إدارة وتربية

هنيئًا لإنسان التعليم

هنيئًا لإنسان التعليم

هنيئًا للمعلم والمعلمة في يوم المعلم العالمي وفي جميع أيام العام التي ترتبط به؛ فالسنة إما موسم دراسة، أو فترة إجازة من الدراسة طالت أم قصرت، وعليه فالمعلم حاضر لا يغيب عن يوم من أيامنا، فهنيئًا للمعلم هذه المهنة التي يسير فيها على أثر النبوة، وفي القرآن العزيز آيات تؤكد أن مهمة الأنبياء هي التعليم والتزكية، وإضاءة العقول والدروب، وإخراج الناس من الظلمة إلى النور، وهذا لباب عمل المعلم والمعلمة، وزكاة علمهما، والثمرة الأكبر لجهدهما.

ثمّ هنيئًا لهما تعليم الكتابة والقراءة وهما من أعظم العلامات الفارقة في حياة الإنسان، وهنيئًا لهما التدريب على التفكير والخطابة، وبعث الوعي وإشاعة ثقافة السؤال، فضلًا عن نشر العلوم والمعارف، والتربية على الأخلاق العالية، والسمات القيادية، وتعزيز خصائص الإنسانية، والمحافظة على عراقة المجتمعات وتقاليدها كما في الدرس الأخير للفرنسي ألفونس دوديه.

وهنيئًا لإنسان التعليم أن أخطر مشاريع إصلاح الدول والأمم تنطلق من المدرسة، والمعلم ربانها الأكثر أهمية من المناهج والبيئة والوسائل على أهميتها لأنه قطب الرحى وبه تدور باقي المكونات وتنتج. وحين سُأل بطل نهضة سنغافورة وقائد نجاح ماليزيا عن سر نجاة بلديهما من التيه ومسيرهما إلى طريق المجد، أشارا بأصبع التقدير والإجلال إلى التعليم، وجعلاه في المقدمة مع ركائز أخرى، وفي ماليزيا تحديدًا يغدو وزير التعليم أكبر مرشح لرئاسة الوزارة، وإذا ذكرت أسباب نمو ورفاهية فنلندا وكوريا الجنوبية والنرويج واليابان فسيكون للتعليم ومناهجه وأساتيذه أوفر نصيب من الحديث.

بينما لاحظت خلال البحث في سير عظماء أو قراءة بعض كتب السيرة الذاتية ملمحًا مهمًا اختصره في تقدير المعلم والاعتزاز بمهنة التعليم، فالمعلم الأول الشيخ عثمان الصالح يفتخر بلقب المعلم، ويخبرنا أن مدير المدرسة يشارك في صنع مستقبل البلاد، ويتجاوز معالي الدكتور غازي القصيبي مناصبه في الوزارة والسفارة معلنًا أن أجمل فترات حياته العملية كانت في كلية التجارة أستاذًا وعميدًا، ويعتذر عن قبول كثير من الدعوات بيد أنه يستجيب من فوره لأي دعوة من مدرسة ابتدائية.

كما عدّ معالي وزير التربية والتعليم الدكتور محمد الرشيد أن أخصب مرحلة في سيرته هي سنواته في كلية التربية أستاذًا وعميدًا، وفي سجل منجزاته يبرز جهده في الموسوعة العربية ونشر بعض دواوين السنة وهل الكتاب إلا وسيلة التعليم العظمى؟ ويثني د.جلال أمين على التدريس الجامعي فهو يهب الشباب لصاحبه ويزيده تجديدًا وحيوية بمعاصرة أجيال الطلاب، ويذكر اللواء طيار عبدالله السعدون زمن قيادته للكلية الجوية وقربه من الطلاب بنوع من الحبور والعشق، ويوافق على لقاء الطلاب سواء في الابتدائية أو ضمن المبتعثين للدراسات العليا ولو دفع تكاليف سفره وإقامته من ماله الخاص.

وعندما يستعرض التاريخ مفاخر الملك سعود العملية فسيضع الجامعة على رأسها، وإذا سُردت سيرة الملك فهد فلن يُغفل عن أنه أول وزير للمعارف، ومهما قيل عن منزلة أسرة آل زينل في التجارة والمناصب فستظل مدرسة الفلاح العلامة الأسنى في عراقتهم، وإذا رويت قصة معالي الوزير الشيخ ناصر المنقور فلا يمكن نسيان عناء إنشاء الجامعة، ولمعالي الوزير الشيخ حسن آل الشيخ تداخل كبير مع التعليم في مراحله العامة والعليا جعلت من العسير الحديث عنهما دون التوقف عنده، والأمثلة المحلية كثيرة مثل الدباغ والمانع والقرعاوي والقرزعي والصالح والجاسر والوهيبي والصقعبي والتركي والقائمة تطول بكرام كبار.

بل وأعظم من ذلك أن عددًا غير قليل من زعماء الدول، ورؤساء الحكومات، والوزراء، ورجال الأعمال، وكبار المديرين، يتوجهون صوب مشاركة المعلم في حقله الخصيب بعد ابتعادهم عن أعمالهم، فيلقون المحاضرات، ويشاركون في المؤتمرات، ويؤلفون الكتب، ويكتبون المقالات، ويعدون البحوث وأوراق العمل، وغير ذلك من مناشط تتقاطع مع طبيعة عمل المعلم.

وتستمر التهنئة لإنسان التعليم وهو يفتح كتابًا، أو يبحث عن معلومة، أو يشاور خبيرًا، أو يحلل ما اجتمع لديه من معلومات وآراء؛ ليكون ذلك زادًا له وهو واقف بشموخ العالم المتواضع أمام الطلبة ليمنحهم أعذب خلاصة، وأحلى لباب، وأكثر المختصرات فائدة، وأصدق النصائح، وليس هذا فقط؛ بل يدلهم على المنهج العلمي والبحثي، ويفتح لهم بابًا، وكم ترك الأول للآخر.

إن المدرسة والجامعة من أهم مؤسسات المجتمع وحصونه، والمعلم والاستاذ ركنها الأهم، ولن تقوم لنا قائمة مالم نوفه التبجيلا، وننزله المكانة التي يستحقها، والموضع السني اللائق به ماديًا ومعنويًا، فهذه أهم خطوة في تطوير التعليم وتعظيم أثره، فالمعلم أب ومرب ومعلم وصانع نهضة وباني مجد ومدافع عن ثقافة وناشر فكرة، وأحد أبرز القدوات في نظر الأجيال، وجدير بنا إجلاله وإحلاله بين العينين ليس في الخامس من أكتوبر فقط؛ بل في كل حين.

وإذا ذكر التعليم فمن المناسب الإشارة إلى أنها مهنة يتشارك كثيرون في فعل أجزاء منها سواء شعروا أو لم يشعروا، فكل خبرة ومعلومة منقولة- بغض النظر عن صوابها وشرعيتها-فهي داخلة تحت عباءة التعليم، وهي تشبه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يصنعه كل الناس بالقول والفعل والترك والتقرير دون أن يلتقطوا حقيقة هذا المعنى- بغض النظر عن صحة صنيعهم من عدمه-، ومع ذلك فقيمة هذين العملين عند غير البصير من الناس لا توازي مالهما من أهمية وعمومية، وهما مثل الماء والشمس إذ نزهد فيهما لتوافرهما أو ضعف الشعور بقيمتهما، فإذا فُقدا غاب عن الحياة طيبها ومعناها واستقرارها.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض

ahmalassaf@

السبت 06 من شهرِ صفر عام 1441

05 من شهر أكتوبر عام 2019م 

 

Please follow and like us:

4 Comments

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاك الله خيرا الكاتب الفاضل احمد . على تهنئتك بيوم المعلم العالمي.لقد وفيت الموضوع حقه من كل جوانبه .متمنية ان يكون هذا شعور كل اهالي الطلبة مثل شعورك واحترامك وتقديرك لمهنة التعليم بكل مراحله .فالعملية التربوية لا تنجح ولا تاتي ثمارها ما لم يتم التعاون بين الاهل والمعلم او المعلمة . ساكتفي بقدر المرحلة الابتدائية . لاان المعلم والمعلمة يكملون دورهم في تعليم القراءة والكتابة . فهم معلمين ومربين ومودبين بنفس الوقت . ولا انسى فضل من دروسنا في مرحلة الاعدادية والثانوية . ومدرسات معهد اعداد المعلمات. جزاهم الله خيرا . حفظ وبارك في الاحياء منهم . وجعل جنات الفردوس نزلا للذين توفوا . لقد جلبت لي احدى طالباتي في الصف الاول وهي ابنتي باقة زهور بمناسبة يوم المعلم العالمي . وانا بدوري اهدي هذه الباقة لكل المعلمين والمعلمات
    . متمنية لهم التوفيق والنجاح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)