مواسم ومجتمع

رسائل عبر تويتر

رسائل عبر تويتر

أضافت منصات التواصل الاجتماعي مجتمعًا جديدًا داخل عالم الانترنت الافتراضي، وهي في تحديث مستمر لكسب مزيد من نسمات سكان كوكبنا المليارية، وكلّ يوم تظهر خدمة جديدة، أو نافذة مطورة في الخدمات الموجودة. وإن التنوع لميدان للتنافس، وكسب المستفيد، الذي يُعدُّ السلعة الأهم لتلك الشركات الشرهة وإن بدت لطيفة ناعمة، وهذا المفهوم يعين في التعاطي مع المنصات المتناسلة التي تسطو على الأوقات والهمم والجيوب، وتقتطع قسمًا غير قليل من العلاقات البشرية، والله يحمينا منها ومما فيها من دجل.

ومن تحديثات موقع التدوين المصغر “تويتر” منح خيار لصاحب الحساب يفتح بموجبه صندوق الرسائل لمن شاء التواصل، وهذا يوجِد بيئة جديدة داخل تويتر، ولا أفهم أن يفتح بعضهم صندوقه للجميع ثمّ يعلن أن الخاص مهمل، فبما أنه مهمل فلم تفتحه من الأساس؟! ومن فوائد هذه الرسائل استخدامها في توجيه دعوة لاستكتاب أو إلقاء محاضرة أو تدريب، وفي بعضها سؤال مباشر، أو إضافة، أو انتقاد، أو تصحيح، أو ثناء، وجلّ هذه المراسلات لفرط أدبها وارتقاء ذوقها يمكن أن تُنشر علانية دون حرج يلحق بطرفيها، والله يكتب أجور من يرسل ليصحح أو يوضح أو يعقب.

وبما أن هذه الخاصية مفتوحة في حسابي، فقد وقعت لي جملة من المواقف معها، ولا بأس في مشاركتها مع القارئ دون ذكر أسماء أصحابها وإن وصفت بعض الحسابات بما يجعلها واضحة حسبما اشتهر عنها. وقبل أن أحيط القارئ بشيء من خبر الرسائل أقول إن الأصل الذي أتبعه هو إجابة أيّ مرسل، ومعاملة الرسالة مثل السلام الذي يجب رده، وربما أستثني الرسائل العابثة أو المكررة أو الدعائية من هذه القاعدة، أو التي تأتي في زمن انشغال وصدود عن الانترنت. هذا مع أن تويتر يحجب قسمًا منها حسب قوانينه، ولم أكتشفها إلّا صدفة بعد حين، ومع ذلك أجبتهم قدر استطاعتي. ومن أقرب الرسائل إلى نفسي تلك التي تصل من مؤسسات خيرية ومشروعات مباركة تطلب إعادة التدوير والنشر، ولهم والله الفضل بمثل هذا الطلب.

فمما وردني رسالة مكتوبة بلغة علمية راقية، يطلب صاحبها استعارة كتاب نادر، فقلت له بعد جولة في حسابه: إن لغة تغريداتك قريبة من العامية، واهتمام حسابك بعيد عن التاريخ السياسي، وهما أمران لا يتقاطعان مع فحوى رسالتك! فأجابني: ليس عندي حساب في تويتر، وهذا الحساب لنجل شقيقي، وأنا أراسلك منه بعد أن قرأت لك مقالة عن الكتاب المطلوب، وهو مهم لي في رسالتي التي أعدها لنيل شهادة عليا ولم أجده بعد طول بحث وعناء، والحمدلله أن أعانني الله على خدمته فيما يبتغي.

ومنها أني أصبحت ذات يوم على ثلاث رسائل متتالية غاضبة كأنها وابل من رصاص دون أن يخرج مضمونها عن حدود الأدب، فتعوّذت بالله من الشيطان الرجيم، وقلت لنفسي: أجيبه بعد الصلاة أحسن؛ لأن تأخير الشر يهونه كي لا أواجه النار بنار. وبعد الصلاة أعدت قراءة الرسائل وأجبت مرسلها بأني لست الكاتب المقصود الملحقة صورته وصورة مقاله، فسألني مباشرة بعد الاعتذار عن اللّبس: أتعرفه؟ فنفيت ذلك وهو الحق إلى يومنا هذا.

وكانت رسائل الرجل تقدح شررًا ويتطاير من حروفها الغضب مثل حمم بركان ثائر لا يهدأ، ويطلب مني فيها ألّا أكتب عن بلدته وأسرته ظنًا منه أني صاحب مقال منشور عنهم في صحيفة إلكترونية، مع أن صورة الكاتب لا تشبهني أبدًا. ومن اللافت الطريف أن الاسم الأول لهذا المرسل غريب ونادر لم أسمعه من قبل ولا من بعد خلافًا للقب أسرته المعروفة، أما صورته فتشبه شخصية عربية مشهورة جدًا، وهذه الشخصية ذات وجه دائم العبوس والتقطيب والكدر مع كثرة أمواله وأبراجه!

كما لاحظت تكاثر رسائل التسول والاستجداء بعد كتابة تغريدة أو مقالة عن ثري أو وجيه؛ لدرجة أن بعضهم يظن بأن يدي مطلقة في خزائن الثري، أو أن خاتم الوجيه وتوقيعه في جيبي وتحت تصرفي! والغريب أنهم لا يرون أن الكتابة في السير هو أحد اهتماماتي، وسبق لي الكتابة عن فقراء وأطفال وعمّال وأخفياء مغمورين، فضلًا عن أموات كثر، وبالتالي فلا تعني الكتابة عن ذي مكانة وجود علاقة ولا تنفيها. وقد يتبع التسول أيّ تغريدة عن الصدقة والإنفاق، وإذا اعتذرت للمرسل قال: ولم تكتب ما لا تفعل! فما أضيق فهم من يقصر الدعوة إلى الخير على فاعليه فقط.

ومن غرائب رسائل التسول أن كثيرًا من أصحابها يستخدمون صور زعماء أو رموزًا وطنية، ولو كان لي من الأمر شيء لمنعتهم من الجمع بين استخدام الصورة والتمسكن. ومن طريفها أن أحدهم طلب مني توظيفه عند رجل أعمال كبير، فقلت له: لكني لا أعرفه! فأجاب: كيف لا تعرفه وقد أعاد تغريدتك! فأكدت له بأني لا أعرفه، وأنه لا يعرفني، وفوق ذلك لم أعلم بتفاعله مع التغريدة إلّا من السائل نفسه. والمهم أن رسائل التسول، وطلبات العلاج، وسداد الفواتير، وتكاليف التعليم، كثيرة جدًا، والله يرفع عن الجميع أحوال المسكنة والفقر والعوز، ولا يجعلنا مسؤولين عنهم لا في الدنيا ولا في الآخرة.

ولا أنسى محتوى بعض الرسائل التي تطلب الشفاعة لدى فلان أو فلان من كبراء الناس لأجل وظيفة أو نقل أو علاج أو سكن أو بعثة أو سداد أموال مستحقة، أو غيرها من حاجات الناس التي لا تنتهي، وصاحب الحاجة ملهوف وقد يكون أحيانًا مستعدًا للتعلّق بقشة، ولو لم يكن من أصحاب القشّة لما طلب مني هذه الشفاعة عند أناس لا يحتمِلُ أن ألقاهم في حياتي البتة، وإنما هو الأمل من بني آدم ولذيذ الأماني، أو أنهم يفعلون هذا مع كلّ أحد يتراسلون وإياه.

أما أثقل الرسائل فهي تلك التي تعرض زيادة عدد المتابعين، أو تكثير التفاعل مع التغريدات، ومن الإنصاف الإشارة إلى أنهم ينصرفون بمجرد الرفض، باستثناء واحد منهم أكثر الإلحاح ولم يفهم عني حتى كتبت له تغريدة ملخصها أني لا أقبل هذا الأمر، وأراه من الغشّ والتدليس، فلم يفهم وظلّ يكرر طلبه حتى حظرته على أن الحظر في قاموسي محظور إلّا في أضيق نطاق. وأتمنى ألّا تأتيني رسائل بهذا الخصوص، وآمل ألّا يظنوا بأن صور مليحات النساء في حساباتهم ستجذب الآخرين إليهم. والشيء بالشيء يذكر، فذات مرة استعرضت كتابًا ووضعت رابط المقال في تغريدة، ويبدو أن مؤلف الكتاب استأجر هؤلاء فانكبوا عليها بما أزعجني حتى هممت بحذفها.

كذلك ترد رسائل استشارات اجتماعية أو نفسية أو شرعية أو استثمارية أو حول الأنساب، ومن نادرها واحدة حول البناء والعمارة، فأقول لأصحابها ليس لي بصيرة بهذه الشؤون فيعتذر أكثرهم، وقد يعود جزء منهم ليسأل عمن يُسأل في هذا الميدان، وإذا قلت لهم: ابحثوا، يجيب بعضهم بأنه لا يعرف البحث! وقد يفغر فاه حينما يقرأ جملتي المتكررة: كما عرفت أن تصل إليّ فستعرف كيفية الوصول إلى غيري! وبعض الرسائل تطلب تعبير الرؤى فأرفض من الأساس أن تُقص المنامات فلست من أهل التأويل والتعبير، وبين آونة وأختها تصل رسائل من خطّابات فاللهم سلّم. ولا أستبعد لو كانت بعض هذه الرسائل مصنوعة، وإن كانت في جملتها تدل على واقع الناس وطبيعة المجتمع، وما أحزن الرسالة التي يقول كاتبها: أظلمت الدنيا في عيني، وأصبح الموت غاية المنى!

أيضًا مما لاحظته أن بعض المرسلين يغيّر اسم حسابه أو صورته، ويعيد طلبه مرة تلو أخرى، ويطلب آخرون رقم الهاتف لأمر ضروري بعد سوق الواحد منهم الأيمان المغلّظة بأنه لن يتواصل أو يزعج، فأقترح كتابة ما يريدونه ضمن الرسائل أو في البريد، ومن يفعل منهم يجد الجواب، ومن يتحجج بطول الكلام انصرف عنه؛ لأن الشيء المهم تهون لأجله الصعوبات. ومما لفت نظري أن كثيرًا من المتواصلين بالإرسال يبدي عبارات الشكر بمجرد إجابته حتى لو لم يتحقق له شيء، والسبب أن الرّد على الرسائل ليس نهجًا عامًا، ولا ألوم الممتنعين لكثرتها، وعسر التحقق من صدق محتواها.

ولأني أشرت إلى التفاعل مع الرسائل، فلا بأس من إبداء الحسرة بسبب ضعف تجاوب شركات خدمية كبرى، ومصارف، وأجهزة حكومية مع ما يرد إليها عبر حساباتها في تويتر، مع أن بعضهم خصّص حسابًا لخدمة المتعاملين والمستفيدين، ويزداد الغم إذا كتبوا شعارات تفيد بأنه يهتمون أو نحوها من العبارات وهم لا يردون على أيّ رسالة، مع أنها من صميم عملهم. وسبق لي الإشارة إلى شيء من هذا في مقالة سالفة، فاستنكر عليّ هذا القول أقوام فقلت لهم: جربوا دون استخدام أسمائكم المهيبة وسترون مستوى التجاوب، ولا أعمّم، بيد أنه بلاء واقع نسأل الله أن يرفعه.

أخيرًا فمن نافلة القول أني أكتب قصص تلك الرسائل مع إعذار الناس، وحسن الظنّ بأغلبهم، والترحيب برسائلهم وخدمتهم فيما أستطيعه، وما أستطيعه يقع أغلبه في الدعاء والتسلية بالفأل وحسن الظنّ بالله سبحانه، وما سوى ذلك ففي البلد أجهزة ومؤسسات تؤدي هذه الخدمات المطلوبة أو هي مسؤولة عنها، والله يجعلنا وإياكم مفاتيح خير مغاليق شر، فخير الخلق أنفعهم للناس، وأحبّ الخلق إلى الله أكثرهم خدمة لعباده؛ فالساعي في حاجة أخيه أفضل من المعتكف في مسجده شهرًا.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الإثنين 26 من شهرِ شوال عام 1442

07 من شهر يونيو عام 2021م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)