شريعة وقانون عرض كتاب

مدخل إلى فقه المرافعات

مدخل إلى فقه المرافعات

يحتاج المتصلون بالرواق العدلي من قضاة ومحامين ومن في حكمهم إلى تأهيل فقهي مع أمرين أولهما الإلمام بطريقة المطالبة بالحق من خلال فهم أحكام المرافعات وطرق الإثبات، وثانيهما العلم بطريقة الفصل في الخصومة. وإن فقه المرافعات من أخصّ علوم القضاء، والحاجة تشتد للكتابة فيه تبصرة وتذكرة وشاهدًا على تفوق أمتنا في تشريعها المعصوم بالوحي، وهو تفوق ظاهر لمن عصم، وصفت فطرته، وسلم عقله.

لأجل ذلك جاء هذا الكتاب بعنوان: المدخل إلى فقه المرافعات، تأليف: عبدالله بن محمد بن سعد آل خنين، صدرت الطبعة الثالثة منه وهي طبعة مزيدة ومنقحة عن دار الحضارة للنشر والتوزيع عام (1442=2020م)، وتقع في (374) صفحة مكونة من مقدمة وتسعة مباحث وخاتمة. وقد سبق للمؤلف أن درس جميع مسائل فقه المرافعات، وأصدر منها عدة كتب بعضها في طبعته السابعة، مما يؤكد عظيم الحاجة، وشديد الإقبال.

علمًا أن المؤلف معالي الشيخ عبدالله بن خنين هو ممن جمع الله له بين العلم بالشريعة، وتعليمها في الجامعات والمعاهد العليا، والإشراف على رسائل علمية عالية، والعمل بالقضاء في محاكم مختلفة ودرجات قضائية متعاقبة، إضافة إلى عضوية هيئة كبار العلماء في المملكة وعضوية اللجنة الدائمة للإفتاء سنوات عديدة، مع تقديم الاستشارات العدلية لوزارة العدل ولجامعة الدول العربية بصفته خبيرًا في الفقه والقضاء الشرعي، ولمعاليه مؤلفات كثيرة عن شؤون القضاء والتقاضي والفتيا والفقه، تشهد له بالتمكن والتعمق، والقدرة على الإفهام والإيضاح دون تعقيد أو صعوبة.

يوضح المبحث الأول من هذا الكتاب أنواع الأحكام، مع التعريف بمفردات العنوان وبيان موضوع المرافعات ومسائله. ويبين ثاني المباحث مكانة فقه المرافعات بين العلوم بعامة وعلوم الشريعة بخاصة إضافة إلى ثمرة هذا العلم. بينما يحضّ المبحث الثالث على طلب هذا العلم بذكر فضله وحكم تعلمه، أما المبحث الرابع وهو أطول من مباحث الكتاب التي سبقته فيخبرنا عن استمداد فقه المرافعات من الأصول الشرعية ومن فقه المقاصد.

ثمّ يأتي المبحث الخامس وهو أطول مباحث الكتاب عن الإفادة من التراث الفقهي للمرافعات، إذ غاص المؤلف -وهو الخبير العارف- لأجله في كتب القضاء عند المذاهب الأربعة، وفي الكتب المؤلفة عن المرافعات والتوثيق والإثبات في هذه المذاهب كذلك، ونظر في كتب تراجم القضاة وأخبارهم نظرة المتفحص، وكم في السير من ملامح قد تخفى على المستعجل مع أهميتها لما فيها من تطبيق وامتثال وسمت، ولم يغفل مؤلفنا عن إيلاء ما جرى العمل عليه في المحاكم ما يستحقه من عناية وإفادة؛ ذلك أن التجربة والمعاينة والمعاناة تختصر كثيرًا من القول والجهد.

ودرس المبحث السادس القصير مشروعية تنظيم فقه المرافعات والإلزام به وضوابط صياغته وتأصيله، وهي ضوابط تدور حول التأهيل الشرعي، والإحاطة بالأحكام والأصول، وإتقان اللغة العربية بجميع علومها؛ لضمان الوضوح والإبانة والإيجاز والنجاة من بلاء العجمة، وإن أمر الصياغة لجليل القدر جسيم الخطر خاصة عندما يرتبط الأمر بالعلوم الشرعية والمكاتبات القضائية والسلطانية؛ إذ لا يحسُن في مثلها إلّا الجزل من الكلام، ولا يقبل منها بحال الهجين والدخيل.

وقطعًا للشك باليقين ذهب سابع مبحث إلى نماذج من فقه المرافعات المدون لدى السلف، وابتدأ بكتاب عمر بن الخطاب إلى قاضيه أبي موسى الأشعري -رضي الله عنهما-، وتلاه عهد عقبة بن الحجاج إلى القاضي مهدي بن مسلم -رحمها الله-. وبعد إيراد هذين النصين استنبط المؤلف منهما إحدى عشرة قاعدة للمرافعات منها مرجعية الكتاب والسنة، وتمكين الخصم من الإدلاء بحجته، والمساواة بين الخصوم، وطلب البينة، والإمهال، والسعي بالصلح، فالقضاء بالحكم، وأخيرًا تمييزه، وتحت كل قاعدة شرح مختصر قمين بالقاضي والمحامي التمعن فيه. عقب ذلك جعل المؤلف مبحثه الثامن عن تفسير نظام المرافعات بناء على اللغة، ومقاصد الشريعة، ومصطلحات الفقه، والتاسع عن تعديل أحكام المرافعات وآثاره.

كما أورد الشيخ في خاتمة الكتاب خمس عشرة نتيجة خرج بها من هذا الكتاب المبني على علم وعمل، وهي لباب مختصر يستدرك به القارئ فوات القراءة عليه بسبب الشرود أو أيّ غبش يطرأ على الفهم، وهذه الخلاصات والنتائج طريقة درجت عليها كثير من الرسائل الجامعية العليا خاصة في الدراسات الشرعية، ووجودها مفيد لمزيد تأكيد، وللتذكير، ولسهولة الرجوع إليها ولو بعد حين لمن لم يجد من الوقت ما يكفي لإعادة القراءة، وهذه الإعادة صنيع مفيد إذا أجاد القارئ في اختيار ما يكرر قراءته.

إن واجب العلم والخبرة، ومقتضى النصح والبيان، لتوجب أن تتوالى تآليف العارفين حول القضاء والأحكام الشرعية والفقهية، وجميع ما يحتف بالمسائل العدلية، لمزيد تجلية وتوضيح، ولزيادة الفقه والفهم، ولدفع الغوائل والتهم، وحتى تكون هذه الكتب مصابيح منيرة لمن يأتي على الطريق ذاته؛ فنحن أمة الأثر والرواية والإسناد والتعاقب، والحمدلله أن جعل فينا العدول المستمسكون بالأصول؛ فمنهم المبين الموضح، وفيهم المدافع المنافح، وفي كلّ خير وأجر عند ربِّ السموات والأرضين.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

السبت 28 من شهرِ صفر عام 1444

24 من شهر سبتمبر عام 2022م

Please follow and like us:

One Comment

  1. نصّ قيد المرافعة؛
    ‏«كانت العرب تقول: أعطني “قلبك” والقَني متى شئت!تريد أن العبرة بخلوص الود والمحبة لا بكثرة اللقاء.»
    ‏ربيع الأبرار، الزمخشري

    كما أن للمرافعات فقه يلزم بدراسة فقه المعاملات، فإنه جديرٌ بنا، أن نشكرك دائمًا على انتقائك لكل ما يسهم في نشر الوعي والمعرفة، كاتبٌ استثنائي متميز أبحرت في فقه المعاملة حتى ارتويت، وانعكس على تعاملك الكريم مع الجميع، رجلٌ عقله وأدبه دليلٌ على حسن شمائله ومحاسنه،جسّدت مكارم الأخلاق بمرؤتها وشهامتها وجمالها، وليس على من مثلك بمستغرب فالتخلّق بخلق المحسنين دليل على علُوّ همة الشهم، وشرف نفسه وكما قيل من كثرت عوارفه كثرت معارفه ومن حَسُنت خصاله طاب وصاله، ومن عُرف بشي من الخير نُسب إليه، اذا أغضبته وجهلت كان الحلم ردّ جوابه،واذا صبوت الى الجهالة شربت من أخلاقه،وسكرت من آدابه ،وتراه يصغي للحديث بطرفه وبقلبه ولعله أدرى به!
    اشكر الله دائمًا وأبدا على وجودك وأنك” ستبقى”، بقربنا تحنو على صبابة كتاباتنا، اسعد الأيام هي تلك التي جمعتنا بك في الثاني عشر من شهر ابريل ٢٠٢٠!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)