سير وأعلام

سليمان بن ريس: حنان وبر وإحسان

أسرة آل ريس من أسر الرياض العريقة، القديمة، الكبرى. تنتسب هذه الأسرة الكريمة إلى قبيلة بني حنيفة، وهم من قدماء أسر حجر اليمامة والدرعية والرياض، وقد أخذ جدهم الأعلى التسمية التي تحملها الأسرة الآن لأنه كان رئيس الدروع والمقدّم فيهم. تحتفظ سجلات هذه الأسرة بعدد جمٍّ من الرجال والنساء أصحاب المآثر في العلم، والأنساب، والمواريث، وصنائع المعروف، والزراعة، والتجارة، كما حفظت الرياض القديمة لهم المسميات في الطرق، والمزارع، والمساجد، والمقابر، وسجلت أسماء رجال منهم في معارك تأسيس الدولة السعودية، وفي مسيرة التوحيد على يد الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله-.

من هذه الأسرة النبيلة الشيخ سليمان بن عبدالعزيز بن عبدالله بن ريس (1354-1446=1934-2024م) الذي نعاه نجله الأكبر “عبدالعزيز” صبيحة هذا اليوم، بعد سنوات من إغماءة المرض. سوف يصلى على راحلنا الغالي عصر اليوم الاثنين في جامع الملك خالد بأم الحمام، ثمّ يدفن في مقبرة شمال الرياض، والله يغفر له، ويثبته بالقول الثابت، وينير له المرقد ويرحمه، ويحسن العزاء لعائلته وأسرته، ويرزقهم الصبر والأجر والسلوان.

ومع أن الشيخ نشأ يتيمًا منذ صغره، إلّا أنه نال من الرعاية والعناية ما جعله قويم التصور والسلوك في خاصة أمره وعامته، واستبانت منه آية الرشد مبكرًا، حتى أن كبار الأسرة ليطمئنون حين يرتبط فتيانهم بالشاب سليمان الذي كان آنذاك فتى الكهول رزانة واستقامة وحكمة، وكان واسطة العقد في اجتماع بعض شبان الأسرة، وسببًا في تآلفهم. وقد حمل الشيخ في نفسه منذ بواكير عمره همّ الأسرة، والحرص عليها، وبذل أي شيء من شأنه أن يجمع الشمل، ويقوي اللحمة، ويزيد في الأواصر.

لأجل ذلك جعل أبو عبدالعزيز من الأسرة مشروع حياته الأساسي في برنامجه وتدبيره. من مفردات هذا المشروع سعيه لعقد لقاءات الأسرة في العيدين وغيرها من المناسبات، وحثه العاملين معه على الترفق والإعذار في هذا المضمار الذي لا ينجع فيه شيء أكثر من التغاضي ورخاء البال. ثمّ سمت همته مع آخرين من كبار أسرته لإنشاء مؤسسة خيرية تتولى تلك الشؤون كافة، وهو ماكان بترخيص رسمي يحمل اسم حجر اليمامة.

وما أن استقرت المؤسسة حتى عملت على تنظيم اللقاءات، وابتداء البرامج، وأصدرت درة أعمالها المتمثلة في شجرة الأسرة المعتمدة، ثمّ تطلعت إلى بناء تطبيق إلكتروني يجمع أسرة آل ريس وتاريخها وحاضرها. وشرعت في التحضير لتأسيس وقف ناجز تكون منه النفقة على ما يستحق الصرف والعطاء، وما يغدو سببًا في الاستمرار والتطوير. هذه الأفكار كلها تصب في ميزان حسنات راحلنا بإذن الله، حتى لو كان بعيدًا عن بعضها، وحتى لو شاركه غيره فيها.

كما سعى الشيخ سليمان إلى إعادة بناء مسجد الأسرة القديم، وبعد البناء الحديث للمسجد الواقع في قلب العاصمة الرياض، وقرب آثار آل ريس من مزارع وشوارع، سانده الشيخ ماديًا ومعنويًا، وأقام فيه وجبة إفطار منظمة سنويًا خلال شهر رمضان الكريم، مع برنامج دعوي مناسب، وتابع ما يخصّ المسجد، رجاء أن تكون أجور هذه الأعمال لمن مضى من الأسرة، ولمن شارك فيها من أفرادها، وحتى تكون من روابط الخير والإحسان الشائعة داخل أسرته؛ فالعطاء مكرمة وفضل وأجر وذكر.

ولم يكتف أبو عبدالعزيز بذلك، بل تابع أي أمر يعني الأسرة ومن ارتبط بها، وتعامل مع كل حال بما يقتضيه حتى ينتهي إنجاز المطلوب على أكمل وجه، وبما يرفع الحاجة ويقطع ديمومتها. ومن صنيع الشيخ مع أسرته أنه يتواصل مع العاملين في مناشطها قبل انطلاق المؤسسة وبعد قيامها؛ فيشكرهم ويثني على جهودهم بصدق واحتفاء. لقد كانت كلماته الأبوية الصادقة خير حافز يدفع الشباب والفتيات والنساء للعمل الاحتسابي في هذا الحقل المرهق، وكان حضوره الحنون أقوى وقود محرك لهذه الطاقات.

ومما امتاز به الشيخ هبته لتفريج الكروب والإحسان دون إعلان، وله في باب القرض الحسن مواقف لا تنسى، وله مع الصدقات يد طولى، وله في دعم مؤسسة أسرته مسابقة من مثله لا تستغرب. إن هذا الإقبال على العطاء يهب للمرء من الرَّوح والسعادة أضعاف ما يجده الآخذ والمكتنز. إن هذه اللذة لا يشعر بها إلّا من صفت جواهرهم، وسمحت نفوسهم، وسمت للعلياء أرواحهم، وهو عطاء يقع في يد المولى الكريم العزيز -جل شأنه- قبل أن يصل للمستفيد منه.

أما في حياته العامة، فقد حافظ الشيخ على واجبات دينه، وحقوق وطنه، ولوازم مجتمعه، ومقتضيات المجال العام من سمت ومنهج. كما امتاز الشيخ بلطف الأحدوثة، وحسنها، وخفض الصوت، والتواضع، والقرب من الكافة بالرأي والشفاعة لدى القادرين والأثرياء. وفي منزله أطاب أبو عبدالعزيز المعشر، وأجاد التربية، وصبر على ما أصابه من مرض زوجه ووالدة ذريته، ثمّ صبر على ما نزل به من ألم حتى فارق الوعي؛ لتكتب له أجور الصالحات التي كان يعملها وهو صحيح مقيم بفضل من الله وكرم. غفر الله للشيخ سليمان، ورحمه، وأحسن عزاء أولاده، وعائلته، وأسرته، ومحبيه. رحم الله الشيخ سليمان بن عبدالعزيز بن ريس الذي آتاه الله حنانًا وزكاة وبرًا وتقوى، واحتشدت فضائله لعمل الخير داخل أسرته ومجتمعه، مثله مثل خيار أكارم يزدان بهم عصرنا.

ahmalassaf@

الرياض- الاثنين غرة شهرِ جمادى الآخرة عام 1446

02 من شهر ديسمبرعام 2024م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)