الشبيلي وهذا الموقع والأثر
عام يكاد أن يتم بعد الرحيل المفاجئ للدكتورعبدالرحمن الصالح الشبيلي(1363-1440)=(1944-2019م)، وخلال هذه المدة ظهرت أعمال ومشروعات كثيرة متفاعلة مع غياب رجل الإعلام والتعليم والشورى والتوثيق التاريخي، ومنها ندوات، ومحاضرات، وقراءات، وكتب، ومقالات، وأشعار، ولقاءات وثائقية، وتكريم على صعد عدة، وتعكس هذه الهبّة العظيمة شيئًا مما حظي به أبو طلال في محياه من احتفاء وتبجيل.
ومن أهم المشروعات تضافر جهود أسرته النبيلة لبناء موقع إلكتروني يشمل كلّ كلمة خطها والدهم أو قالها أو غرد بها، وأيّ كلمة قيلت عنه مكتوبة أو ملقاة، ثمّ كان من حسن التخطيط أن يُطلق الموقع في مسقط رأسه بعنيزة، ضمن فعاليات معرض القصيم للكتاب (رجب 1441=مارس 2020م)، وشارك فيه مع أقاربه ومحبيه أمراء ومشايخ ووزراء ومثقفون على مرأى ومسمع، وفي اجتماعهم ترسيخ لمكانة صاحب الموقع الذي أحبّ الجميع، فبادله الكافة صادق الشعور.
يحتوي الموقع على واجهة “رئيسية” فيها أيقونات لمكونات الموقع، حيث يجد القارئ سيرته المختصرة في “خطى مشاها”، وتحت عنوان “التأليف” نرى كتبه المؤلفة أو التي حررها أو قدّم لها، ثمّ ما كُتب عنه بعد رحيله المأسوف عليه، وهذا الجزء من تآليفه أثير لدى صاحبنا؛ فبعد ذهاب في دروب الحياة اكتشف أن التأليف والتوثيق هما مجاله الأحب، والأمتع، والأنفع، والخالد.
أما أيقونة “المنبر” ففيها محاضراته التي تحولت إلى مطبوعات قصيرة، وللرجل براعة منبرية وتميز كتابي قلما يجتمعان لأحد، وفي زاوية “الرأي” نقرأ مقالاته في فنون شتى، وبعضها ربما لم يجمع في كتاب بعد، ويلتصق بها “تغريدات” دونها في حسابه المعبر عن القوة الناعمة، بينما تضم أيقونة “العالم الرقمي” جميع البرامج التلفزيونية التي قدمها محاوِرًا، أو التي كان فيها ضيفًا محاوَرًا؛ وفي كلا الحالين لن يجد المتابع فرقًا في هدوء الشبيلي، ولطفه، وغزارته، وفي هذا القسم برنامجه التوثيقي الرائع شريط الذكريات الذي وئد مبكرًا، ولو تمّ تمامه لأصبح علامة فارقة في برامج الشاشة الصغيرة.
كما أحصى الموقع “الندوات” المعقودة عنه وهي كثيرة من مستويات متنوعة، وفي عدة مناطق داخل المملكة وخارجها، وبعضها عُقد عن بعد بسبب جائحة كورونا، ومنها حفلات التكريم ووقائع إطلاق الموقع، ويتصل بها مباشرة نافذة بعنوان “لغة الوفاء” التي تشمل أوسمة وجوائز ودروعًا وتكريمًا خلال مشواره وعقب وداعه، ثمّ يجاورها “مرايا” تعكس نصاعة ما قيل أو كتب عنه وحوله في حياته وبعد وفاته من تغريدة فما فوقها.
ولم تقف همة الأسرة الوفية عند ذلك، فجعلت أيقونة خاصة بعنوان “نصوص وأوراق” تحوي جلّ الرسائل التي وقعها، أو تلقاها، أو أُبرقت للتعزية فيه، أو ما سُطر عنه في كتب الآخرين، مع نشر عدة لقاءات صحفية معه للنقاش في مجالات عمله واهتمامه، وتلاها مباشرة “العدسة” بما فيها من صور رسمية وشخصية، حديثة وقديمة، داخلية وخارجية، مرتبة أو عفوية، وخاتمة النوافذ فرصة لمن شاء التواصل والاتصال.
لقد ضربت أسرة أبي طلال أفضل نموذج على رعاية تراث الأب العَلَم الراحل، وإتاحة نسخ إلكترونية منه لكل ناهل، وتحديثه باستمرار حتى اقترب مجموع مواده من خمسة الآف، وهكذا يفعل أبناء الأكابر في ميراث من فرط من شخصياتهم المؤثرة؛ فهو لعمر الله خير وأجلّ من زينة الحياة الدنيا التي لا تبقى، وكم فيه من لذاذة لا تفنى، وبهاء لا ينطفئ ولو طالت به السنون، وعبق يزيده كرّ الأيام عراقة وتعتيقًا، هذا غير ما فيه من حنان وتحنان تجده الأسرة، وتفيء إليه بين آونة وأختها.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
السبت 20 من شهرِ ذي القعدة عام 1441
11 من شهر يوليو عام 2020م