سياسة واقتصاد سير وأعلام

المالية: وزارة الملوك والأمراء ورجال الدولة الكبار!

بعد خمس سنوات هجرية، سوف تكمل وزارة المالية السعودية مئة عام منذ تحولت وكالة المالية إلى وزارة بأمر من لدن الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- عام (1351=1932م). هي ثاني وزارة سعودية بعد وزارة الخارجية، وتشترك الوزارتان معًا بالأقدمية والقرب من ملامسة قرن من الزمان، وأنهما أسندتا إلى ملك وأمراء ورجال دولة كبار، وأنهما كانتا من حقائب رئيس مجلس الوزراء إبان رئاسته للمجلس. سوف يتضح كذلك من قائمة وزراء المالية أن اثنين منهما تولوا حقيبة وزارة الخارجية، وأن أربعة وزراء للمالية أمضوا فيها ثلاثة أرباع قرن، بينما تعاقب على الوزارة ستة وزراء في حكم الملك سعود.

أول وزير للمالية هو الشيخ عبدالله السليمان، وهو بذلك ثاني سعودي يسمى وزيرًا لوزارة، والأول من غير الأمراء في هذا المنصب الرفيع. استمر ابن سليمان وزيرًا للمالية من 11 من شهر ربيع الآخر عام 1351 حتى 06 من شهر محرم عام 1374، أي أن وزارته كانت في عهد ملكين اثنين، وقد جمع بين وزارتين بالأصالة لمدة قصيرة هما وزارة المالية ووزارة الاقتصاد قبل دمجهما في زمن خلفه. يحسب لابن سليمان -ضمن حسنات أخرى- أن كثيرًا من الوزارات تفرعت عن المالية التي احتضنت وزارات مهمة كالدفاع والنفط والإعلام، كما تخرج في هذه الوزارة عدد كبير من الوزراء والمسؤولين، خاصة مع بدايات نشأة الدولة الحديثة، وأجهزتها الإدارية، وكان لابن سليمان مشاركة مهمة في مسألة النفط وامتيازات الاكتشاف والاستخراج.

ثمّ تلاه الوزير الشيخ محمد سرور الصبان الذي أصبح ثاني وزير للمالية، وأول وزير للمالية والاقتصاد الوطني بعد ضم الوزارتين معًا، ولم تطل وزارته التي ابتدأت في 06 من شهر محرم عام 1374 وانتهت في 03 من شهر شعبان عام 1377. اشتهر الشيخ الصبان بثقافته الواسعة، حتى أنه صاحب أول كتاب أدبي معروف طبع في العهد السعودي. وإليه يعود فضل تأسيس رابطة العالم الإسلامي في عهد الملك فيصل.

بعد ذلك أصبح الأمير-الملك- فيصل وزيرًا للمالية ابتداء من 11 من شهر محرم عام 1378 حتى 03 من شهر رجب عام 1380، علمًا أنه جمع هذه الوزارة مع وزارة الخارجية -وزارته الأولى-، ومع وزارة الداخلية التي أسندت إليه مؤقتًا إبان تلك الحقبة، إضافة إلى توليه مسؤولية رئاسة مجلس الوزراء. خلال جزء من هذه المدة الفيصلية، بل في الأمر الملكي نفسه، سمي الشيخ عبدالله بن عدوان وزير دولة للشؤون المالية والاقتصادية، وهو المسمى الذي لم يتكرر لغيره، ولا أعلم على وجه اليقين إن كان الشيخ ابن عدوان قد صار عضوًا في مجلس الوزراء أم لا.

وفي 03 من شهر رجب عام 1380 عاد الأمير طلال لعضوية مجلس الوزراء وزيرًا للمالية، وهو أول وزير يرجع لعضوية المجلس بعد مغادرته، واستمر وزيرًا حتى غرة شهر ربيع الآخر عام 1381. وفي أيام وزارته طبع الإصدار الأول من العملة السعودية الورقية وعليها توقيعه باعتباره وزير المالية، وأُسس معهد الإدارة ورأس طلال أول مجلس إدارة له. وجاء بعده شقيقه الأمير نواف الذي عين وزيرًا للمالية والاقتصاد الوطني بتاريخ 06 من شهر ربيع الآخر عام 1381 حتى اليوم التاسع من شهر شوال عام 1381، وبينهما أدار الأمير محمد بن سعود وزارة المالية بالوكالة خلال هذه الأيام القليل عددها.

أما سادس وزير للمال فهو الأمير مساعد بن عبدالرحمن الذي ظلّ وزيرًا للمالية والاقتصاد الوطني منذ التاسع من شهر شوال عام 1381 حتى الثامن من شهر شوال عام 1395، ويمكن وصفه بالمؤسس الثاني للوزارة الذي اجتهد في ضبط أعمالها، وقيادتها بالحزم الذي عرف به، والتدقيق الذي صبغ منهجه الإداري. كما أنه استقطب عددًا من الأسماء المميزة التي عملت معه في المالية مثل الشيخ صالح الحصين وغيره. من فرائد الأمير مساعد أنه الوحيد من إخوة الملك المؤسس الذي عمل في منصب حكومي بارز، وأنه الوحيد في تاريخ المجلس الذي خلف ثلاثة من أبناء أخيه على الوزارة ذاتها. وخلال وزارته صدر بتوقيعه الإصدار الثاني من العملة السعودية زادها الله قوة ونفوذًا.

تلاه على المنصب نائبه في الوزارة، وأول وزير دولة للشؤون المالية مع عضوية مجلس الوزراء بين عامي (1391-1395)، وهو الشيخ محمد العلي أبا الخيل، الذي اختير وزيرًا للمالية بدءًا من 08 من شهر شوال عام 1395، ويقي في منصبه حتى 06 من شهر ربيع الأول عام 1416. وقع الشيخ محمد على الإصدارين الثالث والرابع من العملة الوطنية زادها الله متانة وتأثيرًا، وهو وزير همام جلد على العمل دون ضجيج إعلامي، كما أنه مثل سلفه شغل هذا المنصب في عصر ملكين اثنين.

وعندما حلّ الملك فهد مجلس الوزراء عام (1416=1995م) وأعاد تكوينه، كان المرشح لهذه الوزارة المهمة هو الأصعب، والتكهنات حول تحديده لا تكاد أن تستقر على اسم، حتى صدر الأمر الملكي الذي أسند وزارة المالية للدكتور سليمان بن عبدالعزيز السليم بعد عقدين قضاهما وزيرًا للتجارة. لم يطل المقام بالسليم وزيرًا؛ إذ استعفى من هذا المنصب الجلل، وقبل طلبه بشفاعة من الأمير سلطان، لتغدو وزارته القصيرة جدًا محصورة بين اليوم السادس من شهر ربيع الأول عام 1416 حتى منتصف شهر جمادى الأولى من العام نفسه، وخلالها نقل مسؤولية بعض أجهزة وزارة المالية لغيرها بناء على الاختصاص.

وفي التاسع من شهر رمضان المبارك عام 1416 صدر أمر ملكي بتعيين د.إبراهيم بن عبدالعزيز العساف وزيرًا تاسعًا للمالية والاقتصاد الوطني، ثمّ أصبحت فيما بعد وزارة خالصة للمالية فقط عام 1424 حينما ضم الاقتصاد مع التخطيط في وزارة واحدة. وفيما بين الوزيرين الثامن والتاسع كلّف عميد الوزراء د.عبدالعزيز الخويطر بالإشراف على هذه الوزارة السيادية. للوزير إبراهيم العساف تاريخ طويل من تمثيل المملكة في البنك الدولي، وصندوق النقد، إضافة إلى رئاسة وفودها في قمم دول العشرين ودافوس، وهو صاحب أطول عضوية في مجلس إدارة شركة أرامكو من غير موظفيها.

امتاز الوزير العساف بعدة فرائد تخص عضويته المجلسية، وما يرتبط منها بهذه الوزارة أنه آخر وزير للمالية والاقتصاد الوطني، والوحيد من وزراء المالية حتى الآن الذي غادر منصبه وزيرًا للمالية بيد أنه احتفظ بعضويته في مجلس الوزراء، وقد عمل وزيرًا للمالية بجوار ثلاثة ملوك في سابقة لافتة. يظهر توقيع د.إبراهيم على الإصدار الرابع والخامس والسادس من عملتنا السعودية زادها الله منعة وحفظًا.

أصل أخيرًا إلى عاشر وزير للمالية، وهو الأستاذ محمد بن عبدالله الجدعان الذي أصبح وزيرًا للمالية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- ابتداء من آخر يوم في شهر محرم المكتمل عام 1438 إلى يومنا الحالي. الوزير الجدعان ممن درس الاقتصاد ثم القانون، ومارس المحاماة، وتولى رئاسة هيئة السوق المالية قبل أن يقع عليه الاختيار وزيرًا للمالية. ومن منجزاته البارزة تحويل جلّ أعمال الوزارة وتعاملاتها إلى إلكترونية كي تتوافق مع رؤية المملكة (2030)، فالحكومة الإليكترونية أصبحت هي النموذج المتبع في أكثر مؤسسات الحكومة، والله يوفقه للمزيد من الإنجاز. وقع الوزير الجدعان على الإصدار السادس من العملة السعودية زادها الله بركة وصونًا، وأضاف للوزارة منصات إلكترونية، مع عناية فائقة بكفاءة الانفاق.

هذه هي وزارة المالية خلال مئة عام تقريبًا، وهؤلاء هم وزراؤها العشرة حتى الآن، غفر الله لكل راحل ورد اسمه من الملوك والأمراء والوزراء وسواهم، وحفظ الباقين وأمتع بهم. من نافلة القول الإشارة إلى أن أحدًا من هؤلاء الوزراء لم يكتب سيرة ذاتية فيما أعرف، وإن صدرت كتب سير غيرية عن ستة منهم فيما وقع عليه النظر وبلغه علمي وفوق كل ذي علم عليم، ومن اللطيف الإشارة إلى أن السيرة الذاتية المستطابة للأديب إبراهيم الحسون قد حفظت لنا وقائع نادرة له مع بعض وزراء المالية. أسأل الله الوهاب الرزاق البركة في المال الخاص والعام، والحفظ، والنماء، وعميم النفع والبركات وعظيمها ودائمها.

الرياض

ahmalassaf@

ليلة الجمعة 22 من شهرِ ربيع الآخر عام 1446

25 من شهر أكتوبر عام 2024م

Please follow and like us:

3 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)