مواسم ومجتمع

الواتساب: أخضر لا بدّ منه!

الواتساب: أخضر لا بدّ منه!

أصبحت تطبيقات التراسل الفوري إعلامًا متحركًا يسير معنا في الجيوب والحقائب، وغدا التخلّص منها أمرًا أشبه بالمستحيل، وربما تشتهر تطبيقات أو تنزوي فتظهر أخرى، بيد أن الزمان زمانها، والمستقبل غالبًا لها، حتى لو رميت باختراق الخصوصية، فاستخدامها صار مثل الإدمان، وجاء بفوائد جمّة، ومع الفوائد صداع وإشكالات، والغُنم بالغرم.

أما الخصوصية والاختراق، فأكثر البشر ليس عندهم ما يخشون منه وفق ثقافاتهم، وعمومًا فالإنترنت مهما أُحكمت حلقاته سوف تكثر فيه الفُرجات وسبل النفاذ، والسلامة من هذا الوباء لا تضمنه حتى أكبر تقنيات الأمان، وإن أعلنت بعض الشركات رضوخها لضغوط شعبية عالمية قبيل مراجعة سياساتها؛ فسيظلّ خطر التلّصص قائمًا، وخطره واردًا.

والحقيقة أن هذه التطبيقات نفعت كثيرًا وأضرّت، ويمكن للمرء أن يستفيد منها في البر والصلة، وفي العمل، ومع الجيران والصحبة وقدامى الرفاق، وقد تعين في ترتيب بعض الأعمال الوقتية والمواعيد وإنجاز المهام مع أن غيرها أفضل منها في هذا الباب، كما أنها تصلح مستودعًا للفوائد وإن كانت كلّها غير مضمونة البقاء، وربما يعوزها الفهرسة وإن كان البحث فيها ميسورًا.

بينما كان ضررها بنشر المحرمات والمرجفات والشائعات، وتكرار الرسائل وكثرتها المرهقة، حتى ليصدق على بعض المستخدمين أن مكانه الثالث وربما شبه الدائم هو الواتساب لكثرة ما يرسل في ساعات اليوم المختلفة، وفي كلّ موضوع وشأن، فمرة يكون ناسكًا وينحو في أخرى نحو الفسق، وربما صار شوفينيًا في رسالة، وتحتها مباشرة رسالة دادية، ويظهر عليه سيما الحكمة والوقار في واحدة، ويرتدي لبوس الطيش والنزق عند أختها، وليس التنوع مشكلة في حدّ ذاته، وإنما التناقض الشديد، وإرسال مالا يجوز شرعًا أو عرفًا أو نظامًا.

ولأنّ الأمر كذلك؛ فهذه بعض الأفكار والمقترحات لعلّها أن تفيد من يشاء، وتقلّل من إشكالات تحدث أحيانًا، وربما آلت بنا إلى خلاف أو شقاق أو محاكم، وأشدّ من ذلك ما يجده المكلّف في كتابه يوم القيامة:

  1. سوف تجد رسالتك في صحيفتك الأخروية لأنها من عملك، فقبل أن ترسل سل نفسك: أتسرني حينذاك؟
  2. تخيّل قبل ضغط زر الإرسال أنها ستصل لمليون إنسان وفيهم والداك وزوجك ومعلمك وأولادك، فهل تليق بخُلقك ومركزك واسمك؟
  3. اختيار المرء جزء من عقله كما قيل، وأنت في الواتساب تعرض دينك وعقلك وثقافتك وأدبك.
  4. لا تسخر ولا تشمت بفرد أو مجموعة أو بلد أو حدث؛ كي لا تقع تحت طائلة المساءلة، أو تصاب بما استنكرته.
  5. قبل أن ترسل أيّ رسالة لمجموعة تأكد من توافقها مع تخصص المجموعات المقصورة على فنّ أو فكرة أو غاية.
  6. قبل أن ترسل إلى مجموعة عامة أو خاصة حاول أن تستفيد من خاصية البحث داخلها لتقليل الرسائل المكررة.
  7. قبل أن ترسل لأيّ مجموعة تأكد أنك ترسل في الوقت المتاح، وفي أيّ مراسلة انظر إلى ساعتك.
  8. إذا أُعلن في مجموعة عن خبر يخصّ أحد أعضائها ويستدعي التفاعل معه بتهنئة أو تعزية؛ فليكن على الخاصّ ويتأكد ذلك في المجموعات ذات الوظيفة المحددة، فليس حسنًا جعل المجموعة مجلس نواح أو هُتاف. أما تهنئة المواسم العامة فسيكون للمجموعات أثر في تقليل الرسائل الفردية المرهقة والمتخمة بنصوص منسوخة، وبالتالي يضيع الوقت في قراءتها، والرد عليها، والتخلّص منها.
  9. لا تغرق الناس برسائل الصباح والمساء ثمّ تطلب منهم أن يخبروك إذا كانوا لا يرغبون في استقبالها، وتأكد أن جلّ الناس لا يفتحونها، وبعضهم يزعم أن فائدتها الوحيدة أنها تخبرنا بأن المرسل حيٌّ وبخير!
  10. كثرة رسائلك ستفقد أيّ رسالة منك قيمتها وتنقص من ضرورتها مهما كانت عاجلة أو مهمة أو شخصية.
  11. إذا أصبحت مدير مجموعة متخصصة فكن حازمًا واضحًا عادلًا، وقد رأيت بعض المديرين يخرج المخالف بعد تنبيهه ولا يبالي، وبعضهم قصر حقّ الإرسال على بضعة أعضاء أشبه بهيئة تحرير الصحف والمجلات، فمن أراد المشاركة أرسل إليهم ما لديه، وهم بعد الفحص يجيزون ويمنعون، وهي طريقة مفيدة في نطاق ضيّق.
  12. استثمارك لخانة الحالة في التطبيق تغنيك عن الإرسال الكثير، فهي مساحة مفتوحة لك، ومن يدخلها يأتي من تلقاء نفسه.
  13. قد يناسب أن يجعل المرء رقمه فقط في مجموعة أو أكثر، ويحيل إليها الرسائل التي تهمه حسب تصنيفاتها.
  14. قنّن عدد الرسائل اليوميّة التي تبعثها إذا كنت مرسلًا ولابدّ، ولو جعلت الموضوع الواحد في رسالة واحدة لكان خيرًا لك وللمستقبِل من تجزئتها.
  15. إذا أرسلت رابطًا فمن المفيد التعريف بمحتواه ولو تعريفًا يسيرًا.
  16. استخدام قوائم الرسائل الجماعية مفيد في بعض الأحوال، ومن العملي أن تتأكد من انعدام تكرار الرقم الواحد في أكثر من قائمة.
  17. ستسجد لله شكرًا على رؤيتك لكامل المقطع أو سماعه كله أو قراءته جميعه قبل إرساله، فربما يكون فيه ما لا يروق لك، أو مالا يحسن بك، وإذا لم تجد الوقت لذلك فترك الإرسال أولى.
  18. لا تجعل من نفسك ناقلًا للإشاعات والأرقام التي يُدّعى أنها تقدّم الخدمات، ففي بعضها احتيال، وتوريط، واستظراف سامج.
  19. إضافة الآخرين لأيّ مجموعة بعد استئذانهم خلق رفيع، مع أن الإضافة يمكن تقييدها الآن. ومن قَبِل الإضافة إلى مجموعة مزمنة أو مرتبطة بمهمة فمن اللباقة والكياسة أن يخرج منها تلقائيًا حال انتهاء علاقته بها.
  20. إذا صنعت مجموعة بالخطأ فلا تخرج منها وتتركها؛ بل اعتذر، واحذف الأعضاء واحدًا واحدًا، ثمّ أغلق الباب خلفك بهدوء!
  21. إذا أردت الاختصاص بأهلك وأسرتك أو غيرهم دون سائر الناس فيمكن الانفراد بهم في تطبيق غير متداول وما أكثرها، مع ثقل ذلك وصعوبة الانعتاق من سطوة التطبيقات المشهورة.
  22. من آفات هذه التطبيقات استخدامها أثناء القيادة وهو خطأ فادح مميت أحيانًا.
  23. من المحزن الانشغال بها في المساجد أو المجالس أو قاعات الدرس والتدريب، وكذلك قضاؤها المبرم أحيانًا على قراءة الكتب.
  24. مهما انهمكنا في هذه التطبيقات فهي ليست مفتيًا، ولا طبيبًا، ولا مربيًا، ولا وسيلة إعلام موثوقة، دون إنكار فوائدها التي لا تغني عن جهود أخرى.
  25. من حسنات هذه التطبيقات ما فيها من مجموعات وقنوات للخير، وما فتحته من باب لنشر الخير ودفع الشر، وإشاعة الإمتاع الحلال، والمؤانسة الطيبة، كما أنها ساهمت في تقريب من لا يقرأ من الثقافة، وأعانت البعض على تحسين الكتابة.
  26. من الحسن أن يضع المرء على نفسه دلالة واضحة فيعرفه الناس باسمه، أو صورة موقعه، أو كتابه أو غير ذلك، وأن يكتب اسمه بوضوح في التعريف.
  27. لا أزال أعجب ممن يتفجّع على ضياع رسائل هذه التطبيقات فجلّ ما فيها منقول، والفريد يمكن نسخه لمكان آخر، أو أيملته، ومن المثير للاستغراب أن يفسّر أناس الجمل التي يكتبها بعض المستخدمين في الحالة!
  28. تعدّ الرسائل الصوتية أو المرئية في هذه التطبيقات من قبيل الأمانة المشددّة، فلربما تباسط المرء مع أصحابه دون الموافقة على نشر صوته أو مقاطعه.
  29. تضيف هذه التطبيقات تطويرًا دوريًا لها، مثل محو الرسالة بعد مدة، وتمييزها بنجمة، ومنع الحفظ التلقائي، والنسخ السحابي، والإصمات الجزئي أو الكلي، والأرشفة، والحظر، وإظهار التفاعل أو إخفاؤه، وغيرها مما يجدر متابعته والإفادة منه.
  30. سهلّت هذه التطبيقات التواصل، وقربت البعيد، ومع ذلك فهي ليست بديلًا عن الزيارة والصلة والحضور بين يديّ الوالدين والكبار وأهل الفضل والنبل.

وبعد، فهذه إشارات ليس فيها شيء من قبيل الإلزام، وإنما أفكار شاهدتها، أو سمعتها، أو طبقتها، والإنسان على نفسه بصيرة، وإن حفظ الدين والعقل والمروءة والوقت لمن الضرورات التي يسعى إليها كلّ موفق وموفقة، وفي النهاية سيختار المرء ما يناسبه ويدع ما سواه، فهذه التطبيقات غدت مثل بعض الأشياء التي لا مناص منها وإن كان فيها ما فيها من شرٍّ أو نقص، وحتى هذا الوقت يتجه أكثر البشرية نحو واحدٍ منها على غرار المادة الإعلانية القديمة التي كانت تقول: فكِّر بالأخضر، وأيّ آتٍ جديد أو وافدٍ قادم لن تختلف فكرته عن هذا الأخضر في الغالب.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الأربعاء 12 من شهرِ رجب عام 1442

24 من شهر فبراير عام 2021م 

Please follow and like us:

3 Comments

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    ارجو من الاستاذ الفاضل أحمد لو يجعل خيار آخر لقراءة المقال بصيغة الpdf
    لانه يصعب علي وغيري قراءة مقال فيه طول على الهاتف عاموديا
    شاكر لك كتابتك

    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته: أهلا بالأستاذ العزيز عبدالرحمن. وسوف أبحث هذا الأمر مع التقني المختص. وشكرا.

  2. انا و الواتساب. كانوا اولادي يتمنون ويترجوني ان يهدوني جهاز الايفون . وانا بدوري اتراجهم ان يعفونني لاانني لااحتاجه كثيرا وعندي جهاز الكمبيتر والايباد نعمة وكثيرين علي واتحجج بانه جهاز معقد . واحب البساطة بكل شئ في حياتي . ولكنني قبل يومين اضطررت للتعلم عليه للتواصل مع اناس اقدر هم واحترمهم . فما كان من ابنتي حفظها الله ورعاها الا ان تقدم لي الايفون الذي اشترته لي في يوم الام السنة الماضية . وللغرابه لم ارى اي تعقيد في استعماله كماكنت اظن سابقا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)