سير وأعلام

نورة الملاحي ونظرة إلى الفلاح

نورة الملاحي ونظرة إلى الفلاح

لم تكتف الفاضلة السامية نورة بنت يوسف بن عيسى الملاحي بالانتساب إلى أسرة عريقة من بني تميم تولى بعض أفرادها إمارة قفار بجوار حائل في زمن مضى، أو بآباء وأجداد علماء ودعاة وحفظة للكتاب العزيز. ولم تقف عند لحظة اقترانها برجل نبيل من البكيرية ينتمي إلى بني زيد، وهو من كبار رجال المال والأعمال، وإنما ارتفعت همتها حتى تكون ضمن صفّ مثل البنيان المرصوص مع الذين أوقفوا أموالهم من خيار هذه الأمة، وفيهم رسول الله عليه الصلاة والسلام، والخلفاء الراشدون، وبقيّة العشرة المبشرين بالجنة، وعامة القادرين من الصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم من أبرار الأمة المحمدية.

إذ وفق الله القدير هذه المرأة الصالحة لوقف ثلث مالها، وكم من ذي مال قابلَ نعمة الله بمذمة البخل، أو معرّة المآثم، أو بليّة النفور من الصدقة قليلها وكثيرها، أو مرض التسويف والتأجيل. ثمّ كتب الله لها وللعاملين في نظارة وقفها وإدارته أن يسبقوا إلى الاختصاص بالمجال التقني؛ فيصبح جلّ إنفاق الوقف في هذا الحقل المهم، وإنما التوفيق رزق من الله، يهب منه ما يشاء إلى مَنْ يشاء من عباده، وما أيسر صالح العمل على من أخلص النّوايا، وما أصعب القليل منه على من غمر قلبه بالشهوات والشبهات حتى أُشربها، فغدا مثل إسفنجة انغمست بما يشين منظرها، وينتن رائحتها، ويثقل وزنها دونما غناء أو رواء.

فمن بركات استعمال التقنية في العمل الخيري والمجتمعي أنها اختصرت كثيرًا من الوقت والجهد، ويسّرت العسير، وقرّبت البعيد، وخدمت الناس كافة خاصّة النساء، والكبار، والقاطنين في أماكن بعيدة، أو الذين يصعب عليهم التنقل والحركة، وتثقل كواهلهم تكاليف الإقامة ومستلزمات السفر. وفوق ذلك عبرت برفق وفق النظام جميع الحدود الفيزيائية، ليعمَّ نفعها إلى بقاع كثيرة، ويقتبس من ضوئها أناس أباعد تشتاق قلوبهم ونفوسهم للهدى والفضيلة والبركات الآتية من جوار البلد الحرام، إضافة إلى أنها لغة العصر التي تزداد أهمية يومًا إثر آخر، وتتسابق إليها مؤسسات عامة وتجارية. وما أعظم أجور من سهّل على الخلائق تحصيل مصالحهم، وما أشنع وزر من عسّر بلوغ المآرب ونيل الحقوق.

أما حسنات الشيخة المباركة نورة الملاحي على من ارتبط بها فكثيرة، منها أنها استجلبت الثناء والأجر لوالديها ولتربيتهم المنزلية التي نسجها والدها الشيخ الداعية اللغوي المربي، وأكدت فضائل أسرتها الحائلية الراسخة منذ القدم. ثمّ رجعت بثواب عملها الصالح على زوجها الشيخ صالح بن عبدالعزيز الراجحي (1344-1432) أحد أكابر رموز الإحسان في عصرنا؛ وعلى ذريتهما التي تقتفي آثارهما في العطاء والمنح والمسابقة إلى المعروف.

وما إن استقلت بمالها العائد إليها من ميراث زوجها، حتى جعلت ثلث أموالها وقفًا ناجزًا لله ربّ العالمين، وهي بذلك تقتدي بصاحبها ووالد أبنائها وبناتها خالد، وعبدالوهاب، وسلمان، ونايف، وفاطمة، وهدى، ومنى، ولولوة، وخلود، وهيفاء، وتشير إلى أنه كان مدرسة ذات إشعاع مؤثر سرى فيمن حوله من أقارب وشركاء وأصدقاء، فأيّ أجر، وأيّ عظمة! ثمّ توسعت مساحة الثواب المنبثق عن عملها الصالح لتشمل -بفضل الله وأمره- أيّ فرد من ذريتها يعتني بوقفها كما أرادت وشرطت، بالتعاون مع النّظار والعاملين في الإدارة التنفيذية.

كذلك فمع أنّ أم خالد أضحت من قامات المجتمع النسائي في الوقف وغيره، إلّا أنها لم تبرز للناس في محفل، ولم تخرم للمجتمع عرفًا مقبولًا، أو تنتقص عادة حسنة، فضلًا عن مخالفة أحكام شريعة ربّ الأرض والسماء وحاشاها، وهي بصنيعها الصامت تغرس بذور الخلود لا كما تفعل مشهورات موتورات هداهنّ الله ولا كثرهن. وإن راحلتنا التي صُلي عليها عصر اليوم السبت لتكمل المنظومة المثالية لنساء مجتمعنا، فهي بإحسانها، مع شجاعة غالية، وغوث موضي، وتعليم صدّيقة، وتربية نورة، وخيرية فاطمة، يصفن الحقيقة المشرقة الجميلة للمرأة المسلمة عمومًا، وللمرأة العربية على وجه الخصوص، وفيهنّ وفي أمثالهنّ تنحصر القدوة والنماذج التي تُحتذى.

غفر الله لنورة الملاحي، وتقبّل منها أحسن الذي عملت، وجعل ما أصابها تكفيرًا لها ورفعة عند مولاها، والله يكتبها من قوم لهم عند ربهم الخيرات وهم المفلحون. وإن العزاء ليتجاوز آل الملاحي وحائل وبني تميم، ولا يقف عند آل الراجحي والقصيم وبني زيد، وإنما ينتشر بين جمهرة كرام ممن عملوا في وقفها نظارة وإدارة وتجويدًا، أو أفادوا منه سواء من مؤسسات العمل المجتمعي والخيري، أو من المستفيدين من خدمات هذه المؤسسات، فضلًا عن موضع الصلاة والسجود والتلاوة، وخفايا من صنائع البر والفضل لا يعلم بها إلّا الله الكريم العليم.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

السبت 17 من شهرِ شوال عام 1442

29 من شهر مايو عام 2021م

Please follow and like us:

8 Comments

  1. ماتت الشيمه على فراش العفاف
    والعطاء من بعدها كنه يتيم

    أم خالد بالمواقف كم تشاف
    محسنه تمشي على الدرب القويم

    بنت شيخ. ٍ تمسح دموع الضعاف
    ياعسى الفردوس داره بالنعيم

  2. الله يرحمها ليتني عرفتها في حياتها كان يمكن غيرت لي حياتي ..الله يجعلها من اهل الجنه ويجعلنا واياها على سرر متقابلين

  3. جزاك الله خيرا الكاتب الفاضل احمد حفظه الله ورعاه . عن كتابتك هذه السيدة الشيخة الجليلة المحسنة نور الملاحي ووقفها لااعمار الخير . الحمد لله والشكر باني فخورة ومعتزة باخت تربطني بها رابطة دين فهي اخت لي في الله ورابطة قومية عربية . حياها الله وجزاها خيرا و بارك الله لها في ذريتها . ورزقها جنة الفردوس هي ولكل من يعمل بمثلها

  4. اللهم إغفر لها و ارحمها و إجعل مثواها الجنة نعم سيدي عزاها لا يققتصر على أبنائها أو عشيرتها … بل هذا عزاء أمة و الله إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا أم خالد لمحزونون أسأل الله العظيم رب العرش العضيم أن يجمعنا بها في جنة الفردوس الأعلى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)