سير وأعلام عرض كتاب مواسم ومجتمع

نخيلنا في كتابات الرحالة الأجانب

نخيلنا في كتابات الرحالة الأجانب

مَنْ غير المؤرخ البروفيسور عبدالعزيز بن عبدالغني بن إبراهيم يستطيع أن يستعرض كتب الغربيين ويجوب رحلاتهم ويفحص تقاريرهم عن الجزيرة العربية كي يستخلص عدة موضوعات نافعة وماتعة في آن واحد؟! فأستاذنا درس تاريخ الجزيرة العربية والخليج وكتب فيه وترجم وحاضر وناقش، ولم يكتف بذلك بل جرد الرحلات الغربية ثمّ اختصرها وقدمها للقارئ لتكون مادة ثمينة أمينة مستطابة في المكتبة العربية والإسلامية. وهو يمتاز بالاطلاع على الأصول الأجنبية مباشرة، بيد أنه لم يأسر فكره لإفك القوم، ولم يخفض لحضارتهم المستعلية جناح الذل، ولذا صار أمامهم شامخًا لا يهزه بهتانهم، وعزيزًا لا تدنو هامته لعواصفهم المفتعلة.

ومن مؤلفاته الأخيرة كتاب عنوانه: نخيل التمر في كتابات الرحالة الأوروبيين، تأليف: عبدالعزيز عبدالغني إبراهيم، صدرت الطبعة الأولى منه عن دار الساقي عام (2020م)، ويقع في (207) صفحات من القطع المتوسط مكونة من مقدمة وأربعة فصول يختصّ كلّ واحد منها بمنطقة من شمال الجزيرة العربية إلى غربها فوسطها ثمّ شرقها. وتأتي بعد الفصول خاتمة فملحق لغوي يعقبه فهرسان للأعلام والأماكن، وأكثرهما تكرارًا الجزيرة العربية والرحالة “بالغريف”. وفي أول الكتاب إهداء من البروفيسور إلى نجله أ.د.سعود بن عبدالعزيز مع وصية له بالارتفاع عن الأحقاد مثل النخلة. ورسمت ريشة الفنانة عالية الفارسي لوحة الغلاف، وصممه سومر كوكبي.

يصل تعداد أجناس النخل إلى أكثر من مئتين تضم داخلها ألفين وستمئة نوع، ونخيل التمر شرقي الأصل، عربي المهد، لم يعرفه الأوروبيون إلّا حين التقى الشرق بهم حاملًا إليهم قبسًا من حضارته وثقافته عبر التجارة والعلوم والفتوح. وظفرت النخلة بمكانة سامية في الفكر الديني اليهودي والنصراني وبقيت لها هذه المكانة أيضًا في الفكر الإسلامي، ولازالت بركة النخل تعيش في لاوعي يهود أوروبا الذين يطلقون اسم تمارا على بناتهم رجاء أن تنشأ الفتاة عالية القوام، ممشوقة القد، مباركة، حلوة الثمار، بينما حفظت دولهم انتصاراتها العسكرية على الشرق بنقش صور النخلة في القصور والقلاع.

كما سكّ الرومان حين احتلوا فلسطين نقودًا عليها صورة النخلة، وكتب أحد القياصرة إلى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مخبرًا إياه بأن رسله وصفوا له النخلة، وإنها إن صدق وصفهم لها فهي من شجر الجنة، فأجابه عمر تأكيدًا لمصداقية رسل قيصر ومضيفًا لمعلوماته عن علاقة النخلة مع نفاس مريم بعيسى عليهما السلام. وربما كان صقر قريش عبدالرحمن الداخل (113-172) أول من نقل النخلة من بلاد العرب إلى أطراف أوروبا لتؤانس غربته ووحدته. وقد استرعى النخيل انتباه الرحالة القادمين للجزيرة العربية عبر ثلاثة طرق أولها من سورية، وثانيها عبر البصرة والكويت، وثالثها خلال مسقط ومدن عمان وساحلها، وأما غير هذه الطرق فقد سلكها الرحالة دون أن يكون للنخيل أو التمور أيّ عناية لديهم ولذا تجاهل المؤلف ذكرهم.

ولم يكن التمر ونخيله يمثل هاجسًا لأيّ رحالة، ومع ذلك فقلما يخلُ كتاب لهم من ذكر النخلة؛ فمتلازمة البدوي والبعير والنخلة تتبادر إلى الذهنية الغربية بمجرد الإشارة إلى العرب وجزيرتهم. واللافت في الأمر أن هؤلاء الرحالة على اختلاف عصورهم، وبلادهم، وتخصصاتهم، ومرجعياتهم الفكرية، وأهدافهم المعلنة أو المضمرة، ونظرتهم إلى المنطقة وأهلها، إلّا أنهم حرصوا على التدوين والاستقصاء حتى للون التمر وطعمه وأنواعه وطرق سقيه وصرامه وصوت سعفه واستخداماته، وآمل ألّا يظن أحد بأن هذه الطبيعة التجسسية الاستقصائية قد انتفت لدى المعاصرين بحكم التطور والمواثيق الدبلوماسية، بل إنها زادت وخدمتها التقنية والتستر بالتجارة أو الدبلوماسية وغيرهما.

يبدأ الكتاب من دخول “جون لويس بوركهاردت” السويسري المعروف باسم “يوهان لودفج بوركهاردت” -اتخذ اسمًا عربيًا له هو الشيخ إبراهيم المهدي بن عبدالله- إلى جدة لصالح بريطانيا، وعدّد السلع التي تباع في سوق جدة عام (1814م) ومنها التمر الذي يباع بثمن رخيص مع أن جدة ليست ذات نخل. وإن لتوافر التمر بسعر زهيد بعيدًا عن مواقع إنتاجه دلالة على كثرته وأهميته عند العرب، وأشار إلى أن تمور جدة تستورد من تربة وخليص والبصرة، ومنها يذهب التمر إلى الهند، وأن مقاهي جدة وحوانيتها تستخدم سعف النخل وجذوعها، كما لفت نظره كثافة النخل في ينبع. وكرر الإنجليزي “سادلير” الشهادة لينبع بكثرة النخيل، وهو ما قاله الفرنسي “ليون روش” -عمر بن عبدالله- وشاركهم البريطاني “رتشارد فرانسيس بيرتون” الذي وصف ينبع بأنها بوابة للديار المقدسة وميناء رئيسي للمدينة النبوية.

بينما كتب الفنلندي “جورج أوجست والين” -عبدالولي بن عبدالمولى- عن زيارته للجوف عام (1845م) ووصفها بأنها أول نجد عند السوريين، وأول الشام بالنسبة للنجديين، والنخل هو قوام الزراعة فيها وأساس التجارة لأن المقايضة تقوم على التمر، وهذا وضع متكرر في جلّ بلاد الجزيرة العربية. كما ارتحل إلى الجوف “وليام جيفورد بالغريف” -سليم العيص- (1862-1863) وهو إنكليزي من أصول يهودية ينتمي لجماعة الآباء اليسوعيين، وعمل لصالح نابليون الثالث وأثنى على تمور الجوف، وقلّده الإيطالي “كارلو كلاويدو كاملو جورماني” -خليل آغا- (1864م).

أما “آن إيزابيلا نويل” المشتهرة باسم “آن بلنت” فقد دلفت إلى شمال الجزيرة عبر الجوف (1879م) برفقة زوجها “ولفرد سكاون بلنت” الذي زهد فيها وهجرها فيما بعد! ومثلها الفرنسي “شار أوغست هوبر” (1879م)  مكتشف حجر تيماء الشهير الذي بدأ رحلته من الجوف، ومع ذلك فإن الرحالة الألماني “يوليوس أويتنج” -عبدالوهاب فرنص- هو أول مَنْ كتب عن الجوف وقراها باستفاضة إذ أن الجوف هي أهم بلدة في شمال الجزيرة حسب “إدوارد نولده” الألماني الأرستقراطي.

وقصر الإنكليزي “ارتشيبالد فورد” همه على التنصير في منبع الإسلام وتسويق نسخ من الإنجيل حينما زار الجوف عام (1901م)، ووصف التشيكي ذو الأصول النمساوية “ألويس موسيل” (1915م) -موسى الرويلي- بساتين الجوف وتمرها الحلوة الذي يتربع على عرش التمور الجوفية من ناحية الأهمية والطعم وإن وجدت أصناف كثيرة غيرها. ومن الطريف أن أهل إحدى قرى الجوف أشفقوا على الرحالة وقومه ورقوا لحالهم بعد أن علموا أن دين النصارى لا يسمح لهم إلّا بزوجة واحدة وأن بلادهم لا تنتج التمر!

كذلك كتب كل من “والين” و “بالغريف” و”آن بلنت” و “هوبر” عن حائل وتمورها سواء في حائل أو بجوارها مثل قفار وجبه وأم القلبان وتحدثوا عمن قابلوه من أمراء آل رشيد. وظلم بعض الرحالة مطبخ ابن رشيد واصفًا إياه بالفقر وهو ما ناقضه رحالة كثر راق لهم المطبخ الحائلي، واستلذوا بطعومه وشهدوا له بالكرم مخالفين ما قاله صاحبهم المبغض الإنجليزي “تشارلز مونتاغو داوتي” (1876م)-خليل- الذي يبغض التمر وأهله ويزدريهم ويتجنى على أيّ شيء عربي، وهو ممن زار مدائن صالح آنذاك وطاف في نواحي الجزيرة، وأتعجب من احتفاء بعض العرب برحلته دونما تدقيق وهو الشانىء المحتقر لهم.

وتسلّل الرحالة الإسباني “دومينغو فرانسيسكو جوردي باديا آي لبلخ” عام (1807م) -علي بك العباسي- إلى مكة فوجد السعف والجريد والتمر ولم يجد النخل أو حتى الشجر بأنواعه الأخرى. وتقصى الهولندي “كريستيان سنوك هورينكا” – عبدالغفار- أثر الحج في أهل جاوة وهو أبرز رحالة غربي كتب عن مكة بتفصيل، وإن الحرمين وفريضة الحج لحاضرة في كهوف الاحتلال الأوروبي لجاوة والهند وغيرهما بسبب تأثيرها الإيجابي على المسلمين ببعث روح الجهاد وإحياء المقاومة فيهم.

وأشار آخرون إلى أن نخيل رابغ كثير وكثيف يتعانق مع بعضه، وهو كذلك في وادي الصفراء ويُعدّ سلعتهم الأساسية، ووحدة البيع هناك هي النخلة، ويؤدي العريس مهر زوجته عددًا من النخيل. ومن خبرهم أن “بوركهاردت” هو أسبق الرحالة في الكتابة عن المدينة النبوية، وتحدث “بيرتون” عن المدينة وصرير السواني والسواقي بصوت محزن، وقال: إن تمور المدينة جزء ضروري في هدايا الحجاج العائدين لأهاليهم نظرًا لقداسة البقاع التي نبتت فيها.

كذلك وصف “سادلير” نخيل الدرعية ومنفوحة والرياض وشقراء والمذنب وعنيزة والرس في رحلته عام (1819م) التي قطع خلالها الجزيرة لتهنئة الباشا وجيشه على تهديم الدرعية والقضاء على الدولة والدعوة فيما يظن. والعجيب في هذه الرحلات أنها لم تذكر شيئًا عن نخيل جلاجل التي تسمى الأحساء الصغرى، ولم تتطرق إلى نخيل جنوب الرياض فيما هو أبعد من الخرج، ولم يُروَ لنا شيء عن بيشة ذات النخيل، وربما أن إبل إبليس لم تبلغ تلك الأماكن، أو لم يكتب الرحالة عن نخيلها وتمورها شيئًا.

بينما أشاد “بالغريف” بالقصيم قائلًا: يحقّ للقصيم أن تفخر بأنها تضم أفضل أنواع النخيل باستثناء خلاص الأحساء، وأثنى على نخيل عيون الجواء بعد أن استضيف في حديقة نخيل جوائية جيدة التنسيق لم يشاهد شبيهًا لها في حياته، وجلس تحت تعريشة مفروشة بالحصير والسجاد تتسع لنحو أربعين شخصًا وتناولوا فيها طعام العشاء بصحون ضخمة لم تقع عيونه من قبل على مثيل لها، وشاركه “هوبر” القادم من حائل الرأي بأن تمور العيون هي الأجود في القصيم التي زار بعض مدنها، وحكم لتمورها بالجودة.

من فوائد الكتاب وهي غزيرة أن “لودفيكو دي فارتيما” -يونس- أول رحالة معروف دخل إلى الجزيرة العربية عام (1503م) ولم يذكر النخل إلّا مرة واحدة، وكان الإنجليزي الشهير “فيلبي” -أعلن إسلامه وأسمى نفسه عبدالله- قليل الاهتمام بالنخيل ومع ذلك كتب كلمة مؤثرة بقوله: لقد كانت أيامًا مجيدة حين كان خط السكة الحديد ينقل إلى الشمال البعيد ثمار المدينة ثم يعود محملًا بحبوب حوران وأقمشة مانشستر. واكتشف العسكري البريطاني “ليوتينانت جوب” الذي دخل إلى شرق الجزيرة (1841م) أن للنخيل أثرًا في عرقلة خطط أيّ غزو عسكري يمكن أن تتعرض له المنطقة.

وعجزت كلمات “بالغريف” عن وصف حلاوة تمر خلاص الأحساء علمًا أن تمور هذه المنطقة تصل إلى بومباي وزنجبار وربما أبعد من ذلك، وفيها نخيل كثيرة وواحات اشتهرت بإنتاج التمور وتصديرها كما يشهد اليهودي الألماني “هيرمان بورشارت” (1904م) وتصل إلى أوروبا حسب “وليامسون” (1925م)، وتواطأت أقوال الرحالة عن الأحساء والقطيف والبحرين فنخيلها كثيرة متنوعة منتجة تسقى بمياه العيون وتدر دخلًا ضخمًا على الخزينة.

لكن نخيل قطر قليل تمامًا مثل نخيل ساحل عمان وإن كانت منتجات النخيل ظاهرة في البيوت، أما عمان فهي ذات نخيل وتمور، وزار جلّ الرحالة السابقين المنطقة وكتبوا عنها، ويضاف عليهم الإيطالي “فينسينزو موريزي” (1809م) -الشيخ منصور- الذي وجد بأن التمر مادة الحياة بعمان، وممن زار المنطقة الإنكليزي “جيمس بكنغهام” (1816م)، والإنكليزي “جيمس ريموند ولستد” (1835م) وله رحلة ترجمها المؤلف للعربية.

ويثني مؤلفنا على الألماني “كارستن نيبور” (1762م) الذي خدم مملكة الدانمارك وكان من أبرز وأوائل الرحالة وأصدقهم حديثًا وأدقهم ملاحظة. وزار عالم النبات الفرنسي “ريمي مارتن أوشير إيلوي” (1838م) بهلى ونزوى التي أعجبته وراقت للمنصر الأمريكي “فان بوسيم” (1926م)، وقبله تجول فيها طويلًا “مايلز” (1874م) حتى غدا خبيرًا في تاريخها ونخيلها، وله حول ذلك كتابات ومرويات.

ومن ملاحظات المنصر الأمريكي “بول هاريسون” الجديرة بالانتباه أنه حين زار عمان (1927-1938م) وجد إنتاج النخلة في الواحات مرتفعًا قياسًا لإنتاجها في الباطنة المتدني جدًا، ويعود السبب حسب تحليله إلى أن الأُجراء في الواحات يحصلون على أجور مناسبة، ويسمح ملاك البساتين لهم بزراعة محاصيل خاصة وبيعها، وفوق ذلك يعامل المزارع بطريقة أفضل مما يلاقيه مثيله في الباطنة، ويذكر أن رخاء عمان اعتمد على تصديرها التمر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

ثمّ كان الأمريكي “وندل فيليبس” (1955م) آخر رحالة تتبعه المؤلف في رحلات هذا الكتاب، ومن لطائفه تسمية أحد أفضل أنواع التمور العمانية بأم صلاح. ويرتبط بعمان ونخيلها سياسيًا أن زكاة التمر تحدد ولاء القبائل والمدن خاصة عقب خلافات البريمي، وأن جذوع النخل حمت أبطال عمان وفرسانها، وساندت أولئك الأشاوس في صدّ عدوان جنود الإنكليز عام (1821م) حتى استطاع العمانيون إبادة ثلثي حملة “طومسون” المعتدية الباغية.

ويظهر من التتبع أن الرحالة يميزون بين التمور ويفضلون تمور الجزيرة على غيرها ويفاضلون فيما بينها، وجزموا بأنها عماد الحياة في الصحراء العربية ولكل نخلة مالك، ومن أهميتها لديهم أن التأريخ يستعمل مواسم النخل، وأنهم يستخدمون كلّ شيء فيها في المأكل والمشرب والأدوات والبناء؛ فجميع ما في النخلة القائمة أو المقطوعة مفيد، حتى نوى النخل يصبح طعامًا وعلفًا للحيوانات سواء بعد تليينه بالماء في المدينة أو عقب طحنه في نجد، وفي المدينة استخدموا المتسولين لجمع النوى الملقاة في الطرقات، وبجريدها قاوم الشباب الجراد، وتحت سعفها استظلّ الناس وبه استضاءوا.

وأسهب بعضهم في تعداد أصنافها وأحجامها وألوانها ومذاقها، وامتدح آخرون مهارة الزوجة العربية في التفنن باستعمال التمر على مائدتها مطبوخًا أو مع القهوة أو اللبن أو الزبد، ولأن النخيل والتمور بهذه المكانة والقيمة فإن موسمها منتظر من قبل الفقراء والأغنياء. ومما ذكره بعض الرحالة أن العرب يصعدون إلى النخل مثل القطط، وينفرد الإنكليزي “جورج فوستر سادلير” بأنه أول من أشار لوظيفة بساتين النخيل الترفيهية والترويحية عن النفس.

أشير كما أسلفت في المقدمة إلى أن شيخنا المؤرخ لا يستقبل كلام هؤلاء الأعاجم دون فحص وتمحيص علمي، ولذا يقول: يظلّ في النفس شيء من صدق مقولهم، فهؤلاء الرحالة كثيرًا ما يدرجون في كتبهم قدرًا من الزيف يستثيرون به خيال القارئ الأوروبي، وهم يكتبون من الذاكرة لأنهم لا يهتمون بتوثيق أيّ معلومة إلّا إذا كان لها ارتباط في تحقيق هدف الرحلة، ولم يدر بخلدهم أن عربيًا سوق يقرأ ما كتبوه في يوم ما، وليت أن البروفيسور يجمع أبحاثه المنشورة في المجلات التي ذكرها في بعض الهوامش ويصدرها في كتب ليسهل انتشارها والإفادة منها.

ثمّ يردف البروفيسور: في الحقيقة إن المبالغة هي السمة الأبرز في أدب الرحلة الغربية، وتقل درجتها أو تزيد وفق ثقافة الرحالة المعني وسعة خياله، ولكنه دأب كلّ هؤلاء الرحالة حينما يكتبون عن الفكر الشرقي؛ إذ ينتقون غريبه ويضيفون إليه خاصة إذا كان هذا الغريب متصلًا بالإسلام أو المرأة أو الرقيق، ويجنح الرحالة إلى الغريب الذي يحمل إيحاءات جنسية تسيء إلى الرجل والمرأة في المنطقة العربية وتستثير خيال القارئ الغربي، وهذا الملمح باقٍ في الغرب ووسائل إعلامهم، وبعض المفتونين من بني جلدتنا يفغر فاه طربًا بسخريتهم من مجتمعاتنا وما عرف المسكين أنهم يرونه واحدًا من هذه المجتمع المزدرى ولو خلع ملابسه أمامهم معنويًا وماديًا!

وقد أورد المؤلف مقتطفات من كتب ألفها أبناء المنطقة ليؤكد أنه يوجد من بين أهل كلّ منطقة رجال يكتبون في تراث أهلهم ما لا يستطيع الأجانب أن يصلوا إليه، ولهم فوق ذلك قدر من الصدق والإخلاص والمعرفة بالثقافة والحضارة ما لا يحسنه الرحالة الذين أبانت الحقائق والوقائع أنهم قرون الاستشعار الذين يتقدمون ركب الاحتلال والتنصير وسرقة خيرات المكان وقوام اقتصاده، ولبعضهم تصريح قديم حول التنصير وإقامة مملكة المسيح في الشرق اليسوعي مثل البلجيكي “جاسباريس” الذي زار عمان (1549م) وحزن أن لم يجد فيها قسًا يرعاها!

من خواتيم هذا الكتاب أن النخلة هاجرت إلى الغرب الأمريكي فوجدت أحسن عناية وأكمل استثمار مثلما حصل لبعض العرب المتميزين مع عظيم الحسرة والأسى، وليت أن التمر وخيار البشر يعودون لمنابتهم العربية كي يُستثمروا لصالح بلادهم وأمتهم وأهليهم. ومنها أن النخلة امتازت بصفات شاركت بها أكثر العرب والمسلمين ولذا فهناك ارتباط وثيق بين النخيل والوفاء والعطاء والإباء وهي من سمات العرب، وأما اليهود فما عُرف عنهم مع النخلة إلّا مواعيد عرقوب الذي وعد وماطل، ثمّ وعد وماطل، وأخيرًا وعد فأخلف!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الثلاثاء غرة شهر الله المحرم عام 1443

10 من شهر أغسطس عام 2021م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)