حالة الواتساب: تجربة شخصية
كنت فيما مضى أدوّن الفوائد التي أقرؤها أو أسمعها في دفاتر كبيرة، حتى اجتمع لدي منها عدد لابأس به؛ لدرجة أن بعض الزملاء استعاره ليقرأه، وأفدت منه في كتابة عدة مواد ثقافية وأدبية سامرت بها أصحابي في منى الطاهرة، أو في البراري وفوق الكثبان، وبعضها نشرته دون بعض مثل الكناش والفوائد، ومن تلك الدفاتر القديمة دأبت على اقتباس مادة متنوعة كلّ سبت، ثمّ يكتبها الصديق الأثير خالد المدني بخطّه الجميل على إحدى لوحات الكلية؛ وأظنها إذ ذاك مقروءة وعنها يُنقل.
وحين ظهر تطبيق التواصل الشهير واتساب، كان من حسناته في جملة من الحسنات والسيئات إتاحة وضع حالات تطلّع عليها جهات الاتصال، وهي طريقة تقوم على أساسها بعض وسائل التواصل الاجتماعي، وأضافها أخيرًا تطبيق الحوار العالمي “تويتر”، والذي يبدو أنها ستصبح السمة الغالبة في الأمد المنظور، ذلك أن الناس أضحوا يفضلون المقتطفات القصيرة التي اعتادوا عليها، وانصرفوا عن المطولات أو أجلّوا النظر فيها.
لذلك شرعت في الإفادة من هذه الميزة واستثمارها، ولي فيها تجربة آثرت عرضها لعلّها أن تفيد فيُقتفى الحسن منها، ولن أعدم من الآخرين رأيًا راشدًا، وخلاصة طريقتي ما يلي:
- لا تتجاوز حالاتي خلال أربع وعشرين ساعة ربع هذا الرقم، وغالبًا اكتفي بأربع حالات.
- تشتمل الحالة على مقطع قرآني قصير تعبدًا وتبركًا، وليس شيء أولى من كتاب ربّنا سبحانه.
- تخصيص ليلة الجمعة للتذكير بفضيلة الصلاة والسلام على سيّدنا النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام.
- التفاعل مع الأحداث العامة والمواسم بما يناسب دون إغراق.
- تحضر الصور الثابتة والمتحركة فيها باستمرار.
- التنويه بكتاب أو تغريدة أو حساب، أو نشر استبانة أو اختبار لغوي أو ثقافي.
- وضع رابط لمقال منشور ضمن مدونتي أو لكتّاب آخرين.
- إفادة المتابعين بمواد ذات نفس تعليمي أو إحصائي، أو بصيغ شرعيّة من كتب ودراسات.
- لا تخلو الحالة من مقاطع طريفة بين فينة وأختها.
كما أحرص في هذه الحالات على الضوابط التالية:
- ألّا تكون كثيرة أو متشابهة.
- ألّا تكون مكررة خلال أوقات متقاربة.
- الاستجابة لأيّ ملحوظة بما يناسب.
- إرسال أيّ مادة لمن يرغب في الحصول عليها.
- لا تتعلق الحالات بأخباري، أو بشيء يخصني فقط؛ لأنها شؤون لا تعني غيري.
- ليس منها شيء يدخل في نطاق الحرمة الشرعية، أو المنع النظامي، أو الحرج الاجتماعي، فيما أعلم.
من طريف تبعات الحالات أن اتصل بي صديق ذات يوم، وحين أجبته استنكرت صوته، فإذا به شقيق صديقي يطلب مني إضافة رقمه ليشاهد الحالات التي أعجبته في جهاز أخيه. ومن مواقفها أني نشرت مقالة عن رجل مبارك فتفاعل معها أهل منطقته حتى صارت تلك المقالة هي الحالة السائدة في الواتساب لهم ذلك اليوم كما أخبرني بعضهم. ومن بركات الحالة أنّ الكتابة فيها تغني عن إرهاق المجموعات والأفراد بالرسائل كما يفعل البعض. ومع أني لم أضع استبيانًا عن الحالة ومضمونها؛ إلّا أن التفاعل الكريم من الإخوة والأخوات بطلب أو اعتراض أو إضافة مواد جديدة لي أو غير ذلك، يعطيني مؤشرًا حسنًا عنها.
ربما لا يقوى الإنسان على الكتابة ببراعة، أو الحديث بطلاقة، بيد أنه يمتلك قدرة على الاختيار وقدرًا من التمييز، ويمكنه بناء على ذلك أن يجعل من هذه المنّصة الفردية المجانية ذات الحضور الكثيف معبرًا للتأثير الحميد النافع، دون أن يجهِد نفسه، ودون أن يرتكب محظورًا. وهي فرصة للقادرين الذين يحبون النفع والإمتاع بلا إملال أو إسفاف، وفرصة لتقليل رسائل المجموعات أو الرسائل الفردية، وفرصة لمزيد من الحسنات ومراكمة الخيرات والفضائل، وإشاعة المعروف والعلم والإحسان، والله يجعلها مع غيرها من أبواب السمو والارتقاء بالذات وبالآخرين.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
السبت 18 من شهرِ جمادى الأولى عام 1442
02 من شهر يناير عام 2021م
6 Comments
جزاك الله خيرا، جميلة رؤية الأمور بمنظور مختلف بعيدا عن السائد كما أن المشاركة في حالة الواتساب للنفع تكون فيها نسبة وصول عالية للمقربين بسبب حفظ الأرقام وقلة من يشارك فيها. دعواتي لك بالبركة.
وفقكم الله.
الله يبارك فيكم مهندسنا العزيز قصي، وفي الحقيقة أني وجدت للحالة أثرًا طيبا على المتابعين وتفاعلهم معها.
وانا احد متابعين ( الحاله ) المباركه .
الله يحييكم يا ماجد.
حبيبنا الفاضل..
صدقت فلها أثر واضح في تفاعل الناس وتواصلهم.. بارك الله لك في عمرك وعملك وفيما أعطاك.
اللهم آمين ولكم بمثل يا أبا عبدالله.