سير وأعلام

فاطمة التركي وقطرة حركت المحيط!

Print Friendly, PDF & Email

فاطمة التركي وقطرة حركت المحيط!

يشاء الله العليم الخبير أن يكون الموت صفحة جديدة في حياة القدوات العاملين بغضّ النظر عمّا نالوه في حياتهم، ويصدق ذلك على ابنة عنيزة الأستاذة المربية، والعاملة المباركة في الشأن المجتمعي والخيري، فاطمة بنت صالح التركي، والدة خالد بن حمد الحبيب، فهي رمز نسائي باسق صامت، رحمة الله عليها.

ارتحلت هذه المرأة النبيلة يوم الإثنين الماضي، وصُلي عليها أمس الثلاثاء بالمنطقة الشرقية ودفنت هناك بعد شهور من المرض الذي ألمّ بها، والله يجعله رفعة لدرجاتها. وبعد وفاتها تناقل أهل عنيزة ومن عرفها العزاء فيها، فتشاركوا وجع الرحيل حتى لكأنها لكلّ واحد منهم أم أو أخت أو جدّة، وليست خصيصة أم خالد منحصرة في ما أنشأته من مؤسسات خيرية، أو ما أسهمت في إيجاده، أو ما أنجزته من أعمال في التربية والتعليم والوعي فقط مع عظم هذه الأعمال وضخامتها وشدة الحاجة إليها.

إنما كان من فرائدها تنازلها عن نصف منزلها ليكون مقرًا لعمل خيري ناشئ رعته كما تحنو الأم على وحيدها، وحفظته كما تفعل الشفيقة بصغيرها في أرض مسبعة، أو في يوم ذي مسغبة، وظلت كذلك حتى تكفل الشيخ المحسن محمد بن إبراهيم السبيعي وبنوه من بعده بإنشاء مبنى لجمعية عنيزة النسائية الخيرية (قطرة) ومساندته ليخدم المرأة والأسرة في تلك البلدة المشهورة بالتميز في جلّ شؤونها وأناسها.

كذلك من مزاياها حمل هم الإنجاز، فحياتها وجهودها وفكرها وصحتها وأحاديثها وحراكها وقف على العمل الخيري والمجتمعي، وليس الوقف مالًا فقط كما قد يظن البعض، ومن العبء الذي نهضت به فأجادت مع كبر سنها تدريب نفسها وزميلاتها، وصناعة أجيال تتعاقب، حتى يرث اللاحق السابق ويحمل بعده الراية، ولم تغفل عن إعانة الجمعيات المثيلة بأريحية، فالتكامل غايتها، والمنافسة إنما هي في جنة عرضها السماوات والأرض، وليست على مسرح الدنيا الضيقة.

كما حرصت هذه الموفقة على العمل المثمر بذاته، الملهم لغيره، المنجب لأفرع جديدة، ولذلك أضحت القطرة اسمًا وهي في حقيقتها شلال متدفق لا يقف عن الإبداع والإحسان، وصنع الفرص، وبناء النموذج، وإنتاج الأعمال والمؤسسات، ومن الناس والمؤسسات مباركون لا يُعجِز همتهم سقف وهمي أو متخيل أو رخو، وما أسعد محيطهم بمثلهم حتى يستمر في حركة نافعة لا يعيقها شيء.

أما أجلّ مواقفها فانتقالها إلى ساحات العطاء والأمل والأداء، وترك الانشغال بمنصات الأضواء والمسائل المجلجلة ذات الشرف والمال، وإنها لمغرية للرجال والنساء إلّا من رحم الله وأراد الدار الآخرة، فنحن في عالم يعلي غالبه من شأن التفاهة، ولا يُلتفت فيه لذوي النباهة والتأثير الحسن بذات القدر الممنوح لكثير ممن يحسّنون القبيح أو يقبّحون الحسن، أو يغلون الأثمان، ويزيدون من شره الاستهلاك.

رحم الله أم خالد الرائدة السبعينية التي تركت عالمنا وفيه لها بصمات تلوح للناظرين، وباقيات صالحات يراها السائرون، ولسان صدق في الآخرين يسمعه المنصتون، وهي عقب ذلك مثال جدير بالاقتداء من قبل بناتنا، ومن النساء الناضجات المستعليات على الإفك وأصحابه ووسائله، والمستغنيات بالعمل عن هدير الجدل الفارغ، وهؤلاء الكريمات هنّ من يرسم الطريق، ويمهد المسار، ويميط الأذى.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الأربعاء 18 من شهرِ شوال عام 1441

10 من شهر يونيو عام 2020م  

Please follow and like us:

One Comment

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    رحم الله الكريمة والفاضلة والنبيلة اختنا في الله فاطمة التركي . وجعل مثواها جنة الفردوس الاعلى . وبارك الله لها في ذريتها. وكثر من امثالها . نعم المراة القدوة لمن يحب الاقتداء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)