إدارة وتربية مواسم ومجتمع

ريان: أكبر من طفل وبئر!

Print Friendly, PDF & Email

ريان: أكبر من طفل وبئر!

أسأل الله الرحيم لوالدي ريان كبير العزاء، وعظيم الصبر، وأن يبدلهما ربهما خيرًا منه زكاة وأقرب رحمًا، وأن يربط على قلوب أسرته القريبة والبعيدة، وعلى أهل بلدته ومن عرف قصته. أما الطفل فلعل روحه البريئة طارت بفضل من الله إلى الجنة حتى يكون فرطًا لوالديه يستقبلهما هناك يوم العرض، ويريهما بيت الحمد لهما على حمدهما واسترجعاهما. ولعله من بركات ذلكم البيت المفجوع أن صار ريان وحادثته من الوقائع التي تحمل من المعاني الكثير الكثير.

فمن أجلّ ما بعثته هذه الحادثة أن أعادت لأبناء أمتنا شعور الجسد الواحد الذي يبكي أقصى شرقه لما يحدث من مصاب في مغربه الأقصى، بعيدًا عن نكد الحسابات الفئوية والفكرية؛ فريان طفل لا أعلم -وربما غيري كثر لا يعرفون- اسم أبيه ولا مكان بلدته، ومن المؤكد أن الطفل الصغير ليس له رأي في مسائل التناطح والتطاحن، والحمدلله الذي جعل هؤلاء الأنقياء أطهار القلوب يأخذون بيد الناس لتغدو أشتاتهم صفًا واحدًا كالبنيان المرصوص بعد أن فرقتهم الأهواء والخلافات وما يبثه المرجفون عن تعمد وسبق دراسة وترصد.

وما أجمل شعور الوحدة عندما تتواطأ القلوب والألسنة على الدعاء لطفل غرير سقط في بئر حين غرة، وما أرقى هذه المشاعر عندما لا يقول الواحد بأنانية بغيضة: نفسي نفسي، وما أعلى قيمة هذه الهبّة التي تتجاوز الخلافات السياسية والرياضية فما فوقها علوًا ونزولًا، فترى الجزائري يتعلق قلبه بمولاه رحمة للصغير دون التفات لنكد السياسة، وتسمع من المصري أنين المشفق على الطفل بلا نظر لمشاكسات الملاعب، وهكذا لتقول أمة محمد بلسان الحال نحن أمة الجسد الواحد.

كما استبانت قيمة عوام الناس الذين حضروا، وتفاعلوا، وحاول فئام منهم المشاركة بالرأي واليد والتكبير وبجميع ما استطاعوا إليه سبيلًا، وبالمقابل لنا أن نتساءل عمّا فعله خاطفو الأضواء والوجاهة والأموال، الذين يتكاثر ظهورهم فوق المنصات وعبر الحفلات ثمّ يختفي الواحد منه أو يكاد أن يتلاشى زمن الملمات والمصائب التي تستوجب عليهم التشارك، وإشاعة التفاؤل، والدعوة للتفاعل، وغيرها من حسن القول والفعل والعمل. والشيء بالشيء يذكر فأين هي فرنسا التي تدس أنفها في كل شأن إفريقي؟!

أيضًا من إشراقات هذه الحادثة المظلمة استبانة أثر التطوع وأعماله المتفرعة في المجتمع، فمع الجهود الحكومية في أيّ مكان إلّا أنه لا مناص من إتاحة سبل المشاركة المجتمعية؛ ففيها إسناد ومرادفة وعون للسلطات الرسمية مع كونها سليمة من المنافسة أو المناكفة، وهذا من معاني الخيرية، والإيجابية، ومن آثار شعب الإيمان التي تعلي من شأن أي نشاط نفعه يتجاوز الفرد إلى المجموع؛ فبارك الله في تلك الجموع، وأدام التطوع فينا على خير هيئة وحال ومآل، وزاده تمكينًا وبركة، وعمّمه على أجناس الناس، وأطياف السكان.

ثمّ إن هذا الطفل حصّل ذلكم التفاعل الرسمي والشعبي المتجاوز للحدود، وذكر في دعوات كثيرة وابتهالات معلنة ومستخفية، ومع ذلك لم ينفعه شيء من اجتهاد الناس ولم يرد عنه أحد قضاء الله وقدره، والعبرة تكمن في أهمية بذل الأسباب ثمّ التوكل على الرب الكريم والرضا بحكمه وأمره. ومن اللافت أنه أصبح حديث الطبقات كافة، وتساوى في العناية به العامة حتى أفقر الفقراء منهم منهم لأجل طفل البئر، وصدر بيان نعيه عن الديوان الملكي المغربي، وعادة دواوين الملوك أنها لا تنعى سوى الأكابر والكبراء.

وبعد ريان فكم من طفل في بلاد المسلمين يحتاج إلى استنقاذ من إهمال أبوين أو ظلم مجتمع؟ وانتشال من سوء تربية وفساد تعليم وإرجاف إعلام؟ أو إدراكهم من بطش وجبروت وتجويع، أو حماية الأطفال من الاضطرار لفرار وهروب ولجوء؟ أو حماية الصغار الأبرياء من محاولات الأشرار الساعية في طمس الهوية واجتثاث الفطرة؟ أو نصرة أطفال أمة محمد وفكاكهم من براثن الغرب الأفاك الكذوب الذي يسرق أطفال المسلمين، ويستخدمهم، ويستكثر بهم، ويبدل دينهم؟

هذه حكاية الطفل ريان الذي سقط فصرخ أو استصرخ له، وحين صرخ الصارخ تسامع من حوله بهذا الصوت، وتدافع الكافة لعون المصاب كي ينجو ويسلم، وانبرى كل مستطيع لعرض خدماته، ومن أثر الصراخ جاءت وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية تراقب حفرة وحيشة في أرض قصيّة. وكم من صرخة أخافت لصًا أو سارقًا، وكم من صرخة زجرت صائلًا أو حالت دون بغي وبهتان، وكم من صرخة كانت سببًا للإنقاذ أو كف العدوان، وإنما المسكين الذي يُؤذى فلا يصرخ ولا يتحرك ولا ينبس ببنت شفه؛ فاللهم اجعل من ريان درسًا جميلًا لأمة الصيام والقرآن، وللأمة الموعودة من ربها بباب الريان، ولا تحرم والديه الأجر والمثوبة والظفر والعوض.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الأحد 05 من شهرِ رجب الحرام عام 1443

06 من شهر فبراير عام 2022م

Please follow and like us:

One Comment

  1. بسم الله الرحمن الرحيم . لم امسك دموعي وانا تابع سقوط الطفل ريان . والاف الحشود من الناس التي شاركت بمعداتها في انقاذه . من جميع انحاء المغرب والعالم . قدر الله وما شاء فعل . ولكن ياريت كل بلد في العالم العربي يتبرع المواطنون تحت ا اشراف اخصايين بالابار لردم الابار المهجورة . وتطغية الابار المكشوفة . وما اكثرها لترتاح كل عائله على فقدان فلذات اكبادهم . والتلفزيون دخل كل مدينةوقرية وباديه ورؤا سقوط ريان ووفاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)