سير وأعلام

الشيخُ الوهيبي: هكذا يرحلُ الدَّاعية!  

Print Friendly, PDF & Email

الشيخُ الوهيبي: هكذا يرحلُ الدَّاعية!  

طوتْ المنايا الشَّيخَ عبدَ العزيزِ الوهيبي وزوجَه وثلاثاً منْ بناتِه ليلةَ الأربعاءِ الثَّالثِ منْ شهرِ جمادى الآخرةِ عامَ (1430)؛ وقدْ تناقلتْ وسائلُ الاتِّصالِ الخبرَ الأليمَ معْ بواكيرِ صبيحةِ يومِ الأربعاءِ عبرَ رسائلِ الجَّوالِ وأشرطةِ القنواتِ فضلاً عنْ مواقعِ النِّتِ التي باتتْ منافساً إعلامياً مهمَّاً سبقَ الصَّالحونَ إليهِ مستفيدينَ منْ ضريبةِ إهمالِ الوسائلِ التَّقليدية.

وقدْ عمَّ الحزنُ لعظمِ الفاجعةِ وكونِها أصابتْ رجلاً نشرَ اللهُ له قبولاً ومحبةً حتى طارَ نبأُه إلى أقاصي البلادِ ليشاركَ أهالي فرسانَ وبيشةَ ونجرانَ إخوانَهم في الرِّياضِ والقراين والخرجِ والشَّرقيةِ الحزنَ عليه في صورةٍ منْ الوحدةِ الصَّادقةِ المجتمعةِ حولَ الصَّالحين إذْ أنَّ بلادَنا قدْ قامتْ على الكتابِ والسنَّةِ وما منْ واقعةٍ أشدُّ على أهلِها منْ مصابِ حمُاةِ الوحيينِ الشَّريفين.

كانَ الشَّيخُ مستشاراً و محتسباً وداعيةً ومدافعاً عنْ حمى التَّوحيدِ لا يثنيه شيء؛ وقدْ حدَّثني مؤذنُ مسجدِنا ([1]) – وهو جارٌ قديمٌ للشَّيخ – أنَّ رجلاً دخلَ المسجدَ ومعه طفلٌ عليه تميمة؛ فسارعَ إليه الشَّيخُ مقنعاً وواعظاً ثمَّ مزَّقَ التَّميمةَ بيديه. وممَّا ذكره المؤذنُ أنَّ أحدَ مشايخِ حي الشميسي توفي عامَ (1392) وأوصى بمكتبتهِ لوالدِ المؤذنِ الذي لمْ يجدْ خيراً منْ الشَّيخِ الوهيبي ليهبَها له وهو إذْ ذاكَ في أولِّ شبابه؛ وما أكثرَ بركةَ العلمِ على الشَّبابِ والمجتمع. وقدْ توفي الشَّيخُ على إثرِ سفرٍ للمنطقةِ الشَّرقيةِ بغيةَ إقامةِ عددٍ منْ المحاضراتِ والأنشطةِ وما أجملَ الحياةَ والمماتَ لله، فاللهمَّ أوقعْ أجرَهم عليك.

وممَّا يبرزُ في حياةِ الشَّيخِ طبيعةُ بيته؛ فذاكَ بيتٌ أُسِّسَ على التَّقوى منْ أولِّ يوم، فالزَّوجةُ داعيةٌ ومربيةٌ ومديرةُ دارٍ نسائيةٍ لتعليمِ القرآنِ الكريم، والزَّوجُ مسكونٌ بهمِّ الدَّعوةِ والإصلاحِ والاحتسابِ وتبليغِ الخيرِ للنَّاس، ومعْ هذهِ الأعمالِ العظامِ لمْ ينصرفْ الأبوانِ عنْ أبنائِهما فكانتْ البنتُ الكبرى حافظةً للكتابِ العزيزِ بالقراءاتِ العشرِ وهيَ لمْ تبرحْ العشرَ الثانيةَ منْ عمرها، وجميعُ شقيقاتِها المميزاتِ منْ الحافظاتِ اللاتي أوشكنَ على ختمِ القرآن، وفوقَ ذلكَ أدبٌ وخلقٌ وعفافٌ -بشهادةِ مَنْ يعرفهنَّ- وهيَ صفاتٌ تجلِّي لنا حقيقةَ بناتِ الرِّياضِ والمملكةِ لا كما يحاولُ المفسدونَ أنْ يوهمونا بتعميمِ نماذجَ شاذَّة.

كانتْ الجنازةُ في جامعِ الرَّاجحي بالرِّياضِ جنازةً مشهودةً تزاحمَ عليها النَّاسُ منْ العلماءِ والعبَّادِ والدُّعاةِ والعامَّةِ حتى استنفرتْ جهاتُ الأمنِ للتَّرتيبِ والتَّنظيمِ وامتلأَ المسجدُ ومرافقُه بالمصلينَ يتقدَّمهم سماحةُ المفتي، وكانَ يوماً منْ أيامِ الجنائزِ التي تتكرَّرُ في عصرِنا كثيراً مردِّدَةً مقولةَ أمامِ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ: بيننا وبينَكم يومُ الجنائز، وما أوضحها في زمنٍ لمْ ينجمْ فيه النِّفاقُ فقطْ بلْ ظهرَ وعلا وأزبدَ وأفسد. وقد وصفتْ هذه المصيبةُ الصُّحبةَ الصَّالحةَ التي تنفعُ ولا تضرُّ وتستمرُ ولا تنقطعُ من خلالِ اهتمامِ مشرفِ موقعِ لجينياتِ باستضافةِ الشيخِ بالشَّرقيةِ ثمَّ إذاعةِ الفاجعةِ ومتابعةِ حالِ بناتِه في المستشفى ونقلِ الجديدِ أولاً بأول.

وممَّا لفتَ نظري في حادثةِ الشَّيخِ الوهيبي اهتمامُ أميرِ الرِّياضِ الشَّخصي بِها؛ وفي ذلكَ دلالةٌ واضحةٌ على أنَّ الأميرَ الحاكمَ يعلمُ يقيناً أنَّ وجودَ العلماءِ والدُّعاةِ منْ أجلِّ مزايا الرِّياضِ التي تفاخرُ بِها عواصمَ العالمِ ولا تجدُ منافساً يدانيها.

ومعْ انصرافِ النَّاسِ إلى شؤونِ حياتِهم لا يفوتُنا أنْ ندعوَ للشيخِ والأمواتِ منْ آلهِ بالرَّحمةِ والمغفرةِ وعلوِّ الدَّرجة؛ كما نضرعُ إلى اللهِ أنْ يشفيَ بنياتهِ ويعافيهن؛ وأنْ يختارَ لبقيةِ آلهِ منْ خيارِ أهلهِ وصياً وولياً يواصلُ سيرةَ الشَّيخِ وزوجِه التربويةَ حتى ينفعَ اللهُ بهم أهلَهم الذينَ فرطوا وأمتهمْ التي تنتظر؛ فاللهمَّ آمين آمين آمين.

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف -الرِّياض

الخميس الرَّابع من شهرِ جمادى الآخرة عام 1430

ahmadalassaf@gmail.com

([1]) هو الشيخ محمد بن عبد العزيز الرحمة.

Please follow and like us:

2 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)