُسرد مسير الموكب الرّسمي للملك أو لأمير الحج، تُعاد الكلمات والجمل ذاتها سنويًا دونما تجديد، ويغفِل المحرّر ذكر اسم خطيب الموسم؛ فضاع علينا خبر يقيني من جرّاء هذا الصّنيع المنافي للمهنيّة.
ومن نفيس ما وقعت عليه هذه المرّة، وهو إضافة غير مسبوقة فيما أعلم، أنّه في سنة 1343 تقدّم الشّيخ محمّد بن عبدالّلطيف بن عبدالرّحمن بن حسن بن محمّد بن عبدالوهّاب لمنبر نمرة في يوم عرفة، وخطب في المصلين بعد إذن السّلطان عبدالعزيز كما ذكرت صحيفة أم القرى في عددها رقم (28) الصّادر يوم الجمعة الثّامن عشر من شهر ذي الحجة عام 1343.
والشّيخ محمّد هو جدّ سماحة المفتي الحالي، وله تاريخ علمي وثقافي واجتماعي كبير، يتلّخص في علومه التي نشرها، ومكتبته الضّخمة التي جمعها، وبيته المفتوح للأضياف وطلاب الحاجات إلى أن توفي عام 1367، عن عمر يكاد أن يلامس قرنًا من الزّمان، وسيرته عطرة حقيقة بالنّشر، والاقتداء.
وفي عام 1344 خطب الشّيخ عبد الله بن حسن بن حسين بن علي بن حسين بن محمّد بن عبدالوهّاب، وظلّ خطيبًا حتى عام 1369 أي لمدة ربع قرن، وهذه المعلومة عن روايات شفهية ظنيّة تحتاج لتوثيق، فلم أعثر على خبر يؤكدها إلّا عن موسم حج عام 1351 كما في العدد رقم (52) من صحيفة صوت الحجاز الصّادر في 15 من شهر ذي الحجة عام 1351. وجميع الرّوايات الشّفهيّة تشير إلى الشيخ عبدالله خلال المدّة المذكورة، إذ كان حينها رئيس القضاة بالحجاز، إلى أن توفي عام 1378 عن واحد وتسعين عامًا، وله مواقف مشهودة في الصّدع بالحق.
بينما خطب في موسم حج عام 1370 الشّيخ محمّد بن عبدالله بن حسن آل الشّيخ حسبما ورد في صحيفة أم القرى ضمن عددها رقم (1379) الصّادر في 17 من شهر ذي الحجّة عام 1370، وهذه المعلومة غير متداولة قبل هذه المقالة فيما أعتقد. وخلال الأعوام من 1371-1376 لم يتبين معي اسم خطيب عرفة جزمًا، والظّنّ ينحصر غالبًا بين الشّيخ عبدالله بن حسن ونجله الشّيخ عبدالعزيز.
ثمّ اعتلى منبر عرفة منذ عام 1377حتى عام 1398 الشّيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن آل الشّيخ طبقًا لما روي لي، وأشارت إلى ذلك بعض المصادر دون تحديد السّنوات، ولم يتمكن الشّيخ من إلقاء الخطبة عام 1399، بسبب سفره للعلاج، فصعد لمنبر نمرة في تلك السّنة الشّيخ صالح بن محمّد الّلحيدان، وهذه الخطبة محفوظة في موقع اليوتيوب؛ وربّما تكون ثاني خطبة متاحة على هذا الموقع من خطب جامع نمرة في يوم عرفة. أما أوّل خطبة وجدتها محفوظة في اليوتيوب فكانت للشّيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن عام 1398، مع أنّ البّث التّلفزيوني المباشر لمناسك يوم عرفة بدأ منذ عام 1394 كما جاء في عدد صحيفة أم القرى رقم ( 2557) وتاريخ 20 من شهر ذي الحجّة عام 1394، بينما بدأ تسجيل الموسم تلفزيونيًا من عام 1391 طبقًا لما ورد في سيرة د.عبدالرّحمن الشّبيلي المنشورة أخيرًا.
وعاد الشّيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن إلى إلقاء خطبة عرفة عامي 1400، و1401، واعتذر عنها إلى أن توفي عام 1410 عن أربعة وسبعين عامًا، علمًا أنّه في عام 1381 تولّى الشّيخ عبدالعزيز الخطابة في المسجد الحرام، وجامع نمرة، وكان وزيرًا للمعارف أيضًا، وفي عام 1396 كان رئيسًا لهيئات الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وخطيبًا لعرفة.
وسمعت أنّه بعد اعتذاره رشّح لصديقه الملك فهد بديلًا عنه، وهو خلفه الشّيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشّيخ، حفيد أوّل خطيب لجامع نمرة في العهد السّعودي، فقضى الشّيخ عبدالعزيز على المنبر أطول فترة متواصلة فيما يبدو لي، إذ خطب منذ موسم حج عام 1402 حتى موسم حج عام 1436، وكانت أوّل سنتين بتكليف مؤقت، ثمّ صار التّكليف دائمًا، وجمع إمامة مسجد نمرة مع منصب مفتي عام المملكة، ورئيس هيئة كبار العلماء، ورئيس إدارة الإفتاء، إلى أن أعتذر عن الخطابة لأسباب صحيّة.
فصعد إلى منبر عرفة في عام 1437 الشّيخ د.عبدالرّحمن بن عبدالعزيز السّديس إمام الحرم المكي، ورئيس شؤون الحرمين، وفي عام 1438 خطب في مسجد نمرة الشّيخ د.سعد بن ناصر الشّثري عضو هيئة كبار العلماء، ورجع المنبر عام 1439 إلى أسرة آل الشّيخ، حينما صعد عليه إمام وخطيب المسجد النّبوي الشّريف، الشّيخ د.حسين بن عبدالعزيز بن حسن بن عبدالعزيز بن حسين بن حمد بن حسين آل الشّيخ.
وبناء على ما سبق، يكون عدد خطباء مسجد نمرة خلال العهد السّعودي منذ عام 1343 حتى عام 1439 تسعة خطباء، ستّة منهم ينتمون إلى أسرة آل الشّيخ، خطبوا خلال ثلاثة وتسعين عامًا، وننتظر مع المنتظرين إلى شهر ذي الحجّة القادم عام 1440؛ لنرى من سيكون خطيب الموسم على منبر نمرة في يوم عرفة، وهل يُضاف إمام جديد إلى القائمة، أو يستمر الشّيخ حسين، والله يبلغناه على خير في ديننا ودنيانا.
وأيًا يكن، فالمأمول أن تكون خطبة يوم عرفة على هدي خطبة النّبي صلّى الله عليه وسلّم، وخطب خلفائه الرّاشدين، ومن تلاهم من الصّحابة والتّابعين وخيرة الأمّة، التي تتميز بكونها علميّة مرتبطة بالكتاب، والسّنة، وإرث علماء الإسلام، متباعدة عمّا يجرح قداسة المكان، وجلال الموقف، وضخامة المشهد، فالتّجربة تعلّمنا أنّ انحراف الخطبة عن هذا المسار يصرف النّاس عنها إلى نقدها ورفض محتواها؛ وهذا ما لا يرتضيه من يرجو الله، وينشد الخير والمصلحة الشّرعيّة.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض
الخميس 07 من شهرِ ربيع الأوّل عام 1440
15 من شهر نوفمبر عام 2018م
15 Comments
صدر في يوم الخميس 07-12-1440 توجيه بتكليف الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ ليكون خطيب عرفة لهذا العام، وهو الخطيب العاشر في العهد السعودي.
صدرت الموافقة الملكية يوم الثلاثاء 07 من شهر ذي الحجة عام (1441) على إسناد خطبة عرفة لمعالي الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع عضو هيئة كبار العلماء، وهو الخطيب الحادي عشر منذ عام 1343، وسادس خطيب لعرفة في عهد الملك سلمان، وخامس خطيب من أعضاء هيئة كبار العلماء، ورابع خطيب ليس من أسرة آل الشيخ منذ عام 1343، ومن أكبر الذين اعتلوا منبر نمرة عمرًا إذ يخطب وهو فوق التسعين ( ولد عام 1349)، أمتع الله به، ووفقه وألهمه.
صدر يوم الأربعاء 04 من شهر ذي الحجة عام 1442 أمر بتكليف الشيخ د.بندر بن عبدالعزيز بليلة ليخطب في عرفة، والله يوفقه.
صدرت موافقة ملكية يوم الثلاثاء 06 من شهر ذي الحجة عام 1443 بأن يكون خطيب عرفة لموسم حج عام 1443 هو الشيخ د.محمد بن عبدالكريم العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، والله يوفقه للصواب.
صدرت اليوم الثلاثاء غرة شهر ذي الحجة عام 1444 الموافقة الكريمة على أن يخطب في يوم عرفة من حج هذا العام معالي الشيخ د.يوسف بن محمد بن سعيد عضو هيئة كبار العلماء، ويكون الشيخ د.ماهر بن حمد المعيقلي إمامًا احتياطيًا، وهذه أول مرة فيما أعلم ينص على الإمام الاحتياطي.
وبذلك يكون معالي الشيخ د.يوسف هو الخطيب التاسع في عهد الملك سلمان، والخطيب الرابع عشر في العصر السعودي منذ عام (1343)، وتاسع خطيب لعرفة ليس من أئمة الحرمين، وثامن خطيب في نمرة من أعضاء هيئة كبار العلماء، والله يوفقه ويلهمه.
شكر وتنبيه
الأستاذ الفاضل أحمد بن عبد المحسن العساف
السلام عليكم
أشكر لكم ما تبذلون من جهود فيما تخطون من مقالات نافعة في موضوعات شتى
زادكم ربي من فضله علمًا وعملًا متقبَّلًا.
ثم أودُّ لفت نظركم الكريم إلى أن عبارتكم عن أول خطباء عرفة العلامة الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ توحي أنكم أول من اكتشف هذه الحقيقة! أي أنه كان أول من خطب في عرفة في عهد الدولة السعودية الثالثة.
ولكن حفيد الشيخ الأستاذ عبد المحسن بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ سبقكم إلى نشر هذا، في كتابه عن جده محمد بن عبد اللطيف عام 1432هـ/ 2011م (تاريخ مقدمته للكتاب)، أي قبل مقالتكم هذه بسبع سنين!
وقد نقل في الصفحة 85 نصَّ الخبر من جريدة أم القرى العدد 28 نفسه الذي ألمعتُم إليه.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى
وتفضلوا بقَبول وافر التقدير
الأستاذ العزيز أيمن بن أحمد ذو الغنى:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرًا لكم، وقد اطلعت على الكتاب لكن بعد نشر المقال بمدة، ولم أغير العبارة لسببين أولهما: أني أقصد من كتب أو أعد مادة عن خطباء عرفة خلال العهد السعودي كما هو واضح من السياق، وثانيهما: أني احترزت بقولي المكتوب فيما أعلم، وشكرًا لكم على التنبيه وللشيخ المؤلف، علمًا أن كثيرًا ممن كتب عن خطباء عرفة، أو أعد موادًا إعلامية مرئية أو مسموعة، قد اتكأ على ما كتبته أو على قسم مما كتبته دون إشارة، والمهم الفائدة الصحيحة.
صدرت موافقة ملكية يوم الاثنين 19 من شهر ذي القعدة عام 1445 بأن يكون خطيب عرفة لموسم حج عام 1445 هو الشيخ د.ماهر بن حمد المعيقلي إمام المسجد الحرام وخطيبه، والله يوفقه للصواب والسداد.