مواسم ومجتمع

كورونا وبيوتنا القرآنية في رمضان

كورونا وبيوتنا القرآنية في رمضان

منذ دخول السنة الميلادية ذات الرقمين المتشابهين (2020م) وأحداثها تتلاحق على صعد عدة، ومن هذه الأحداث ما تنامى مثل جائحة كورونا التي بدأت في الصين ثمّ انتشرت في جلّ بقاع الدنيا؛ فتوقفت على إثرها مصالح دينية ودنيوية على رأسها إغلاق الحرمين والجوامع والمساجد، وإيقاف العمرة والتعليم وحركة النقل، وفرض حظر التجول والعمل عن بعد، ولربما تستمر بعض هذه الإجراءات وغيرها حتى تنجلي هذه الغمة التي لا يعلم مداها إلّا الله.

وبما أننا على مشارف شهر رمضان الأغر الذي له من البركة ما لا يجهله مسلم؛ حتى أن أكثر المسلمين ينتظرونه ويحسبون له، فمع الصيام والقيام يخطط الموفقون لمشروعات شخصية وأسرية وعامة، مستثمرين فضيلة هذا الشهر، ومضاعفة الحسنات فيه، وإقبال النفوس على الطاعات والإحسان والتصالح والعفو، ويا له من شهر يجد الأولياء حلاوته إذا حلّ، ويعيشون على أمل عودته إذا رحل.

لأجل ذلك طغت على كثير من الحوارات نقاشات حول صلاة التراويح والتهجد، وماذا سيكون مصيرها، وهو أمر حسن يدل على عناية الناس بالصلاة، والجماعة، والقرآن، والقيام، وارتياد المساجد، بيد أن الأحوال قد لا تسعف هذه السنة بإقامة تلك السنة الشريفة على الوجه المعتاد، ولربما عاد الناس لتطبيقات الصحابة رضوان الله عليهم بصلاتها فرادى أو جماعات صغيرة رحمة من النبي الأكرم بهم وبأمته من بعدهم، عليه أزكى الصلاة والسلام.

فما أكمل أن تستعد بيوت المسلمين لترتيب تلاوة خير بيان، وأصدق كلام، وأعظم نبأ، كي يسمعه الأهل جميعهم، والجدر، والأبواب، والأثاث، فتنزل الرحمات والبركات على الدور وساكنيها، وتهرب منها الشيطان وآثارها، وتنطمس بقايا المنكرات، وتنعم النفوس بالسكينة والطمأنينة، وذلك فضل الله يسوقه لعباده في صورة لم يتفطنوا إليها، ولا غرو فالجنة وهي الجنة يُقاد أناس إليها بالسلاسل!

كما تفيد هذه الصلاة المنزلية بتصحيح التلاوة، ومراجعة الحفظ، وفهم المعاني، والعلم بالأحكام، وتدارس الكتاب العزيز، وتدبره، والعيش في ضوء إشراقاته التي تنير القلوب والعقول والأرواح، وتصحح الألسن ومناهج التفكير، وترفع من مستوى الفصاحة إذ أن نمير البيان القرآني العذب كفيل بسحق اللحن، والعجمة، والهجين إلى غير رجعة؛ حتى يستعيد الفتى العربي لغته المنيرة الآسرة.

كذلك يتعاون أهل البيت المبارك على ختمة جماعية وختمات فردية، وربما تسابقوا إليها وضاعفوا من عددها، واجتهدوا في تنويع كيفيتها؛ ليكون رمضان في زمن الكورونا من خير المواسم على الخلائق في إيمانها وعلمها وزكاة نفوسها، وكم في هذه الجائحة من منح ربانية لمن عزم على استقبال فيوض الرب البر الرحيم الرؤوف؛ وإن باغي الخير ليقبل ولا يجفل؛ فمن ذا يبتعد عن خيرة الله واختياره؟

وهي عبادة يتحقق فيها الإيمان والاحتساب بدرجة أكبر بإذن الله، وتصليها المرأة وهي مطمئنة على بيتها وأولادها، ثمّ تألف البيوت صلاة التطوع، وتحزيب القرآن والاجتماع له، وتعتاد على القيام والتحلق للتدارس، ولربما أنتجت بيوت مباركة أعمالًا علمية أو تربوية من أثر معتكفهم في مساكنهم على كتاب ربهم، ولزومهم الصلاة والذكر، وفوق ذلك إغاظة قلوب المنافقين والتنغيص عليهم حين يبلغهم خبر البيوت القرآنية التي لم تقع أسيرة إفكهم وإفسادهم.

أما دعاء الوتر فسيكون مختلفًا هذا العام، إذ اعتاد المصلون على دعاء الأئمة واجتهادهم، وهي دعوات عامة سيكرر العبّاد في البيوت كثيرًا منها، مع انفراد كل دار بدعوات تخص ساكنيها ومن وما يرتبط بهم، ولربما تواطأت دعوات كثير من المخبتين في شرق الأرض وغربها على مشتركات وقواسم، وفيهم من لو أقسم على الله لأبره، ومنهم طفل بلا ذنب، وشيخ هجر الآثام منذ سنين، وشاب صادق في التوبة، وصاحب مناجاة لحوح منيب مقبل متأله، فيستجيب ربنا وهو الكريم السميع القريب لتضرع عباده في خاصة شؤونهم وعمومها؛ وتسعد الأرض ومن عليها.

ولأننا نتعبد بإحسان الظنّ بمولانا سبحانه، ونوقن بحتمية الفضل الجميل من عنده، نتفاءل بأن يطهّر شهر رمضان عام (1441)- وهو عام برقمين متشابهين أيضًا- آثار ما سبقه من أحداث أخافت الناس وأفزعتهم، وينقي ما تلوث بسببها، فلا يغادرنا الشهر البهي إلّا وقد جاء يوم عيد الأعياد الذي يفرح به المؤمنون، ويبتهج الصغير والكبير بزوال “كورونا” الذي أهلك شيئًا من الحرث والنسل، وأفسد المصالح، وعطّل الأعمال، وغيّر وجه الأرض، وما ذلك على الله ربنا القدير القهار الرحيم مالك الملك بعزيز.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الأربعاء 22 من شهرِ شعبان عام 1441

15 من شهر إبريل عام 2020م 

 

Please follow and like us:

2 Comments

  1. نعم أوجزت فأبدعت
    نسال الله العلي القدير ان يبلغنا هذا الشهر الفضيل والجميع بصحة وعافية ويعيننا علي الصيام والقيام
    والله يعطيك العافية

  2. جزاك الله خيرا . اسال الله العلي القدير ان يبلغنا هذا الشهر الفضيل . ويرزقنا صيامه وقيامه وقبوله . مع المحنة التي يمر بها العالم قاطبة والمسلمين خاصة . ان شاء الله ببركة هذا الشهر الفضيل ان تنتهي بمنحة . هذا الشهر السابع والاربعون وانا اصومه في بلاد الغربة بعيدة عن اهلي وبلدي . استقبله كما كنت استقبله وانا عند اهلي قبل زواجي. وبعدها مع زوجي واولادي .واحس بالارتياح لتادية امانة . كما ادوها اهلنا سابقا . وسوف تكون منحة علينا جميعا باذن الله . متمنية للجميع صياما مقبولا وذنبا مغفورا وعيدا مباركا . وفقك الله لما يحبه ويرضاه
    .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)