سياحة ثانية في مقالات الطناحي
غالبًا تنادي الأولى على الثانية، فالحسنة تتبع أختها والله يكثر من الحسنات، وهكذا تفعل السيئة عندما تنادي مثيلتها حمانا الله وإياكم وغفر لنا جميعًا. وكان من الطبيعي أن أكتب بعض فوائد الجزء الثاني والأخير من هذا الكتاب الماتع جدًا الذي جمع مقالات العلامة الدكتور محمود الطناحي؛ ذلك أن درره نافعة جدًا للكتّاب ولجميع المتعاملين مع اللغة تعاملًا يفوق الحد الأدنى المطلوب للحياة العادية. وفي الكتاب غرر يصعب نقلها لطولها أو عمقها، وعسى أن يراجعها القارئ في موضعها ليغنم من المنبع. وأما الفوائد المنتقاة فهي:
- ضوابط القراءة المقبولة من قراءات القرآن الكريم محصورة في ثلاث: أن ينقلها الثقات عن النبي عليه الصلاة والسلام، ويكون لها وجه صحيح شائع من العربية، وتكون موافقة للرسم العثماني.
- فطن محمود شاكر منذ عقل إلى أن الطريق الوحيد للتغيير هو العلم والمعرفة، فانصرف إليهما، ولم ينشغل بغيرهما.
- الشعر عند أبي فهر هو باب العربية كلها، ونجد عنده الأنس بالمكتبة العربية كلها في فنونها جميعها.
- في مكتبتنا العربية كتاب حاشد يدور حول ربط الفقه بالنحو عنوانه: الكوكب الدري في تخريج الفروع الفقهية على المسائل النحوية لجمال الدين الإسنوي.
- ومن أعجب العجب أننا لا ننتبه لمناطق العظمة في تراثنا إلّا إذا نبهنا إليها غيرنا من الطارئين على ثقافتنا وفكرنا، وهم طائفة من المستشرقين الجادين.
- إذا أتيح للعمل شرف المقصد ونبل الغاية وخلوص النية ونزاهة النصح، بلغ من النجاح مبلغه، وانتهى من التوفيق إلى مداه.
- اللغة هي الباب الأول في ثقافات الأمم، وإهمالها أو التفريط فيها، أو السخرية منها، هدم لتاريخ الأمم، ومحو لها من الوجود.
- حظوظ الكتب كحظوظ الناس، يصيبها ما يصيبهم من ذيوع أو خمول.
- قال الأصمعي: من لم يحتمل ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبدًا.
- كان أساتذتنا رضوان الله عليهم يعرفوننا بأعلام تراثنا ويقدمونهم إلينا في صورة محفوفة بالجلال ملففة بالمهابة.
- شأن الكاتب الكبير أن يفتح منفذًا يفضي إلى منافذ، ويشق بابًا يدل على أبواب.
- رجاء صادق أسوقه إلى مدرسي العربية في الجامعة: أن يلتفتوا التفاتة جادة إلى أدب الجاحظ، وبخاصة ذلك الكتاب: البيان والتبيين، وأن يجعلوا من نصوصه نصيبًا مفروضًا على تلاميذهم.
- إنما يغفل الناس عن تراثهم بتلك الغشية التي تصيب الأمم في فترات ضعفها، فتذهل عن ماضيها، ثم لا تقنع بذلك الذهول حتى تضم إليه السخرية منه والتحقير له.
- الكاتب إذا اجتمعت له الأصول المعرفية والشاعرية، مع الصدق واستقامة القصد والترفع عن الدنايا وسفاسف الأمور، بلغت كتابته مبلغها، وانتهت إلى غايتها.
- كان كمال النجمي يربط ربطًا محكمًا بين ظهور شعراء الحداثة، ومطربي الأغاني الهابطة.
- وأنتم أيها الكتّاب والمفكرون-أطال الله في النعماء بقاءكم-لا تغفلوا عن حادثة الموت، وأخرجوا ما عندكم من علم، ولا تضنوا ببذله لقرائكم أو تلاميذكم.
- الفروق اللغوية بين الشيئين المتقاربين في المعنى باب مهم من أبواب العربية، ومن أحسن ما ألف فيه كتاب “الفروق اللغوية” لأبي هلال العسكري، وهو مطبوع متداول، فاحرص عليه واجعله قريبًا منك يستقم لسانك وبيانك.
- حين عالجت تحقيق ونشر بعض النصوص التاريخية، ظهر لي أن شطرًا كبيرًا من حضارتنا العربية والإسلامية لا يظهر إلّا من خلال كتب التراجم.
- إن الأعمال الموسوعية ينبغي أن تبرأ من الهوى، وتتصف بالحيدة والموضوعية.
- التحرج من ذكر بعض الألفاظ ليس من البر باللغة.
- يقول محمود شاكر: أي نكبة نزلت بعلوم هذه الأمة العربية الإسلامية على يد الصغار في حقيقتهم، الكبار في مراتبهم التي أنزلتهم إياها تصاريف الزمان، فأطلقوا ألسنتهم في مواريث أربعة عشر قرنًا، بالاستهانة والقدح والازدراء.
- يلاحظ أن وجوه الخطأ في تفسير القرآن الكريم تأتي من سرعة الاستشهاد بالآية القرآنية معزولة عن سياقها، منتزعة من أسباب نزولها، مع الغفلة عن وجه الإعراب فيها.
- لن تجد شاعرًا كبيرًا إلّا ووراءه رصيد ضخم من من القراءة المحيطة الجامعة للغة في مجالاتها المختلفة.
- من الملاحظ الآن أن الأدباء والشعراء يتكلمون أكثر مما يقرأون، ويستمعون أكثر مما يتأملون، وقد قال ابن قيم الجوزية : “من لم تنفعه عينه لن تنفعه أذنه”.
- الغريب من صميم اللغة، والدعوة إلى هجره والتجافي عنه ليست من البر بهذه اللغة الشريفة، بل هي عدوان عليها، وتحيف لشطر كبير منها.
- هذا درس جيد لمن يروم تحقيق نص من نصوص التراث: أن يعيش مع مؤلفه، فيخبر حياته وأسلوبه، ويعرف مكانة كتابه في فنه، ثم صلته بكتب العربية الأخرى.
- قيل: زيادة القول تحكي النقص في العمل.
- إن كثيرًا مما يتصحف من الكلام إنما يأتي نتيجة للغفلة، أو الجهل بتاريخ أمتنا وعلومها، وتاريخ رجالها، وكل ما أبدعته وأنتجته، ومن قبل ذلك ومن بعده عدم إعطاء الكلام حقه من التأمل والأناة.
- قال أبو حيان: الكلام كالجسم والنحو كالحلية.
- قال أبو سعيد السيرافي: النحو منطق ولكنه مسلوخ من العربية، والمنطق نحو ولكنه مفهوم باللغة.
- قال المبرد: كتاب سيبويه يُتعلم منه النظر والتفتيش.
- قال المتنبي: عليكم بالشيخ الأعور ابن جني فسلوه، فإنه يقول ما أردت وما لم أرد.
- من أهم عدة المحقق معرفة المطبوعات وتمييز ما بين الطبعات حتى يقوم توثيق النقول وتخريج الشواهد على أساس صحيح.
- أدى غياب الكتب إلى غياب المرجعية في قضايا الفكر والأدب، وقديما قال الجاحظ: وإنما يؤتى الناس من ترك التثبت وقلة المحاسبة. وقال الشيخ عبدالقاهر الجرجاني: وتلك جريرة ترك النظر وأخذ الشيء من غير معدنه.
- كتاب “نمط صعب نمط مخيف” من أوثق الدلائل على بصر أبي فهر بالشعر واللغة والنحو.
- يقول أبو حيان: إن مذهب الجاحظ مدبر بأشياء لا تلتقي عند كل إنسان، ولا تجتمع في صدر كل أحد، بالطبع والمنشأ والعلم والأصول والعادة والعمر والفراغ والعشق والمنافسة والبلوغ، وهذه مفاتح قلما يملكها واحد، وسواها مغالق قلما ينفك منها أحد.
- قال د.طه الحاجري في مقدمة تحقيقه لكتاب البخلاء: كان الجاحظ فوق ذلك كاتبًا أديبًا بكل ما تتضمنه هذه الصفة من رهافة في الحس، وخصوبة في الخيال، وقوة في الملاحظة، ودقة في الإدراك، وقدرة على التغلغل في دقائق الموجودات، واستشفاف الحركات النفسية المختلفة، وتمكن من العبارة الحية النابضة، والتصوير الكاشف البارع.
وبعد؛ فيا أحمد ربَّ سائل يستفهم إن كان من ثالثة سوف تأتي؟ والجواب أن هذا من المحتوم إذا فسح الله في الأجل، وبقيت القدرة، فميراث د.محمود بن محمد الطناحي خصيب للغاية، وكتبه كلها ربيع للقارئ والكاتب واللغوي، وعسى أن أوفق لشيء من هذا في قابل الأيام نفعًا لنفسي، وبرًا بأسلافنا، وخدمة لجمهرة الأدباء من الكتّاب وغيرهم، والله يطرح في الأولى والثانية والثالثة وما سيأتي بعدهن البركة والخير العميم المتواصل، ولا يذهبنّ وهلك بعيدًا فالحديث كله حول كتب ومقالات.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الجمعة 04 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1443
07 من شهر يناير عام 2022م
Please follow and like us:
