سبعة وزراء عادوا بعد إعفاء!
أن يعود المسؤول الكبير إلى موقعه الوظيفي بعد أن تركه المنصب، أو غادره هو من تلقاء نفسه، أمر معتاد لا غرابة فيه، فليس ببعيد أن يصير الوزير السابق في بعض البلدان رئيًسا للوزراء في حكومة جديدة خاصة إذا علمنا أن عددًا غير قليل من رؤساء الوزارة في دول كبرى فما دونها رجعوا فيما بعد وزراء لحقائب محددة تحت رئاسة غيرهم، والأمثلة على هذا وجنسه كثيرة، ولولا خشية الإطالة لسردت مجموعة من الأسماء العربية والعالمية التي تصدق عليها هذه الصفة.
وبما أني بحثت كثيرًا في تاريخ مجلس الوزراء السعودي، وكتبت عنه عدة مقالات متنوعة، بعد أن جمعت ملفًا ضخمًا يحوي إحصاءات ومعلومات وافرة عن المجلس بأعضائه ووزاراته، فقد وجدت أن سبعة وزراء من أعضاء المجلس من غير أفراد الأسرة الحاكمة أُعيد اختيارهم وزراء بعد مدة من الإعفاء تطول أو تقصر، وهذا يعني أن خمسة بالمئة من مجموع الوزراء غير الأمراء قد رجعوا إلى كرسي الوزارة بعد زمن من الابتعاد عنه.
أول هؤلاء الوزراء بناء على تاريخ التعيين هو الشيخ أحمد جمجوم (1343-1431) الذي دخل للمجلس وزير دولة عام (1378)، ثمّ أصبح وزيرًا للتجارة بضعة شهور عام (1380)، وبعد أن ترك هذا المنصب لبرهة يسيرة عاد وزيرًا للتجارة والصناعة عام (1381-1382) ولم يطل مقامه بها. ومع أنه غادر المناصب الرسمية، إلّا أن نشاطه ظلّ متوقدًا؛ فتولى الشيخ المسؤولية في مجالس إدارة عدة شركات وصحف رئيسًا أو عضوًا، وهو أول رئيس لمجلس إدارة الخطوط الجوية السعودية. كما شارك في لجان ومؤتمرات، لكنّ درة أعماله تتمثل في رئاسة الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة لأزيد من عشر سنوات مباركات، والتعاون مع عدة مصارف تجتنب الربا والمخالفات الشرعية قدر المستطاع.
أما الثاني فهو الوزير الشيخ إبراهيم السويل (1334-1397) الذي اضطلع في عضويته الأولى بمسؤولية وزارة الخارجية (1380-1381) خلفًا للأمير فيصل– الملك فيما بعد– وما أثقلها من وزارة في نفسها مجردة من أيّ زوائد ولوازم؛ لذلك يُروى أنه خلال توليه هذا المنصب لم يستخدم مكتب سلفه البته، وكان كثير التشاور معه فيما يخص السياسة الخارجية، وقد مثّل المملكة وهو وزير للخارجية في أول مؤتمر لدول عدم الانحياز حينما عقد بعاصمة يوغسلافيا. وبعد مغادرة المجلس عدة أشهر رجع إليه وزيرًا للزراعة والمياه (1382-1384)، وخلال تسنمه هذا المنصب زار الصين الشعبية فكان أرفع مسؤول سعودي يزور الصين آنذاك، ثمّ أصبح سفيرًا للمملكة في واشنطن. وينفرد الوزيران جمجوم والسويل بقصر مدة عضويتهما الكاملة في المجلس إذ لا تتجاوز خمس سنوات.
ثمّ نأتي إلى ثالث الوزراء العائدين، وأحد أكثر أعضاء المجلس شهرة، وهو الوزير د.غازي القصيبي (1359-1431)، ومن فرائده التي يمتاز بها على جميع وزراء المملكة أنه أصبح وزيرًا بالأصالة لخمس حقائب وزارية كما أوضحت في مقالة سابقة. وقد أعفي الوزير القصيبي من وزارة الصحة عام (1404) ثمّ سمي أول وزير للمياه عام (1423)، وانتقل بعدها إلى وزارتين أخريين، واللافت أنه كان الوزير الأول لوزارات الصناعة والكهرباء (1395-1404)، والمياه (1423-1424)، والمياه والكهرباء (1424-1425)، والعمل (1425-1431)، وهي بهذه المسميات، كما أنه صاحب أطول فاصل زمني بين الإعفاء والعودة مرة أخرى؛ إذ استوزر بعد إعفائه بعشرين سنة تقريبًا.
والوزير الرابع هو الشيخ محمد الفايز (1356)، وقد تولى مسؤولية وزارة العمل والشؤون الاجتماعية (1403-1416)، ومع تجديد المجلس الكبير في عهد الملك فهد أصبح رئيسًا للديوان العام للخدمة المدنية؛ فودع العضوية في المجلس، لكنه عاد يحمل حقيبة وزارة الخدمة المدنية (1420-1433) على إثر تحويل الديوان إلى وزارة. وهو من مكامن الخبرة في تاريخ مجلس الوزراء نظرًا لدراسته القانونية والإدارية، ولعمله السابق في مجلس الوزراء، ولا أدري أين سمعت أو قرأت بأن الوزير القصيبي يترك للوزير الفايز رئاسة اللجنة العامة بمجلس الوزراء إذا تشاركا فيها.
ويجيء الشيخ صالح آل الشيخ (1378) وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في موقع خامس وزير خرج من المجلس ثمّ عاد عليه، ووزارته الأولى كانت بين عامي (1420-1436) ووزارته الثانية بين عامي (1436-1439) وبعدها أصبح وزير دولة. ويمتاز الوزير آل الشيخ بأنه قضى أقصر مدة ما بين الإعفاء ثمّ العودة إذ لم تصل إلى شهرين، ويتشارك مع الوزير أحمد جمجوم من بين النماذج السبعة بالعودة إلى الوزارة نفسها. ويعدّ الشيخ صالح بحق من المشايخ الذين يصدق عليهم وصف رجل الدولة الذين جمع الله لهم مع علوم الشريعة السنية فن الإدارة والعمل الحكومي.
آخر وزيرين هما الوزير الأستاذ أحمد الخطيب (1385) الذي أنيطت به مسؤولية وزارة الصحة لمدة تزيد قليلًا عن الشهرين عام (1436) وبعد الإعفاء والانتقال بين عدة مناصب رفيعة، قفل إلى عضوية المجلس وزيرًا لوزارة مستحدثة هي السياحة عام (1441). ويليه الوزير المهندس خالد الفالح (1379) الذي كان وزيرًا للصحة (1436-1437)، ثمّ وزيرًا للطاقة والصناعة والثروة المعدنية (1437-1440)، وبعدها أصبح لمدة قصيرة جدًا وزيرًا للطاقة (1441) غير أنه صرف عنها ليرجع عقب شهور إلى المجلس وعضويته وزيرًا لوزارة جديدة هي الاستثمار عام (1441)، وترافق في العودة مع الوزير الخطيب في اليوم ذاته. ويُعد الوزير الفالح أسرع الوزراء تنقلًا بين عدة وزارات بالأصالة، وينافسه في ذلك الوزير القصيبي ولكن في آخر ثلاث وزارات عيّن وزيرًا لها، ومن الطريف الملاحظ أن وزارة الصحة هي أكثر وزارة ترد في سير هؤلاء الوزراء.
أسأل الله القوي القادر أن يوفق الجميع لما فيه الخير والمصلحة والفلاح، وأن يعين كل ذي مسؤولية مهما كان حجمها على الأداء فإنه مسؤول عنها ولابد. وأشير إلى أنه بناء على النظام والوقائع السابقة فما من شيء يمنع إضافة اسم ثامن أو تاسع إلى هذه المجموعة، كما أن سياق التعيين والإعفاء والعودة مما لا يكاد أن يطلع عليه سوى قلة مؤتمنة مختبرة بالكتمان، وبالتالي فجلّ التفسيرات تنقصها الموثوقية، وبعضها تكهنات تحوم في نطاق الممكنات المنطقية ولا يخرجها هذا عن سمة الرجم بالغيب، وفوق ذلك لا جدوى ترتجى من الخوض فيها.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف–الرياض
الخميس 15 من شهرِ ذي الحجة الحرام عام 1443
14 من شهر يوليو عام 2022م