سير وأعلام لغة وأدب

ديوان المربي وأشعار أستاذ عنيزة

ديوان المربي وأشعار أستاذ عنيزة

بين يدي كتاب فيه وفاء ونبل وخلوص من أغراض الدنيا واعتزاز بالأسرة، عنوانه: ديوان المربي: من أشعار أستاذ الجيل في عنيزة صالح الناصر الصالح أحد أوائل رواد التعليم في المملكة 1322-1400، إعداد وتنسيق:عبدالرحمن عبدالمحسن الصالح، صدرت طبعته الأولى عام (1442=2021م) عن مركز المربي صالح بن صالح الاجتماعي في عنيزة، ويقع في (279) صفحة مكونة من فاتحة الديوان وكلمة بين يديه، ثمّ القصائد بناء على تصنيفها إلى ثلاثة أقسام يعقبها ملحقان في أولهما نصوص شعرية ونثرية لتأبين المربي، بينما حفظ الثاني نماذج من قصائده بخط يده أو صورًا عما نشر منها في الصحافة، وعلى الغلاف الخلفي تعريف مختصر بالمربي، ومن البهي اللافت أن خطوط الكتاب أبدعها صالح إبراهيم الدبيان حفيد المربي، وصممت غلافيه العنود عبدالرحمن الصالح مطرزة عليه أحرفًا ذات دلالة مشروحة.

ابتدأ الديوان بفاتحة شعرية من قريحة نجل المربي أحمد الصالح “مسافر” الذي يؤكد أن والده في قلبه وعقله ما غاب وما غرب. وبعد ذلك كتب جامع القصائد عبدالرحمن بن عبدالمحسن الصالح كلمة بين يدي ديوان عمه أبان فيه أن المربي الشيخ صالح بن صالح هو الخطيب الدائم في كلّ مناسبة وطنية، وأن قصائده المتناثرة تشهد على شغفه بالتعليم، ويتبدى فيها ملمح ظاهر خلاصته تجذر حبه لوطنه ومواطنيه، وعنايته الفائقة بعنيزة الفيحاء وعناز الأثيرة.

وشكر الذين ساعدوه في جمع القصائد ونسخها وعلى رأسهم نجل المربي وحفيداته، وأردف شاكرًا المؤرخ الأستاذ خالد الخويطر صاحب فكرة جمع الديوان التي طرأت عليه وهو يعكف على إعداد سيرة تفصيلية منتظرة عن مصباح عنيزة الوهاج. ولم يغفل الأستاذ الصالح عن شكر مركز ابن صالح والقائمين عليه خاصة الشيخ عبدالله النعيم، والأستاذ إبراهيم السبيل، والأستاذ صالح الغذامي. وذكر في كلمته أن الشعر لم يُحفظ عن المربي في شبابه، وأنه لم يعثر على بعض القصائد كاملة، واختار تخفيف الديوان من الشروح والحواشي، وأشار إلى أن قيمة القصائد التاريخية تفوق قيمتها الفنية والشعرية.

يحتوي القسم الأول من الديوان على ستة عشر قصيدة ألقيت في مناسبات ملكية حضرها الملك عبدالعزيز أو نجله الأمير ثمّ الملك سعود، ومنها واحدة للعزاء في وفاة الملك عبدالعزيز وتهنئة الملك سعود بالعرش ألقاها في القصر بالرياض مع وفد أهل عنيزة، وأخرى فيها تهنئة للأمير فيصل -الملك لاحقًا- بولادة نجله الأمير سعد، وثالثة ألقيت أمام وزير الدفاع الأمير مشعل بمناسبة افتتاح مطار عنيزة، وآخرها قصيدة تسلية وعزاء لم تتضح مناسبتها لمعدّ الديوان، وربما تكون تعزية في وفاة الأمير منصور (1337-1370). وجلّ القصائد الملكية تتعلق بشيء يخصّ عنيزة، وغالبها في شؤون تعليمية، أو تنقل مطالب أهلية لتطوير الزراعة والري وإنشاء مستشفى، ولاشيء منها للتكسب أو التملّق.

أما القسم الثاني ففيه ثلاث وعشرون قصيدة عن مناسبات تعليمية ووطنية، وهنا يظهر مجددًا شغف الرجل بالتعليم وما يحيط به، وهو مثل القسم الأول يرد فيه كثيرًا الثناء على أميري عنيزة المتعاقبين الأمير عبدالعزيز العبدالله السليم (1283-1358)، وخلفه الأمير عبدالله الخالد السليم (1300-1384)؛ فهم وأسرتهم العريقة أمراؤها قدمًا وقادة كلّ ذكر رفيع وأئمة لهم قدر جليل. وفي هذا القسم قصائد في الإشادة برجالات التعليم الأوائل مثل الشيخ طاهر الدباغ، والشيخ محمد بن مانع ابن “عناز” التي يحقّ لها أن تجرّ الذيل فخرًا به وتتيه بانتسابه إليها.

كما يرد فيه الترحيب والسعادة بزيارات وفود تعليمية وشبابية وكشفية، وتأسيس معاهد متنوعة، وافتتاح أندية ثقافية. ومن ضمن القصائد قصيدتان فيهما شكر كبير للوزير الأول الشيخ عبدالله السليمان الحمدان الذي أقام أول مشروع لمدّ شبكة مياه وري في المملكة وكانت من نصيب بلدته عنيزة، وقد تكفل بها من أمواله الخاصة عام (1376). ومنها قصيدة احتفائية بالشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ (1336-1410) وكيل وزارة المعارف ثمّ وزيرها وخطيب الحرم وعرفة، وقد وصفه بالحبر الوكيل ضمن قصيدة طويلة. وفي هذا القسم أيضًا قصيدة عتاب لكنها تخصّ التعليم وليست لأجل مصلحته الشخصية!

ثمّ ندلف إلى واحد وعشرين قصيدة يجمعها رابط الوصف بأنها من الإخوانيات لأصدقائه ولمن قدم على عنيزة من أهلها المقيمين في الخارج. ومنها قصيدة تهنئة بالتخرج في الجامعة لتلميذه الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل وقصيدة ثانية تقديرًا لجهوده الخيرية لصالح عنيزة، ويستنجد بتلميذه وزميله الشيخ عبدالله النعيم بقصيدة ثالثة لمتابعة مطلب تعليمي للبلدة، والرابعة لتلميذه الذي صار وزيرًا يستحثه على تنفيذ خدمة تعليمية لعنيزة؛ فالمربي هو “المطوع” القديم للوزير، إضافة إلى غيرها من القصائد التي تلتصق بالتعليم ومجاله الرحيب وأهله الكرام.

وأخيرًا جاء الملحقان وفي الأول منهما قصائد رثاء للمربي الراحل تكفي عناوينها تعبيرًا عن مضمونها وعن توقير الأوفياء لشيخهم، فالشاعر عبدالله السناني يسير في موكب الدمع، ويستعلن الشاعر صالح العثيمين بالحزن قائلًا: ورحل الحب. أما الشاعر عبدالعزيز الذكير فيجزم صادقًا بأن صاحبنا مثل النور الذي لم ينطفئ، ولا غرو أن يصفه نجله الشاعر مسافر بأنه “حبي الكبير” ويروي وحشة الدار والديّار عقب غيابه، وبكاء المدينة المفجوعة برحيل أحد ساداتها الكبار. وختم الملحق بمقالة وداع تحت عنوان رحيل العالم كتبها الدكتور محمد الشامخ الذي كان المربي سببًا رئيسًا في إكماله التعليم.

إن ما نراه في عنيزة من فشو العلم والثقافة، وكثرة المتأهلين والبارزين من أهلها، يعود إلى أسباب من ضمنها ومن أهمها وجود شخصية مثل المربي المعلم الأول الشيخ صالح بن ناصر الصالح وشقيقه الأستاذ الشيخ عبدالمحسن، وليس بكثير عليهما الثناء، وليس بمستغرب على عنيزة وأهلها الاحتفاء بهما وتقديمهما، وإعادة سرد سيرتهما العبقة الوضاءة، مع التقدير الكبير للجهود التعليمية والتثقيفية التي استوت قائمة على سوقها بفضل الله ثمّ بنصبهم وتعبهم وإخلاصهم هم ومن كان معهم من زملاء وتلاميذ.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الجمعة 18 من شهرِ محرم عام 1443

27 من شهر أغسطس عام 2021م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)