سير وأعلام مواسم ومجتمع

اربطوا حزام الأمان!

Print Friendly, PDF & Email

اربطوا حزام الأمان!

أثار هذا المقال من سباته رسالة مرورية عن مخالفة إهمال ربط الحزام أو هكذا رصدوا، وسيأتيكم نبأها وأنباء أخواتها، ومن غير اللائق أن أكثر الحديث عليكم بمعلومات عن حزام الأمان، وتاريخه وأهميته وأنواعه، ومراحل تطوره وما يخصه من معلومات وقوانين؛ لأن البحث فيها يسير، والكتابة عنها بدون دواعٍ تجفل القارئ المتأني والمستعجل، والقارئ عزيز لدى الكاتب؛ فهو أحد أسس العملية الكتابية وأركانها.

وقد بدأت بربط حزام الأمان وأنا حسب التصنيف العمري والنفسي في سنّ المراهقة، وهو قرار ذاتي أحتفظ بتاريخه الدقيق، وسببه، والحمدلله على فضله. ومما أذكره أن إدارة المرور نفذت عام (1427=2006م) حملة كبيرة لمراقبة ربط الحزام عند الإشارات، ومخالفة من لا يفعل، وعندما خرجت من مقر العمل ركبت السيارة، وربطت الحزام جريًا على عادتي؛ فعبر من عندي زميل عمل فقط، وهو صاحب أفكار لا تخلو من مأخذ، فرمقني ثمّ رمى كلمته متبسمًا مشيرًا إلى الحزام قائلًا: أدبوكم!

فأجبته: لقد أدبني أبواي من قبلُ هذا أولًا، وثانيًا فإني أربطه منذ خمسة عشر عامًا من تلقاء نفسي! ولأن الرجل فيه بقية من عقل وحياء؛ فقد توجه نحوي ليعتذر ويقبّل رأسي؛ فرفضت ونصحته ألّا يقول هذه الكلمة لأحد فربما أزعجت السامع واضطر لتغيير مواقع عظام المتكلم! ووعظته من طرف خفي حين أخبرته بأن صاحب الخطأ أيًا كان يؤدب من المسؤول ولا غرابة؛ فهذا واجب العمل وأمانته، وحق لله ثمّ للمجتمع والحكومة!

ومما زادني حرصًا على ارتداء الحزام، أن زميل دراسة خرج ليلًا في سيارته مع زميل آخر عام (1415=1995م)، وتعرضا لاصطدام قوي من الخلف؛ فمات الأول وأصيب الثاني بشلل رباعي، ولو قدر لهما الربط لربما سلما والله يلطف بهما. وحدث الأمر نفسه مع تفاصيل أخرى لفتى من الجيران عام (1418=1997م)، وخلاصة ما جرى له أنه كان يقود سيارته برفق في آخر الليل وهدأة الأسحار، فتفاجأ بسيارة فخمة تطير وتسقط عليه مدمرة ثلاث سيارات دفعة واحدة، وتبين لاحقًا أن قائد السيارة الطائرة مخمور عياذًا بالله.

ثمّ زار أبناء قائد السيارة وبناته الفتى في المشفى، وحمدوا الله على سلامته لأن سيارته تلفت تمامًا، ومن يشاهدها يجزم بأن راكبها ذهب إربًا إربًا، وعقب خروجه عوّضوا الفتى بسيارة بديلة جديدة من طراز سيارته، ولا أترككم دون إكمال الحكاية، وإخباركم بأن ذلكم الفتى كاد أن يعفو عن الثري السكران بسبب لطافة بناته، وسبحان ربنا الذي عجب من شاب ليس له صبوة! وليس هذا فقط، ففي مجلس معمور قال الثري لجلاسه: تحطمت سيارتي من أثر حادث مع شاب متهور وربما أنه سكران، وحضر تلكم الجلسة مَنْ يعرف تفاصيل الحادثة بقضها وقضيضها؛ بيد أنه سكت عن تكذيب ذلكم الهراء.

أما رسالة المرور باعثة هذا المقال، فقد وردتني منهم على أزمان متفرقة ثلاث رسائل تزعم مخالفتي النظام، وأني ما ربطت الحزام، وفي جميع هذه المخالفات أكتب لهم اعتراضًا تقنيًا، وأقول لهم بما معناه: راجعوا الصورة فأنا عتيق في علاقتي بالحزام، وحتى داخل الحي أربطه، وسواء أكنت القائد أم الراكب. وفي المرة الأولى قبلوا الاعتراض وألغيت الغرامة من فورها، وفي الثانية تأخر الرد كثيرًا فدفعت المخالفة محوقلًا ثمّ جاء الجواب بقبول الاعتراض وأعادوا لي المبلغ، وقبل عدة أيام جاءت الثالثة منهم، فكتبت لهم جوابي بحجتي المعتادة، وأدعو الله أن تُلغى؛ فالغلاء فاحش، والمخالفات الأخرى كثيرة، حتى أني أقول لمن يركب معي: اربط الحزام كي لا يأكلنا المرور!

ولا أدع هذا المقام دون شكر أيّ منظمة حكومية أو تجارية تتيح الاعتراض عن بعد؛ فقد كتبت لأكثر من شركة أو مؤسسة عامة أو إدارة حكومية: لماذا حين تأخذون المال مع بداية الاشتراك أو الإفادة من الخدمات تيسرون السبل للدفع ولو كنا في وسط أمواج بحر متلاطم، أو داخل تلافيف صحراء مقفرة، وحينما نريد استرجاعه منكم تلزموننا بالحضور والمشقة؟!

كما أذكر من الوقائع المؤلمة المتعلقة بالحزام أن طبيب أسنان أخبرني عن مراجع كرر زيارته في العيادة حتى صار بينهما ألفة، وهذا المراجع شاب أعمى على وجهه آثار خدوش؛ فقال الطبيب لمريضه: ما سبب هذه الخدوش؟ فتنهد وحكى له ما يلي: حصل لي حادث مرة فتهشم الزجاج الأمامي حتى اضطررت لتغييره، وبسبب ارتفاع السعر وضعت زجاجًا غير أصلي، والفرق بين الأصلي والتقليد كبير وخطير؛ فالأصلي يتهشم في مكانه، بينما تتطاير قطع التقليد. وفي يوم مقدور وقع عليه حادث آخر، ولم يكن يلبس الحزام؛ فارتطم بالزجاج الأمامي الذي تكسر إلى قطع خدشت وجهه وسلبته حبيبتيه، والله يشفيه ويعوضه بالجنان.

 كذلك قصّ علي طبيب أنه وزملاءه خرجوا للأنس في ليلة من ليالي الخريف أو الصيف الجميلة في الرياض، وافترشوا الأرض في منطقة تُبعد عن مقر نادي الشباب، وهي إذ ذاك خلاء فسيح، واليوم تكاد أن تختنق بالسكان والسيارات، والله يعمرها بالأمن والأمان. وأثناء جلستهم عبرت من جوارهم سيارة فيها مراهقان، والسيارة تسير بسرعة جنونية ذهابًا وجيئة، إلى أن حدث لها انقلاب عنيف أمامهم؛ فتواصلوا مع المرور والإسعاف، وبعد وصول سيارات الطوارئ والأمن، لم يجدوا الراكب الآخر مع إجماعهم على وجوده؛ لذلك استمر البحث عنه حتى عثروا عليه ملقى فوق كومة تراب لأنه لم يربط الحزام.

إن ربط الحزام فيه السلامة والأمن والرقي والانضباط، ولعله أن يكون من حقوق الطريق، ومن أسباب حفظ الأمانة ومقاصد الشريعة، ويحمي الله به الإنسان خاصة عند التصادم أو التوقف المفاجئ؛ كي لا يتأذى أو يتدحرج، ومن الطريف بالمناسبة أن سيارة “فولفو” السويدية هي أول سيارة تضيف حزام الأمان إلى المركبة، ومعنى اسم هذه السيارة: أنا أتدحرج! وعليه فليربط الجميع الأحزمة؛ لأن الحركة الضارة والخطرة لا يوقفها إلّا حركة رشيدة مثلها، تواجهها بقوة وعملية إلى أن يزول الخطر ويتلاشى، أو تنخفض آثاره على الأقل.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الاثنين 11 من شهرِ جمادى الأولى عام 1444

05 من شهر ديسمبر عام 2022م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)