إدارة وتربية

حكمة من سليمان!

Print Friendly, PDF & Email

حكمة من سليمان!

فرغت قبل أيّام من قراءة كتاب عن وزير التّجارة والماليّة الأسبق د.سليمان السّليم، جمعته وأعدّته زوجته أ.د. نورة الشّملان، ثمّ كتبت عنه مقالة آمل أن تكون نافعة لقارئها، وفيها مقولة حكيمة يرويها الوزير الرّاحل عن بلديّه الثّري الشّهير الرّاحل الشّيخ سليمان العليّان تقول: إنّ مدبّرًا بالدّار أحسن من حِدار، ومعناها أنّ ضبط المصروفات أولى من اللّهاث خلف زيادة الإيرادات.

هذه كلمة مختصرة من رجل أعمال كبير، ذات قيمة تزداد حين يؤمن بها وزير لوزارتين لهما صلة بالنّقد والتّموين، وتتفق مع مقولات نحفظها من إرثنا الدّيني والشّعبي وفي المشترك الإنساني عمومًا، فما أكثر بركة الاقتصاد والتّدبير، وأعظم فائدة ردع النّفس عن الانسياق وراء مرادها؛ حتى لا تصبح ضعيفة المقاومة فكلّما اشتهت اشترت.

كما روى لي صديق أثير عن والدته الفاضلة -أدام الله على النّعماء بقاءها- أنّ هذه الحكمة قيلت من قبل رجل نجدي انحدر تحت وطأة الفقر إلى الخليج والعراق للعمل، وحين يقفل إلى بلدته تخبره زوجته عن الدّيون المستحقة كي يدفعها فيفنى ما جمعه من أموال ليضطر إلى الانحدار مرّة أخرى، وذات عودة سأل زوجته عن مقدار الدّيون فأجابته ألّا دين عليهم بل وفاض في يدها المال؛ لأنّها استثمرت لبن أبقارهم وزبدتها وتاجرت بها، وانتهت عن شراء ما يمكن العيش بدونه؛ وعندها قال الرّجل الكادح: مدّبر بالدّار أحسن من الحدّار!

وأذكر أنّي قرأت قديمًا كتابًا لطيفًا مختصرًا شهيرًا عن نصائح ماليّة عنوانه أغنى رجل في بابل، وهو منشور قبل قرن تقريبًا، وكثيرًا ما دارت توجيهات الثّري البابلي حول الادخار، وحسن إدارة الإيراد، وبعد ضبط هذه المسألة العسيرة يمكن الانطلاق إلى الاستثمار، وإمتاع الذّات والأهل، والانفاق بحكمة، فالتّبذير والإسراف مظهران لكفران النّعمة وسوء التّصرف، وليسا بابًا للاعتراف بفضل الله أو التّحديث بنعمة ربّنا.

خلاصة القول هو أنّ فترات الرّخاء كما الشّدّة لا تدوم، والتّقشف مع شدّ الحزام أمران ضروريان إذا شحّ المال، وكثرت موارد صرفه الإجباريّة أو التي لا مناص منها، وعلينا العودة إلى مقولة حكيمنا العليّان، وإرشادات غني بابل، وتصحيح رسوم حياتنا وعوائدها، ومعرفة ما لابدّ منه، وما يقوم عنه غيره، وما يمكن الاستغناء عنه أو تأجيله أو اختصاره، وهذه المسالك كفيلة بتصحيح السّوق والأسعار، فإذا كان الوزير السّليم يروي عن بلديّه الآخر الثّري إبراهيم الجفالي بأنّ التّاجر لا يقوى عليه إلّا جاره، فيجوز لنا إضافة والمستهلك أيضًا!

وبعد تحقيق ذلك يمكن الانطلاق من منطقة اطمئنان إلى أرض الله الواسعة للبحث عن طرق كثيرة للرّزق، وفضل الكريم واسع، ومن اجتهد فسوف يجد، والعاقبة لمن سار على جسر التّعب، واستمتع بالمشقّة المعقولة تفاعلًا مع الحال، وابتغاء لتحسين المآل، دون أن يلغ في شبهة أو حرام، ودون أن يوقع نفسه في اقتراض لأجل مباهاة يدوم لظاها وتزول لذائذها.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض

ahmalassaf@

ليلة الجمعة 12 من شهرِ رمضان المبارك عام 1440

17 من شهر مايو عام 2019م 

Please follow and like us:

5 Comments

  1. السلام عليكم جزاك الله خيرا الكاتب الفاضل احمد حفظه الله ووفقه لما يحب ويرضى
    عودتنا ان تكتب لنا مقالاتك الهادفئة بطريقتك الجميلة والتي يستمتع ويستفاد منها القاري . والتي لها علاقة وثيقة بمايمر بنا في حياتنا اليومية مدبرا بالدار احسن من الحدار
    ماا بلغها من حكمة . حاولت ان اعرف معنى كلمة حدار من كوكل قبل ان ااكتب لاانني لم اسمعها من قبل . زارنا ابني قبل ثلاثة ايام للفطور معنا والمبيت . وتجاذبنا الحديث عن حياتنا بالماضي والحاضر . وتسائل كيف انه كان يفرح عندما كان طفلا بالعيد عندما يعطوه عيدية دينار . والان لايفرح الطفل الذي بنفس عمره عندما يعطونه 100 دولار هدية بعيد ميلاده . . اخبرته لان الحياة تعقدت والاسراف والتدليل والتباهي وتقليد الغير زاد . فهو الان يحب شراء ايباد او ايفون . مع معذرتي وجهلي باشياء اخرى لااعرف اسمائها.لاانني حتى الان احب ابسط تلفون وارخصة . لاانني قلما احتاجته . ولطالما استرجوني اولادي بشراء ايفون بمناسبة عيد الام . وانا استرجوهم باعفائي من طلبهم . فلقد من الله العلي القدير على بالحكمة البليغة . رحم الله وجزى قائل وناقل وكاتب هذا المقال .مدبرا بالدار احسن من الحدار..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)