سياسة واقتصاد سير وأعلام عرض كتاب

عمرو موسى وعقد في أصعب جامعة!

عمرو موسى وعقد في أصعب جامعة!

هي حقًا جامعة صعبة ومعقدة، ومن العسير أن يتخرج أحد فيها بنجاح يرضيه. وبعض أسباب هذه الصعوبة يعود لكونها جامعة ليس لها منهج واحد، ولا إستراتيجية واضحة، ولا قيادة مشتركة، ولا مشروع ثابت متفق عليه، وفيها شركاء مختلفون، يعانون من استقطاب إقليمي ودولي، وبينهم مشكلات حدودية وتاريخية مع أن الذي يجمعهم غير الجغرافيا كثير بيد أن السبل تفرقت بهم، ولذا فقد يدخل إلى جامعتهم أنجب الدارسين وألمع الأساتذة دون مخرجات ناجحة تمامًا؛ ذلك أن العمل فيها يشبه المسائل الحسابية التي لا يجدي نفعًا أن يتبع الطالب طريقة إجابة صحيحة إذا كان الناتج النهائي خاطئًا أو قاصرًا.

هذا ما فهمته بعد قراءة الجزء الثاني من سيرة ذاتية عنوانها: كتابيه…سنوات الجامعة العربية، تأليف: عمرو موسى، تحرير وتوثيق الكاتب الصحفي: خالد أبو بكر، صدرت طبعتها الأولى عام (2020م) عن دار الشروق، وتقع في (575) صفحة مكونة من تقديم ومقدمة منهجية لمحرر السيرة ثمّ مقدمة للمقدمة فمقدمة يتلوها تسعة عشر فصلًا ثمّ ملاحق والمراجع. وعلى الغلاف الخارجي الذي صممه هاني صالح صورة المؤلف في أحد اجتماعات الجامعة العربية فيما يبدو، وفي آخر صفحة من الكتاب صورة له مع عائلته أمام مقر الجامعة قبل أسبوع من مغادرته لمنصبه فيها؛ وكأنه يقول: أخذتني من عائلتي ثمّ هأنذا أؤوب إليها. ومن موافقات الكتاب أن عدد الشهادات المسجلة لأجله مع ساسة عرب يماثل عدد فصول الكتاب.

سبق صدور هذا الجزء ظهور الجزء الأول الذي بلغ أزيد من ستمئة صفحة شملت حياة المؤلف منذ ميلاده عام (1936م) إلى نهاية عمله وزيرًا لخارجية مصر عام (2001م) باختياره أمينًا عامًا للجامعة العربية. وأتصور أن الجزء الثالث من سيرة الوزير النابه والأمين النشط ستكون مثيرة مع أنها تحكي عن سنوات قليلة، والله يجعلها خير ختام لهذه الثلاثية، ولمسيرة الرجل العملية الطويلة، وأحسن نهاية يستعدّ بها للقاء ربه-أطال الله عمره على طاعة وإيمان- وما أصعبه من جزء ثالث وإن كان عن ثلاث سنوات فقط؛ لكنه سيكون حاكمًا على أخويه السابقين ومقياسًا جليًا فيما يظهر لي.

تُعدُّ هذه السيرة بحق درسًا في كتابة السير وتحريرها، ودرسًا في السياسة والدبلوماسية، وفي التاريخ والجغرافيا، ولذا فما أحوج العرب العاملين في الحقل السياسي والدبلوماسي، والمعلقين فيه والمحللين لشؤونه، والكاتبين والمؤلفين حوله، إلى الاطلاع عليها، هذا غير عامة القراء. ومع العناية الظاهرة من المؤلف وفريق العمل بالمراجعة وتكرارها من عدة أشخاص وكتّاب إلّا أن السيرة لم تسلم من أخطاء طباعية، وأخرى نحوية، وثالثة في تعداد الأفكار أو ترتيب الشهور.

في الكتاب أشياء كثيرة أُشير إليها تصريحًا أو تلميحًا ضمن السياق، منها الانحياز الأمريكي والأوروبي الكامل لإسرائيل بلا مواربة إلّا من بعض دول أوروبا أحيانًا، وأدى هذا الانحياز إلى جور مبين من منظمات دولية يُفترض فيها النزاهة والحياد مثل هيئة الأمم ومجلس الأمن والوكالة النووية، فصياغة نصّ بيان لا يغني العرب ولا يضر اليهود يغدو في صف “إسرائيل” المعتدية وعلى العرب الذين وقع عليهم العدوان حتى لكأنه مكتوب بأقلام حبرها يقطر من شجر الغرقد! ويتضجر مدير الوكالة النووية العربي محمد البرادعي من تعاون العرب النادر بقيادة أمينهم في محاولة لحصار مشروع إسرائيل النووي مع أن غاية الجهود إبقاء العنوان حاضرًا في جدول الأعمال فقط!

كما روى المؤلف التهم التي رُمي بها؛ فمنها أنه “أمريكي” الهوى، ومحسوب على دافعي الأموال ومغدقي الهدايا من الدول العربية، وأن حضوره أو انسحابه يخضع لمصالح قوى إقليمية أو دولية، وأما تصريحاته فيُراد منها كسب شعبية في الشارع المصري المحب لعروبته خاصة حينما كرر عمرو موقفه ضد التدخل الدولي لمواجهة القذافي الذي ولغ في دماء شعبه؛ فقالت “هيلاري كلينتون” والصحفي الأمريكي “كريستوفر ديكي”: إن موسى يصرح بذلك مغازلة للمصريين وعينه على كرسي الرئاسة في الانتخابات القريبة، بينما كان الأمين العام يريد -حسب قوله وأحسبه صادقًا- الحيلولة بين القذافي وقتل الناس، والحيلولة بين الغرب وتدمير البلد، بينما استكثر عليه الغربيون ذلك لأنهم لم يعتادوا مثل هذه الحميّة، وهذا لا ينفي أن رأيهم محتمل وارد من ناحية منطقية.

ومع أن الأمين العام لا يحب التهم المعلّبة ونأى بنفسه عنها فيما يخصّه بل دفعها وهذا حقٌّ مشروع له كما فعل في الأمثلة السابقة، إلّا أن كتابه حوى شيئًا منها فيما يخصّ من لا يروقون له من دول وأحزاب، وتلك طبيعة بشرية أن ترفض أمرًا إذا وقع عليها، بينما تجريه على الآخرين بلا تردد أو تروي، والتسويغ لذلك جاهز فما قاله الآخرون مجرد تصفيف وتعليب، وما يقوله المرء حقيقة بعد تفكير وتقليب! أقول هذا مع أني أحب عمرو موسى، وأكره الأعادي.

أيضًا لا يخلو الكتاب من أنين يسمعه القارئ بين كلماته وحروفه، أنين من تقزيم مصر وانحسار دورها، ومن هرولة دول بعيدة إلى السلام المجاني مع إسرائيل دون مكاسب تذكر، وأنين من خلافات العرب المستمرة، وتشرذمهم الدائم، ومن غياب الفكر الإستراتيجي، وكثرة المشكلات التي تعصف بعالمنا العربي، ومن تباين المرجعيات بين الدول العربية، ونظرتهم لجامعتهم، ومن عسر التعامل مع الزعماء والوزراء الذين لا يؤمنون باستقلالية الأمين والجامعة، وأنين من تقرّب بعض الدول لأولياء أمور العالم!

ومن لطيف خبر الأنين وإن لم يكن في الأنين لطف من قبل، أن الأمين العام سمع إبان توليه منصبه العربي صرخة الكاتب السوداني الروائي الطيب صالح من الحكم القمعي في السوداني زمن البشير “المنبوز” بأنه إسلامي، بيد أن الأمين المخضرم لم يسمع أنين شعوب بأكملها أو غالبيتها من حكم لا يوصف بأنه إسلامي ولا حتى ليبرالي صادق في تونس وسورية ومصر التي يطلّ من نافذة مكتبه على هدير شوارعها، هذا وهو الحصيف القائل: المواطن العربي يعاني من التعاسة، وهو غير سعيد ولا مرتاح لحكامه، ويتمنى أن يعيش في كنف حكم رشيد.

لذا لم يفت على الأمين العام بيان تعاسة المواطن العربي وكثرة حاجاته الضرورية التي لم تؤمن له مع تعرضه شبه الدائم للقمع، ومعاناته من سوء الإدارة والتصرف في بلاده ومضايقة الهوية وغير ذلك. وأردف الأمين في مواضع من كتابه: لم تأخذ الطبقة الحاكمة في الاعتبار أن للتاريخ حركة، وللشعوب فلسفة ومشاعر وانتفاضات يتطلب التعامل معها عمقًا وذكاء وحسن تقدير وصحة في الحسابات وكفاءة في الإدارة. وهذه السمات الخاطئة ليست حصرية في الزعماء المعمرين؛ فحتى القذافي الابن لم يخرج عن النمط الذي اعتاده والده في خطابه المهين للشعب. ويكمل الأمين السياسي تشريحه للحال العربي بقوله: قوام الوضع العربي الحالي التفرقة وهشاشة الفكر الإستراتيجي المشترك -هذا إن كان موجودًا من الأصل!-

ثمّ وصفت السيرة خوف العراقيين من صدام حسين على مستوى الشعب وعند الطبقة السياسية القريبة منه التي لا تجرؤ على مصارحته بحقيقة الأوضاع، ولذلك سمع أبو عدي أعنف لهجة من عمرو موسى، وهذا لا يعني أن الأمين تحدث بعيدًا عن اللباقة المطلوبة من الدبلوماسيين فيما أتصور، وإنما هي عنيفة بالقياس لما اعتادت آذان الزعيم على سماعه؛ فلأول مرة يسمع لغة فيها صراحة وتحميل مسؤولية توقظه من غيبوبته كما قال مساعد الأمين العام أحمد بن حلي.

وعصارة الدرس الذي قدمه عمرو موسى لقرائه بإخلاص من الاعتبار بمصير صدام والقذافي هو أن لا يبالغ الزعماء في تقدير قوتهم، ولا يتوقع أحدهم العون الأجنبي ففي ساعات الحسم لن ينفع إلا أبناء الوطن. وقد جزم أبو حازم بأن جلّ الدول المحيطة بالعراق وليبيا لم تكره ما حلّ بالرجلين بسبب تراكم سجلهما بسوء العلاقة مع الجيران فضلًا عن الداخل. ومن المحزن في الشأن العراقي أن السفير الأمريكي في بغداد عقب الاحتلال الأمريكي شجع الفرقاء العراقيين على قبول دعوة الجامعة للاجتماع فحضروا، وحثهم على إقرار صيغة التعديل الدستوري التي اقترحها عمرو موسى ففعلوا، ووافق على شغل المجلس الانتقالي لمقعد العراق في الجامعة العربية فكان كما أراد الأمريكي المحتل!

كذلك اعتنى الأمين مستشرفًا للمستقبل بمسألة الجوار العربي خاصة مع إيران وتركيا وأثيوبيا وتشاد ودول القرن الأفريقي إضافة إلى إسرائيل التي له عنها وجهة نظر. ويرى أن الحصار السياسي لإيران ومقاومة نفوذها الإقليمي المتصاعد لم يكونا بالضبط جزءًا من السياسة الأمريكية خاصة بعد غزو العراق في مارس عام (2003م)، وأن التفاوض الأمريكي مع إيران في 5+1 لم يتعرض للسياسة الإيرانية في المنطقة ولم يأبه بالعالم العربي ومصالحه بل لم يطلع العرب على سير المفاوضات، فسياسة واشنطن مع طهران تقوم على التحجيم وليس الإلغاء، وتستهدف حماية الأمن الإسرائيلي فقط.

لأجل هذا فلإيران ثقل على خارطة الإستراتيجية الأمريكية، ولها حضور في أكثر من مساحة تهم أمريكا سواء في المنطقة التي تخطط أمريكا للهجرة منها أو في المنطقة التي تنوي الهجرة إليها! وعليه فالمعركة الغربية مع إيران لا تدار لصالح أمن دول الخليج بالمعنى الذي تريده الدبلوماسية الخليجية وإنما تدار لصالح أمن إسرائيل. وخلاصة رأيه أن دولة كإيران لا يصح أن تؤخذ بخفة، أو تختصر في أمر تشيعها، أو يُنظر إليها من زاوية واحدة؛ بل يجب أن تؤخذ بجدية، ويُنظر إليها من زوايا إستراتيجية.

ومن حسنات حقبة موسى التعامل الإيجابي مع مؤسسات المجتمع المدني العربي، والحضور الثقافي الدولي في معرض فرانكفورت للكتاب الذي كاد أن يصبح سبّة تاريخية بسبب مواقف دول متلكئة أو أخرى أرادت تعليق صور رؤسائها وإيفاد موظفين على أنهم من مثقفيها وكتّابها. ومنها الانفتاح مع الأمم المتحدة وإطلاق تقريرها الناقد للحكومات العربية من داخل الجامعة، وانفتاح آخر مع الاتحاد الأفريقي، ولم أقرأ شيئًا عن العلاقة مع منظمة التعاون الإسلامي مع قربها العضوي للجامعة. ويضاف لحسنات الأمين التجديد الإداري والتنظيمي في الجامعة وترميم المبنى وتحسين الأثاث، وتوزيع المناصب، واستحداث إدارات جديدة، وعقد قمم اقتصادية، والترتيب لقمة ثقافية أجهضتها ثورات الشعوب العربية.

من طريف السيرة ما رواه عن موريتانيا التي شاركت في الجامعة العربية خلال عشر سنوات بعشرة وزراء خارجية لدرجة ممازحة أيّ وزير يحضر الاجتماع بسؤاله: حتى متى ستبقى معنا؟ ومن وزراء خارجيتها وزير اسمه شيخ العافية الذي أدركته العافية المؤقتة وصار رئيسًا للوزراء بعد عودته من زيارة إسرائيل مباشرة، وإن إسرائيل لقبلة قديمة لناشدي الرضا والقبول! ولموريتانيا نائب وزير خارجية اسمه بسم الله عليه، وهي الدولة التي زار وزيرها إسرائيل بعد ثلاثة أيام من صدور قرار من الجامعة العربية بقطع أيّ اتصال مع إسرائيل! وأختم عن هذا البلد العزيز بمقترح المخرج يوسف شاهين الذي طلب من الأمين العام استضافة علي ولد محمد فال مدير عام الأمن الوطني الذي أطاح بالرئيس معاوية ولد الطايع ووعد بتسليم الحكم بعد انتخابات عامة خلال سنتين فأوفى، وهدف الاستضافة إعطاء درس في الديمقراطية للزعماء.

أما مواضعها اللافتة فظاهرة غير خافية منها انتقاد الأمين خلط الدين بالسياسة في بعض عالمنا العربي والإسلامي، لكنه لم يذكر الدين صراحة في حديثه عن اليهود والنصارى والإنجيلين على وجه الخصوص وإنما كتب المعتقدات والتنبؤات والأوهام فقط. وفي هذا السياق يعتقد أن تطبيق الشريعة غير مناسب في السودان لوجود مواطنين غير مسلمين، مع أن جوار السودان فيه أكثر من دولة غالبية سكانها مسلمون ويحكمهم غيرهم دون أن يثير ذلك المجتمع الدولي ولا المتأثرين باهتزازاته، تلك الهزات التي جعلت “بان كيمون” أمين هيئة الأمم المتحدة المشهور بالقلق يغضب من موقف أمين العرب الرافض للتدخل العسكري الغربي في ليبيا بما يتجاوز حماية المدنيين، ولم يرفّ للأمين الأممي جفن نحو قتلى أهل ليبيا أو ديارهم التي خرّبت.

كذلك منها إشكالية النظر للجامعة العربية وأمينها لدى مصر بلد المقر، وعند باقي البلدان العربية، فاستقلالية الجامعة وأمينها عمل حرام غير صالح ولا مبرور لدى الغالبية، وقد استكثرت بعض الدول مقترحات الأمين العام، ونصوص كلماته التي قالها في حمأة الغضب الشعبي العربي ولبابها أن ما حدث في تونس قريب من أكثر البلاد فليس ثمة فرق بين عاصمة وأخرى، ومع أن كثيرًا من الزعماء استبعدوا ذلك إلّا أن الأمين لاحظ تغير لون وجوه غالب وزراء الخارجية عقب أول اجتماع عقد بعد سقوط رئيس أو أكثر، وكان القلق باديًا على وجوه وزراء باتوا لا يثقون في احتمالية حضورهم الاجتماع التالي إذا ما انتقلت عدوى الثورات إلى بلادهم، وبعد هروب زين العابدين بن علي تداول العرب طرفة مفادها أن أول قمة قادمة ستكون للتعارف!

ولأننا في سياق تونس فمن الطريف الإشارة إلى أن زين العابدين بن علي أجلّ بقرار ذاتي اجتماع قمة الزعماء محدثًا إرباكًا وحرجًا في الوقت والانفراد بالأمر، ثمّ غاب عن الأنظار ونام على إثر نزلة بارد عرفت تختار وقتها، مع أن علافته بعمرو موسى حسنة جدًا، وأحاديثهما نصفها سياسة ونصفها الآخر عن أغاني عبدالوهاب، وفي آخر لقاء بينهما وعد بنعلي ضيفه عمرو بنسخة من أغنية قديمة لعبدالوهاب بعد تنقيتها، لكن الثورة الشعبية حالت دون ذلك.

مما لفت نظري في السيرة وهي ماتعة، أن الأمين العام يشعِر بعض الزعماء العرب ووزراء الخارجية بأعماله ونتائجها، بينما يضطر آخرون للاتصال به وسؤاله، والقسم الثالث لم يخبره أحد ولم يتابعوا الخبر! كذلك من المثير إشارة الأمين العام إلى التنسيق الأمريكي من بعض التوجهات على سبيل التأكيد مع أن دعاوى الإبادة البشرية في دارفور لم تنطل عليه ووقف بنفسه ومن خلال فريقه على الحقيقة المغايرة للمشتهر غربيًا، حتى قابل هناك رجلًا اسمه “كهيعص”، وفيما حول “كهيعص” -الآية الكريمة وليس الرجل- ما يثبت أن دعوى التنسيق تحتاج لمراجعة وفحص منطقي وسياسي وشرعي قبل التسليم اليقيني بها.

ومما لمحته في الكتاب ثناء الأمين على زين العابدين بن علي وعلى القائد السبسي وإغفال الزعيم المثقف المنصف المرزوقي الذي جاء بينهما وربما أن أمين العرب لا يعرفه شخصيًا، ومنها إلقاء التهم على الخرطوم بمناكفة القاهرة وكأن القاهرة كانت وادعة جدًا تجاه جارتها وشريكتها! وحين أعلن “شارون” رغبته بالمشاركة في اجتماع القمة العربية أجابه الأمين بأننا لا نضمن عودتك، وهي مزحة مصرية، فلو حضر “شارون” لكان حضوره أشبه بقدوم الغزاة البغاة “بوش” و “بلير” معًا، ومن يستطيع منعهما من العودة؟!

ومن أحداث السيرة كتاب الشيخ زايد الموجه للقمة بخصوص العراق وما تبعه من نقاش، وغيرة القذافي من زعماء السعودية وخوفه من الجزائر، ونشاط قطر السياسي الذي لا يخفى، ودخول عرفات إلى غزة بزفة مصرية، وتعجب الأمين من الصراع الفلسطيني على سلطة غير قائمة عمليًا، مع التلميح لأطراف تشعل هذا الخصام دون تصريح باسمها وليته نصّ عليها. وفي السيرة وهوامشها تنبيه على تقارير مهمة لم تنشر، وإيراد لأخبار دون نسبتها لمصدر خلافًا لغيرها، وتفصيل لأثر مباراة كرة القدم بين الجزائر ومصر وكيف تعامل معه، وفيها تشاؤل وتفاؤم، وفنّ في صياغة القرارات، وحكاية صورة عمرو موسى بين ليليين!

وليس للجامعة مكانة لدى الدوائر الغربية إلّا بعد نشاطها الجديد وهو ما خفت الآن لتظلّ الصورة القاتمة عن الجامعة كما ذكرتها “هيلاري” في مذكراتها هي الباقية وملخصها بأنها نادٍ للمستبدين وسادة النفط فقط! وهذا ما جعل الجامعة قصيّة عن لجان وهيئات ورباعيات وسباعيات وغير ذلك، وهو الوضع الذي اخترقه عمرو موسى، فشارك كبار زعماء العالم، ولم يمنعه الضعف العربي من التقاط الكلمة والتصريح بالموقف وسط حكومة العالم، ومعارضة الرئيس الأمريكي صراحة، والظفر بسجائر فخمة من علبة “ساركوزي” الذي وصفه سيف الإسلام القذافي بالمهرج، وكاد أن يفضح فساده المالي قبل أن يهرع الغازي الفرنسي مع إخوانه المعتدين للقضاء على معمر وإسكات صوت الحقيقة.

إنها سيرة لرجل دولة مرموق تستحق القراءة، ويتلو القراءة التحية للأمين العام والمشاركين معه على هذا الجهد الكبير، وأتمنى أن تكون حافزًا لمزيد من التدوين العربي الصريح لكشف الحقائق، ورفع وعي أبناء البلاد اليعربية، فحتى لو كانت الرواية والنظرة شخصية خالصة، فسوف تصبح من المدخلات المفيدة للفهم والعظة، وأما الحساب فعند الله الذي جعل لكل إنسان كتابًا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا احصاها، والله يجعل المكتوب والمقروء من جملة صالح الأعمال المتقبلة عنده لا يوم لا ينفع مال ولا منصب ولا جاه.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الخميس 26 من شهرِ ذي الحجة عام 1442

05 من شهر أغسطس عام 2021م

Please follow and like us:

One Comment

  1. من تعليقات الفيسبوك المهمة:
    عزيزي الأستاذ أحمد .. أتقدم إليكم بخالص التهنئة على هذه القراءة الرائعة والواعية والشاملة لـ”كتاب سنوات الجامعة العربية” استمتعت شخصيا بها ، تماما مثل قراءتكم الخاصة بالجزء الأول.. دام إبداعكم هادرا. مع أطيب الأمنيات.
    خالد أبو بكر محرر سيرة عمرو موسى👆🏽

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)