سير وأعلام

ثلاثة رجال دولة وموقف واحد!

Print Friendly, PDF & Email

ثلاثة رجال دولة وموقف واحد!

تقوى الدول حين تضم في طاقمها مجموعة من العظماء والحكماء، أولئك الذين يتحسسون المصلحة ولو كانت في مسلك وعر، ولا يثنيهم عن جلب المحامد وطرد النقائص شيء قدر وسعهم، وبعد أن يستعملوا الأدوات المتاحة يعلنون آراءهم بطريقة مناسبة وفق ما يعتقدونه الصحيح؛ فتصبح يمينهم التي أقسموا عليها مبرورة، وذمتهم عند الحساب بريئة.

وهذه قصة فريدة مختصرها أن رجلًا سافر بابنه للعلاج خارج المملكة ظنًا منه أن المسألة مراجعة طبيب وتوابعها المعتادة المقدور عليها ماديًا من فحص وعلاج وتحاليل، بيد أنه صُعق لما علم بحقيقة مرض فلذة كبده، وحمل مع هم المرض وغصصه ألم العجز عن دفع تكاليف العلاج، وما أضيق الدنيا إذا تكالبت سهامها.

ثمّ هداه الله لكتابة رسالة استعطاف ضمنها أبيات شعرٍ رقيقة، وأرسلها في آنٍ واحد لثلاثة من كبار موظفي الدولة، بينهم من المسافات كما بين الشرق والغرب، واختار هؤلاء الثلاثة ليكونوا واسطة له عند أولي الأمر مع أنه لا يعرفهم، وهم لا يعرفونه بالطبع، وإنما حسن ظن بالله، ثمّ ثقة بمروءتهم وكمال تكوينهم؛ رجاء أن يختصروا عليه طول الطريق فطبيعة المرض لا تحتمل الانتظار.

فسارت رسالته الأولى أسرع من الريح لماليزيا عند معالي الشيخ السفير محمد الحمد الشبيلي، واستقرت الثانية لدى معالي الشيخ عبدالعزيز العبدالمحسن التويجري في الرياض، بينما طارت الثالثة إلى لندن لتقع بين يدي معالي الشيخ ناصر الحمد المنقور، وكل واحد منهم لا يعلم عن برقية الآخر؛ وسبحان من وفقه لانتقائهم دون غيرهم، وسبحان من سخرهم له فلم يخذلوه.

ولأنهم رجال دولة على قدر المسؤولية يعلمون يقينًا أن المواطن مهم للغاية؛ ويصدق عليهم وصف معالي الشيخ جميل الحجيلان الذي أطلقه عن معالي الشيخ حسن آل الشيخ قائلًا: ذلكم الوزير رجل يحبّب بفعاله وأقواله ومواقفه الدولة عند المواطنين، فقد هبّ هؤلاء الثلاثة وكأن الأمر يخص عزيزًا عليهم، ولم يهملوا الاستغاثة؛ واستثمروا علاقاتهم وثقة الملك والأمراء بهم لصالح ملهوف من أبناء بلدهم لا تربطهم به مصلحة أو صلة.

لم ينتظر صاحب الطلب طويلًا، إذ وصله في يوم واحد ثلاثة أوامر تتكفل بعلاج ابنه المريض وإقامة الأب معه؛ فتعجب من سرعة التفاعل، وتعدد مصادر الأمر، وتوافق مجيئها في يوم واحد، وسجد لله يدعو لستة رجال أماجد يضبط أسماءهم، ولآخرين معهم لا يعرفهم، وبعد فترة من العلاج شفى الله الفتى المريض، وصار هو وذريته وأعمالهم الصالحة في موازين أولئك الراحلين وهم في قبورهم.

ألا ما أنجح أي حكومة يكون أكابرها مثل هؤلاء، وما أسعد أي بلاد يسلك عليتها هذا السبيل، وما أكمل المجتمع وأصدق عراقته إذا كانت نخبته تجيد العمل وتحكمه، وتحسن القول وتجمّله، وتصيب في الرأي وترشده، فتصبح صنائعها ومآثرها رصيدًا للدولة في شقيها الحكومي والمجتمعي، ولا يغدو شيء من أمرها وبالًا في الحال، أو سببًا للمآخذ في المآل، والله يزيد من جنسهم عددًا، ويعظم فينا بركاتهم، والسلام عليهم في الأولين والآخرين.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض

ahmalassaf@

الجمعة 07 من شهرِ الله المحرم عام 1441

06 من شهر سبتمبر عام 2019م

 

Please follow and like us:

3 Comments

  1. . . جزاك الله خيرا الكاتب الفاضل احمد حفظه الله ورعاه
    اللهم يزيد من جنسهم ويجعلها في ميزان حسناتهم وحسنات والديهم . ويبارك لهم في ذريتهم . والسلام عليهم في الاولين والاخرين كما تفضلت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)