سير وأعلام عرض كتاب مواسم ومجتمع

بيت العيسى الأثري في شقراء

Print Friendly, PDF & Email

بيت العيسى الأثري في شقراء

هذا كتاب طويل في شرفه، عميق في معناه، عريق في محتواه، رفيع في عماده، حتى لو كانت صفحاته قليلة، فالعبرة بالمضمون ومعنى المسطور دون حشو السطور وتكرار القول كي تتضخم الصفحات بلا غناء لقارئ متفحص أو متفرس أو متصفح كما يفعل البعض. عنوان هذا الكتاب الجميل هو: بيت العيسى الأثري في شقراء، ومؤلفه هو د.عبداللطيف بن محمد الحميد، وصدرت الطبعة الأولى منه عام (1431=2010م)، ويقع في مئة وصفحتين فقط، وفيه بعد المقدمة تعريف مختصر بأسرة العيسى العريقة، وبصاحب البيت، وبالبيت نفسه، ويتلو ذلك كم من الصور الثمينة.

تعود أسرة العيسى العريقة إلى بني زيد، وهم من أكثر الأسر تعدادًا زادهم الله بركة، ولهم انتشار في عدة بلدان نجدية على رأسها شقراء، وبعض أفرع الأسرة تحمل أسماء أخرى. وفي هذه الأسرة أسماء بارزة رجالًا ونساءً من العلماء، والقضاة، والمؤرخين، والشعراء، والوزراء، ومديري الجامعات، ورجال الأعمال، والإعلاميين، وغيرهم. وقد عمل جمع منهم مع الملك عبدالعزيزرحمه اللهفي أحوال الحرب والسلم، وأسندت لهم مهام وإمارات ومسؤوليات.

أما البيت الأثري فيرجع بناؤه بأمر من الوجيه الشيخ عبدالعزيز بن حمد العيسى إلى عام (1280)، ومساحته تصل إلى ألف متر مربع، وفيه من فنون العمارة ما يشهد على براعة مهندسي البناء القديم في بلادنا، وفي تقسيمات البيت ما يدل على الكرم، والضيافة، والاعتناء بالخصوصية، ومراعاة الأجواء والمواسم، وتلك بصيرة تخبرنا بها العمارة التي كادت أن تهمل لولا جهود أبرار من الأسر، وأغيار من المسؤولين، وأفذاذ من العاملين في اللجان والمجالس المحلية مثل مجلس الأهالي بشقراء الذي تولى الإشراف على ترميم البيت، وحفظه مما قد يجعله أثرًا دارسًا، ونسيًا منسيًا، وحالت دون أن يصبح هذا المعلم التراثي غصة في الحلوق حينما يذكر فلا يرى، وما أحرانا بأن نحتفي بذاكرة المكان، ونحفظها، ونرويها.

وهو ليس المعلم الوحيد في شقراء الباذخة جمالًا ودلالًا؛ فمثله سور بني عام (1232) وفيه سبعة وعشرون برجًا، وغايته صد عدوان الباشا إبراهيم، ومثله سور أقيم عام (1318)، وفيه خمسة وأربعون برجًا تهدف إلى مقاومة جيوش الأمير ابن رشيد. ومن المعالم بيت السبيعي وكيل المال المشيد عام (1358)، وقبله بيت آل الجميح المعمور عام (1282)، والواقع في حي الحسيني بجوار بيت العيسى، وقد رمم بأمر من الشيخين محمد وحمد أبناء الشيخ المحسن عبدالعزيز العبدالله الجميح.

والحمدلله أن هيأ الله لبيت العيسى حفيد صاحبه الشيخ محمد بن حمد العيسى ليتكفل بالبناء، ويشاركه في الجهود بالرأي والإشراف والمتابعة والتوثيق كرام محسنون مثل معالي الشيخ ابن منيع، والمؤلف البروفيسور الحميد، ود.إبراهيم أبو عباة، وأ.يوسف المهنا، وأ.عبدالله البقمي، وأ.عبدالله المجيول، وآخرون ممن ساندوا بحضور، أو زيارة، أو إشهار بخير، او كلمة من معروف وإحسان، وباب الفضل واسع لا يمتنع على أي داخل ممن يروم تحصيل المكارم، أو المشاركة في المآثر، ولو بأيسر شيء مقدور عليه.

ثمّ إن في الكتاب تنبيهات موفقة لأخبار مثلها جدير بالجمع، فمنها أن الملك عبدالعزيزرحمه اللهحين رشح الأمير حمد بن عبدالعزيز العيسى لإمارة ينبع سأله: ماذا ستفعل؟ فأجاب الرجل بذكاء أهل شقراء المعروف المشتهر، وبحسّ رجل الدولة الحكيم: ما نستطيع فعله سنقوم به، ومالم نستطع سوف نرجع إليك! فأعجب الملك المؤسس بهذا الجواب الجامع، وأصبح الأمير حمد أميرًا على ينبع بين عامي (1353-1376).

وخلال ربع قرن وثق الأمير وبنوه علاقتهم بينبع وأهلها، حتى رآه الأهالي واحدًا منهم، وهذه العلاقة مستمرة حتى الآن، إذ جعله الأستاذ عبدالكريم الخطيب ضمن كتابه رجال وأسر من ينبع، وأشاد بالأمير وأنجاله الشيخ حمد الجاسر في سوانح الذكريات إبان عمله التعليمي في ينبع. وخلال إمارته استقبل الأمير الملك عبدالعزيز عام (1365)، وهو في طريقة للقاء الملك فاروق، ثمّ استقبل في عام (1375) الملك سعود، وكانت ينبع واجهة للزوار والحجاج، وفيها استقبل الأمير الاقتصادي المصري المعروف أ.طلعت حرب.

اللهم ارحم أولئك الكرام البررة، واحفظ لهم العقب والذرية والمال والآثار، واجعلنا دومًا مجتمع العراقة الأصيلة، الذي يفاخر بأصوله، ويحافظ عليها، وتكون منصة له من أجل الانطلاق والصعود، فهي أبدًا لم تكن المعيق لمن سلف، ولن تكون عائقًا عند من خلف، فنحن أمة التعاقب بخير وعلى خير وإلى خير؛ كي نصبح في القادمين أصحاب أعمال خالدة مؤثرة، كما صنع أوائلنا، والله يبارك في هذا السند المتصل بطريق صحيح صريح، وبسلسلة ذهبية تزداد لمعانًا، ولا يدركها الصدأ، وإن حامت حولها من الغرباء والأباعد والحاسدين رياح مهما كان عتوها، أو ثار عندها غبار كثيف؛ فلا مناص من جلائه، وظهور بريقنا المنير، وحلول بركة غيثنا الهاطل.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّافالرياض

ahmalassaf@

الخميس 08 من شهرِ صفر عام 1445

24 من شهر أغسطس عام 2023م

Please follow and like us:

2 Comments

  1. ذكرتني قصر ابن بليهد في قرية الشعراء ، كان مشهور بالكرم ، ولأن صحونه أكبر من ابواب عمل فتحات جانبيه ليسهل مرورها .

  2. وبسلسلة ذهبية تزداد لمعانًا، تزداد هذه المقالات توهجا، ابراز رموز ومثقفي الوطن وهوية المكان الديموغرافية جليًا في هذه المدونة الفريدة
    ،والتي لن يدركها الصدأ، وإن حامت حولها رياح البعد والمسافات مهما كان عتوها، أو ثار عندها غبار الهجر؛ فلا مناص من جلائه، وظهور بريقه المنير، وحلول بركة غيثنا الهاطل؛ يا ترى متى يهطل الغيث!؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)