عبدالمحسن في تراجم تسعة من علماء نجد!
لبعض الأسماء فخامة ورزانة إن شاهدتها مكتوبة، أو سمعتها منطوقة، وهي تكسو صاحبها من البهاء والمهابة ما يستحقه، وتمتاز تلك الأسماء بدوام ورودها في الأسر العريقة، وحصرها يصعب لكثرتها؛ ومن أمثلتها اسم “عبدالمحسن” الذي حمله والدي (توفي عام 1413)، وجدّه (توفي عام 1342)، وجد الجد (توفي قبل عام 1260)، وهم من تجار العقيلات وأصحاب الرحلات، ويبدو لي أنهم أول من تسمى بعبدالمحسن في الجواء، رحمة الله ورضوانه عليهم جميعًا. وقد هممت بالكتابة عن أيّ شخصية بارزة اسمها عبدالمحسن إذا توافرت لديّ مادة مناسبة عنه، فأقترح عليّ صديق مبارك أن أجرد كتب التراجم والطبقات لهذه الغاية، وقد بدأت فعلًا بالكتب المرتبة على حروف الأبجدية، وأسأل الله العون لإتمام قدر مناسب من هذا المشروع.
فأول كتاب نظرت فيه هو الطبعة الثانية الصادرة عام (1419) من كتاب علماء نجد خلال ثمانية قرون، تأليف الشيخ الفقيه المؤرخ النسابة عبدالله بن عبدالرحمن بن صالح آل بسام، وسبب البداية مع هذا الكتاب توافره لدي، وقربه من يدي، ولأنه مرتب بناء على الأحرف مما يسهل البحث فيه، وأخيرًا فهو عن منطقة من بلادي، والأقربون أولى بالمعروف. وقد وجدت بغيتي في الجزء الخامس من هذا الكتاب، وعدد العلماء فيه الذين حملوا الاسم تسعة.
فأولهم -حسب ترتيب الكتاب- هو الشيخ عبدالمحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن أبابطين (توفي عام 1372) الذي ولد في الزبير، ودرس في كتاتيبها وعلى يد علمائها الكبار مثل ابن عوجان، وعند علماء بغداد المشاهير مثل الألوسي. وقد زار عنيزة عام (1369)؛ فسأله المؤلف عن رأيه في الشعر المنثور فقال: هو مظهر من مظاهر العجز عن الوزن والقافية! وله رسوخ قدم في اللغة العربية، ومعرفة بالأدب والشعر؛ ولذا فهو نعم النديم والمسامر بلا مأثم أو مثلب.
تولى الشيخ قضاء الزبير وقضاء الكويت بعد أن غادر الأولى، وقبلهما صار قاضيًا في الخميسية، وعرض عليه الشيخ عبدالله بن حسن آل الشيخ القضاء في مكة إبان موافاته موسم الحج فلم يقبل. وهو فقيه على المذاهب الأربعة، وحين تأتيه رسائل الاستفتاء يكتب الجواب مع مراجعه ومصادره. وقد اختارته وزارة المعارف العراقية لتدريس العربية في مدارسها الأميرية، وعندما ألزمت حكومة العراق المدرسين بارتداء الزي الأجنبي استقال. وكانت له مشاركة في التدريس بمدارس النجاة والمباركية، وقد فرح أهل الكويت بتعيينه من قبل أميرهم رئيسًا لقضائها الشرعي، وله أصدقاء وجلاس وزملاء، مثل الوجهاء محمد السليمان العقيل، وعبدالله المنصور أبا الخيل، ومحمد الحمد العسافي، والشاعر معروف الرصافي.
ثمّ يأتي بعده في تراجم الكتاب الشيخ عبدالمحسن بن إبراهيم بن علي المهيدب ( توفي عام 1401) الذي ولد في الزبير، وشب في بيت تجاري، فلم تلهه التجارة والصفق بالأسواق عن طلب العلم، ولذا أقبل على العلم والعبادة والتجارة، وجمعها دون أن تطغى واحدة على الأخرى، وأسرة المهيدب بجميع أفرعها من الأسر الطيبة العريقة مثل جلّ أسر بلادنا. ويليه الشيخ عبدالمحسن بن أحمد بن عبدالله آل باز ( توفي عام 1342)، وقد ولد في الحلوة بعد هجرة أجداده إليها هربًا من عساكر الترك، وبرع في العلوم الشرعية خاصة الحديث ورجاله، لذلك ولاه الملك عبدالعزيز على قضاء الحلوة؛ فلم يطل مقامه فيها، إذ كف بصره وأصابه ارتعاش حتى مات بالحلوة.
ورابع شخصية هو الشيخ عبدالمحسن بن سليمان بن علي آل سلمان (توفي أواخر القرن الثالث عشر الهجري)، وولد في الزلفي وبها تلقى العلوم وظهر شأنه؛ حتى عينه الإمام فيصل بن تركي قاضيًا عليها، وكان يعتمد عليه ولا يولي أميرًا على البلدة قبل استشارته لكمال ثقته فيه. ومما ورد في سيرته أن الله وضع له محبة ومودة في قلوب أهل بلدته، وكان مرجعهم في الفتوى وشؤونهم المهمة التي يحسنها، وله من الأبناء اثنان، ارتحل أحدهم إلى عنيزة، وآل سلمان فيها من ذريته.
أما الخامس فهو الشيخ عبدالمحسن بن سليمان بن محمد الخريدلي (1298-1355)، وقد ولد في المذنب، وتميز بالذكاء والفهم والمثابرة وحسن الاستحضار، وانتقل لعنيزة لطلب العلم والتجارة؛ فلما زار الوزير ابن سليمان بلدته عنيزة، عرّفه أهلها على الشيخ، فأعجبه وسعى لتعيينه قاضيًا في نجران، ويشاء الله أن يقتل في نجران بسبب خلاف مالي. وكانت لها مطالعة واسعة في الأدب والسياسة وعلوم الفلك، ومع ضعف بصره إلّا أنه سريع القراءة والفهم، ومما يؤسف له أن علومه ومواهبه لم يُستفد منها كثيرًا بسبب انهماكه في الدنيا التي غادرها بلا ذرية.
والعالم السادس هو الشيخ عبدالمحسن بن عبدالله بن إبراهيم آل حقيل (1314-1379) المولود في المجمعة ديار أسرته، وهو ممن كف بصره في طفولته، ولعلمه عُين قاضيًا في هجر البادية الناشئة حديثًا آنذاك. ويأتي بعده الشيخ عبدالمحسن بن عبيد بن عبدالمحسن آل عبيد (1319-1364)، وقد ولد في بريدة، وطلب العلم على يد الشيخ عبدالله بن محمد بن سليم وأخيه الشيخ عمر، ولازم حلقة الشيخ عبدالله بن سليمان بن بليهد، وأحسن التحصيل والإفادة، حتى صار مرجعًا لطلبة العلم، وحين توفي حزن الناس عليه وأسفوا.
وثامن هؤلاء العلماء هو الشيخ عبدالمحسن بن علي بن عبدالله الشارخي (توفي عام 1187)، وهو ممن ولد في الفرعة المجاورة لأشيقر في إقليم الوشم، وهاجر للزبير، ودرس على يد شيخها محمد ابن فيروز بعد وفاة والده مباشرة، وله ملكة تامة في الفقه والفرائض والحساب والعربية، وهي علوم تدل على صفاء ذهن صاحبها. وصار إمامًا وخطيبًا ومفتيًا في الزبير بناء على طلب أهلها الذين سعوا في الحصول على إذن ابن فيروز له بذلك؛ وتوفي فيها بسبب الطاعون الذي عم العراق، وربما أنها سنة طاعون عالمي.
أصل أخيرًا إلى العالم التاسع وهو الشيخ عبدالمحسن بن محمد بن فريح آل فريح (1292-1379) الذي ولد في البكيرية، وطلب العلم بجدية على قلة ذات اليد، وكان له جهد دعوي وعلمي مع البادية مما أضر به حتى رجع لبلدته عام (1348)؛ فاعتزل الناس مكتفيًا بالعبادة ونشر العلم. وكانت له صلات جيدة مع علماء القصيم والرياض حتى أن الشيخ عمر بن حسن يقصده في مدينته للأنس به، واجتمع معه الشيخ صالح العمري فتعجب من تركه بلا عمل وهو بهذه القدرات والملكات. ورأى الشيخ عبدالمحسن قبيل وفاته أن رجلين أتياه في المنام وطلبا منه الذهاب معهما للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقام معهما وذهبا به لمقبرة البكيرية، فأولها بقرب وفاته، وفعلًا أصيب بنزيف حاد ومات. وقد أهداني حفيده البار بأسلافه أ.د.عبدالعزيز كتابًا ألفه عن جده الشيخ، وكتبت مقالًا تعريفيًا به.
اللهم اغفر لوالديّ ووالديهم ولأجدادنا، ونوّر عليهم القبور، واجعلهم فيها من أهل الحبور، وآمنهم يوم النشور، وعمّ بهذا الدعاء كلّ من ورد اسمه في المقال أيًا كان اسمه، وجميع المسلمين والمسلمات. وأسأل الله أن يجعل في هذا العمل من البر بالآباء والعلماء ما يكون معه الأجر والمثوبة لكاتبه وقارئه وناشره ومؤلفي مصادره وناقلي أخباره، وعسى أن تتاح فرصة أخرى لجرد كتاب آخر إكمالًا لهذا العمل الذي لا يخلو من فائدة للقارئ، ولا أعدم منه المنفعة ولو بالتأمين والدعاء.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الأربعاء 09 من شهرِ شعبان عام 1444
01 من شهر مارس عام 2023م
7 Comments
ما شاء الله تبارك الله
اختياراتك موفقة رفع الله قدرك في الدراين و من تحبون ، بوركتم جميعا و بوركت اعماركم و اعمالكم و جهودكم و دمتم موفقين مسددين مباركين متقبلين بعفو و عافية و معافاة دائمة مع الرزق الواسع و العمر المديد و العمل الصالح الرشيد 🌹
مقال جميل
وسبحان الله اغلب من سُمي بهذا الاسم عظيم
وللشيخ د.عبد الرزاق بن الشيخ عبد المحسن العباد البدر بحث حول إثبات أن المحسن من أسماء الله، وجمع فيه أسماء عشرات العلماء الذين سموا بعبد المحسن.
نشر في مجلة البحوث الإسلامية قديما
وما شاء الله تبارك الله على هذا الجمع الرائع
دمجت بين اسم عبدالمحسن
وكذلك بعض أعيان أهل الزبير الذي أتشرف بأني أنتسب إليهم
كالبابطين والمهيدب
من تكتب له وإليه؛ أو تكتب عنه او عما يخصّه، يعد ممن حالفهم الحظ إن كانوا على قيد الحياة، ومن تغمده الله منهم برحمته فهذا وشمُ وفاء وبرّ وإحسان منك لهم،
كل شخص يحمل اسم عبدالمحسن عظيم ولافت، وكل عبدٍ مُحسن له “ابن “مثلك سَعِد وظفر وربح،،
دام نبضك وحرف وفاءك لنا جميعًا..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الشيخ عبدالمحسن الشارخي انقطع عقبه بعد موت حفيده، لهم وقف في الفرعة، آل بعد انقطاعهم لأبناء عمهم آل نشوان.
ما شاء الله تبارك الله
اختياراتك موفقة
اخي احمد
رفع الله قدرك بوركت اعمالكم و جهودكم المباركة ،،،
حفظكم الله ورعاكم امين .