رباعيات عبدالعزيز بن سعود البابطين!

رباعيات عبدالعزيز بن سعود البابطين!

استعرضت فيما مضى لمحات من سيرة الشاعر والوجيه الكويتي عبدالعزيز بن سعود البابطين، ومع طول المقال المشار إليه نسبة لما اعتدته في الكتابة عن السير والتراجم؛ إلّا أنه لم يحط بصاحب الشخصية من جميع النواحي التي فُتح عليه بها، فمن الطبيعي أنه لم يستقص، ولم يستوعب كل شيء، وعليه فلم يبلغ ما في المقال العُشر من أخباره، ولا حتى ربع العشر! ولعلّ سيرته أن تنشر للناس عما قريب؛ فهي صدقة على غني، وتذكير لعالم، وحفز لمثابر، وإمتاع لمسامر، وإنها لرباعية لافتة عن سيرة منتظرة.

يتوزع جلّ عمل البابطين على أربعة أبواب، الأول باب الثقافة، الذي ولج منه إلى خدمة أربعة جوانب مهمة للغاية، وبينها ترابط لا يخفى، وهي الدين، واللغة، والتاريخ، والتراث. أما الباب الثاني فهو باب العمل الخيري الفطري، ويشمل مشروعات الإغاثة، ومراكز العلاج، وتنشيط الريادة المجتمعية، وترسيخ السلام العادل. وثالث الأبواب هو التعليم، ومن أجلّ أعماله فيه بناء المدارس، وتأهيل المعلمين، وإنشاء الكراسي الجامعية، والتكفل منذ أزيد من أربعة عقود ببعثات ومنح دراسية جامعية وعليا؛ ذلك أن الرجل الذي لم يكمل تعليمه حرص أشد الحرص على أن يكمل للآخرين تعليمهم؛ ليعلن بفعاله دون الأقوال نجاته من الحسد، وحبه الخير للآخرين، وحرصه على الوعي، ونفع المجتمع ورفعه، وصنع هذا ولو لم ينل من هذا الباب المحبب النصيب الذي يرتضيه أو يرجوه.

ثمّ يتجلّى الباب الرابع لكل أحد؛ فهو باب ضخم عن الشعر الذي دخل البابطين إلى عالمه مجالسًا فقارئًا، ثمّ متذوقًا فشاعرًا، ولم يقف عند هذه الأحوال الأربع؛ بل حمل راية الشعر التي كادت أن تهمل، وأعاد لها بيرقها منصوبًا يعلو من خلال معاجم سابقة، وملتقيات فائقة، وبرامج رائقة، وجوائز باسقة، وتحت كل واحدة من هذه الرباعيات من فرائد الأعمال ما ينتج عددًا من الرباعيات لامجال لحصرها، وفيما ذكر بالمقال الأول غنية. ومن لطيف نصرته للشعر أنه اصطحب معه ثمانين شاعرًا لكسر حصار بلد عربي؛ ولكأنه يؤكد أن الشعر قول، وفعل، وإحساس، وأثر.

وقد وقف البابطين في عمله الضخم عبر تلك الأبواب أربعة مواقف عظام يحتاج الواحد منها إلى العصبة أولي القوة من الرجال؛ فهو مؤسس وكم في التأسيس من متاعب، وهو المنفق بماله وكم في إخراج المال على النفس من مصاعب، وهو المتابع لأعماله مع كثرة الشواغل والصوارف، ورابعتها جليلة فريدة؛ إذ لا يرى لنفسه فضلًا ولا حتى سابقة مع ظهور الفضل، وأحقيته بالسابقة، وتلك من منن الرب عليه أن رزقه حسن التأتي، وجمال التأني، وأعاذه من جرأة التألي، وحماه من وحل التمني.

فالحمدلله أن خصّ عبده بهذه الأعمال؛ ووضعه ضمن لفيف من المباركين عبر التاريخ بالتعليم، وحفظ الإرث العريق، ونصرة الملهوف، وإنارة الدروب. والحمدلله أن جعل تلك المنجزات البادية إلجامًا لمكابر، وحجة على مثبط، ودليلًا لحائر، وأملًا لمنتظر. والحمدلله كذلك أن اختص الشيخ الشاعر بتلكم الأجور وهاتيك المفاخر، وأتبعها بجميل الأثر على المنتفعين من أعماله مباشرة أو بواسطة، وصيّره إمامًا لأهل القدرة بأنواعها، ورابعتها وهي منقبة لا يفّوت التنبيه على مثلها، إذ استرجع بجهوده ثقة العربي بلغته وحضارته ومجتمعه وأناسه؛ فلم يعد الفتى العربي غريب الوجه واليد واللسان؛ ولو عرف المتنبي أبا سعود لأضاف لها رابعة!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الخميس 24 من شهرِ شعبان عام 1444

16 من شهر مارس عام 2023م