عرض كتاب قراءة وكتابة

دليل سعودي عملي لأسرة قارئة

دليل سعودي عملي لأسرة قارئة

مع أن الحديث عن القراءة كثير والكتابة حولها شبه دائمة، إلّا أن للموضوع طراوة تجعله مستساغًا دومًا، وفيه قدر من السيولة تهبه الحياة والتجدد والتشكل بحسب تطورات الحال، وحاجات المكان، وضرورات الزمان، إضافة إلى أن القراءة ركن أساسي في حياة الأفراد والدول والأمم والحضارات؛ ولأجل ذلك أسست وزارات ومكتبات، وأقيمت معارض وندوات، ورعيت جوائز ومسابقات، ولا يزال الباب مفتوحًا مشرعًا غير قابل للانغلاق أو الغلق، وفوق ذلك تفاخر أمتنا بأن كتابها المقدس ابتدأ بأمر رباني بالقراءة، وعليه فنحن أولى الناس بها لاجتماع الدين والدنيا فيها معًا.

وبين يدي خلاصة عذبة، وجهد علمي ممزوج بخبرة عملية، وهو كتاب لطيف مفيد عنوانه: نحن نقرأ: دليل عملي للأسرة القارئة، تأليف ثلاث باحثات ذوات اختصاص هنّ: د.سارة بنت عمر العبدالكريم، وَ أ.منيرة بنت عبدالعزيز السديري، وَ د.وفاء بنت إبراهيم السبيل، وأبدعت الرسوم: عفّة بنت حسن الجديبي، وقد صدرت طبعته الأولى عام (1437=2016م) عن مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض، ويقع في (91) صفحة من القطع المتوسط، مكونة من مقدمة ثمّ ستة عناوين يعقبها الخاتمة فالمراجع والمصادر.

استهلّ الكتاب بأول آية نزلت من القرآن الكريم وهي الآية الأولى من سورة العلق وأنعم بها من بداية، وفي المقدمة أشارت المؤلفات إلى أن هذا الدليل موجه للمربي في البيت والمدرسة والنادي وحيثما كان، ويشمل كلّ ماله علاقة بالقراءة حسب المراحل العمرية من الطفولة إلى المراهقة. والكتاب جهد مشكور من قبل المكتبة المعتنية بالقراءة وما يخصها، وعمل مبرور من الكاتبات صاحبات التخصص التربوي والنفسي والأدبي، مع الحضور في ساحات الثقافة والتدريب والإعلام في موضوعات الطفولة.

من عناوين الكتاب المهمة في أوله المكتبة المنزلية وما يرتبط بها مكانًا وأثاثًا وإضاءة ومحتويات مع كيفية تصنيفها وترتيبها وحمايتها، وهي لفتة موفقة من الكاتبات؛ فمهما كان البيت صغيرًا ففيه متسع لمكتبة ولو فوق زاوية أو في جزء من غرفة، وتحت هذا العنوان إرشادات قيمة تيسر وضع مكتبة في المنزل ولو كانت ذات كتب قليلة، أو على مساحة ضيقة؛ فوجود الكتب في البيت مجلبة للسرور، مجلاة للبصر، مؤنسة حين الوحدة مع أنه لا وحدة مع كتاب.

كما اشتمل الدليل العملي على محفزات القراءة وأهمها وجود أبوين قارئين أو أحدهما على أقل تقدير، إضافة إلى المكتبة المنزلية، وحضور الكتاب بأنواعه الورقي والإليكتروني والصوتي شراء واستعارة وتبادلًا، واستخدام المهارات الصوتية في القراءة للأطفال بنبرات تناسب السياق، مع المرونة في التعامل الثقافي المبكر مع الطفل والمراهق، وتوثيق العلاقة مع الصور وتاريخ الأسرة، وهو شأن تلتفت إليه الأسر العريقة عبر محفوظاتها.

ومن أفكار هذا القسم الجميلة إشاعة ثقافة الاحتفاء بالقراءة والقارئ والكتاب، والتبرع بالزائد من الكتب أو تمريرها على بيوت الأسرة والجيران والأصدقاء، والتواصل مع المؤلفين، وإنشاء أندية مبكرة للكتاب يكون اعضاؤها من الأطفال وزملائهم، والنقاش العائلي المستمر حول الكتب، فالطفل الذي يرى الكتاب دومًا، ويسمع عنه، ويتناقش حوله، ويُقرأ له فيه، ويُمنح فرصة الاختيار والشراء والتجول في المكتبات، سيغدو مثقفًا نحريرًا غالبًا.

أما أهم عناوين الكتاب فهو رابعها عن القراءة حسب المرحلة العمرية، وتحته خمس مراحل وفي كلّ واحد منها تفصيل مختصر برشاقة عن خصائص المرحلة، ونوع الكتب، وطريقة القراءة والتفاعل بين المربي والمتربي، مع توضيح الزمان والمكان والمدة المناسبة، والأثر المتوقع، مع التأكيد على إشباع عاطفة الطفل وتعزيز ثقة المراهق، واستثارة خياله، ودفعه لتحصيل المعرفة والتفكير بأنواعه، وهو لباب مليء بالخبرة وحسن العرض وصادق النصيحة، وأتمنى أن يقرأه أيّ مربٍّ؛ فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.

ثمّ عرّفت الكاتبات بمشروع نادي الطفل وهو أحد مشروعات مكتبة الملك عبدالعزيز، وبه يمكن خدمة الأسر التي تهدف لتثقيف أطفالها بيد أنها ربما لا تجيد الاختيار. ومن حسنات المشروع فتح المجال للمشاركة الخيرية ودفع الاشتراك لأطفال أسر تتعطش لحيازة كتاب بيد أن الفقر أو المسكنة قد حالا دون ذلك خاصة مع ضغط الحياة وارتفاع الأسعار وتزاحم المدفوعات المالية. وبعد هذا التعريف أدرجت المؤلفات أهم الأسئلة المتعلقة بالموضوع مع إجاباتها الوافية، وفي الختام أعلن ثلاثي التأليف للمربي هذه النتيجة: إنك بعملك هذا تمنح الفرصة لأسرتك لتعيش أكثر من حياة.. مع الكتب! وهي عبارة وداع تحفيزية ناجحة. وكم أتمنى أن يُتاح من هذا الدليل نسخة إلكترونية وصوتية ومرئية وأخرى بلغة برايل، وأن تتعاون وزارتا العدل والصحة في نشره بين الأزواج والآباء والأمهات، وأن تشارك وزارتا الثقافة والإعلام في بثه بين أفراد المجتمع.

ألا ما أجمل القراءة، فإذا تواكبت القراءة مع مرحلة الطفولة فهي جمال امتزج بجمال، وفطرة زانتها براءة، وما أسعد المجتمع بجيل يتوالى من القراء وهو يعتز بدينه ولغته وتاريخه ودياره وتراثه، ويحسن التصور والتفكير والتحليل والتعبير، ويجتهد لكسب المزيد من التحصيل الخلقي والمعرفي والمهاري والعلمي حتى ينال حقوقه كاملة ويستوفيها غير منقوصة، وتصبح بلاده وأمته بين الأمم في موقع شامخ من المنافسة والمسابقة، وليس في موضع المنتظِر الذي يقتات على منتجات الآخرين، وبمثل هذا الجيل نسمو ونقوى ونسعد ولا نيأس.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الخميس 28 من شهرِ ذي القعدة عام 1442

08 من شهر يوليو عام 2021م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)