إدارة وتربية مواسم ومجتمع

حدثني فقال!

حدثني فقال!

تطيب المجالس واللقاءات بما فيها من أحاديث لا تخلو من التجديد ولذا سميت أحاديثًا؛ فإعادة الكلام أثقل من نقل الصخر على السامع والقائل، وأفضل المجالس ما امتد فيه مدى الطرف، وكثرت فوائد الجليس، وخلا من الغيبة والكذب وجميع ما يخدش.

لأجل هذا احرص على الانصات، واستكمال الرواية من ناقلها، وبعد ذلك احفظها في مذكراتي وأنسبها أو أغفلها حسب المصلحة، وربما أكتب بعضها مختصرة عبر حسابي في تويتر.

ثمّ عنّ لي ضمها في مقالة واحدة، إذ يجمعها أمران هما الفائدة وأني ناقل عمن أخبرني، والغاية اقتباس جذوتها والإفادة من فكرتها ولا حاجة لفحص سلسلتها مادام متنها ممكنا ومفيدًا، ولا يترتب عليه حكم على أعيان، أو التزام بشيء.

فقد ‏حدثني والألم يعتصره قائلًا: توفي والد جاري فحلف لي بعد سنوات أنه يتمنى لو رجع والده ليقبّل قدميه، ويكمل: لم أفهم هذا الشعور حتى مات أبي فوددت لو عاد لأفعل ذات أمنية جاري وألثم قدمي والدي! خلاصة القول: لندرك والدينا وهم أحياء: تقبيلًا، وطاعة، وخفض جناح، وتسجيلًا لهم مرئيًا أو مسموعًا، استباقًا ليوم أمنية مستحيلة!

‏كما حدثني آخر فقال: لا يستطيع قريبي بلع أي طعام دون شرب الماء بسبب إصابته بسرطان في حلقه، وينقل عنه قوله: ليت أن الناس يعرفون نعمة الأكل بيسر وسهولة، وما أحرانا بإشاعة ثقافة حمد الله وشكره، ومعرفة النعم التي لدينا وهي لا تحصى، ولا يمنع ذلك من طلب مفقود أو عوضه، دونما تسخط فمنن الله تحيط بنا.

‏بينما أخبرني محدثي أن أسرة دأبت منذ ثمانين عامًا على الدعاء لعجوز، والتصدق عنها، وذبح أضحية لها في ⁧عيد الأضحى ⁩وهم لا يعرفون اسمها ولا بلدتها، لأنها أنقذت جدهم في طفولته من موت محقق في الصحراء بسبب الضياع والجوع والعطش، وما أجمل أن نصنع المعروف وإن قل، وإن لم نعرف أين يقع؛ فما يضيع ولن يضيع.

ومن عجيب ما حدثت به‏ أن رجلًا ابتلي بمرض ⁧السرطان⁩، ودخل إلى المستشفى لإجراء عملية خطيرة لإزالة الورم، وكان قريبه آخر زواره فقال له: أولادك بعدك سيكونون تحت رعايتي؛ فلا تقلق! و‏يتابع رفيق صاحبي: خرجتُ من المستشفى بعافية وصحة، وأول جنازة صليت عليها كانت لقريبي الذي كان آخر زواري! فيا جماعة: بشروا، وأحسنوا الظن بالله، وتدبيره.

‏وحدثني صديق أن جراب جهاز طفله اللوحي عُطب فبكى الصغير حتى همّ بشراء جديد لولا أن زوجته أحضرت معلاق ملابس، وقطعته بآلة مناسبة؛ ثم أصلحت به الجراب وغدا كالجديد، و‏صدق الشيخ ⁧سليمان العليان⁩ وغيره حين قالوا: المدبر بالدار خير من الحِدار أو الحّدار!

‏بينما من المحزن ما حدثني به كاتب استنكر على ناشر شيعي عربي ملحد مهاجر ما يطبعه من إساءات بحق الذات المقدسة، والمصحف الشريف، والجناب العظيم،  والصحابة الكرام، وعقيدة أهل السنة، بينما يسكت عن خزعبلات الملالي! فأجابه الناشر: عندي كتب فاضحة موثقة عن رموزهم، ولن أطبعها ‏فيد ⁧إيران⁩ وَ ⁧حزب الله⁩ طويلة! ويالها من نظرة قاصرة تنسى الله القوي القادر، ويا لهم من قوم صنعوا لهم هيبة دون فضيحة.

‏وحدثني رجل غير متدين أبدًا على إثر عودته من وجهة سياحية علمانية ترتادها عوائل سعودية بكثرة في الآونة الأخيرة⁩ فقال: والله لو قيل لي إن ⁧المرأة⁩ في بلادنا تتبرج لما صدقت! فما وقعت عيني هناك إلا على منقبات ذوات حياء وتباعد عن الريب، فهذه هي المسلمة العفيفة، والعربية الأبية، وهي الشموس السامقة، ولا عزاء للمفسدين وما أنفقوا.

‏وبحزن حدثني صديق كثير القراءة والتأمل فقال: المسلمون كالبضاعة الأصلية التي ابتليت بمن يعرضها للبيع في محلات رخيصة رديئة البضاعة سيئة السمعة! فيا عقلاء الأمة: أفلا ننتشل أنفسنا وحضارتنا، ونحفظ لأجيالنا دينها وبقاءها؟

‏كما حدثني استشاري عزيز أجريت له عملية جراحية، فهاله سوء تعامل الممرضة معه، وقال: لم أكن أتصور معاناة المرضى وحاجتهم لحسن المعاملة مع جودة العلاج قبل أن أذوقها!  وما أحرانا بترك الحكم على أشياء أو أحوال لم نجربها، أو لا نستطيع تصورها.

‏وأخبرني صديق ملهم بقصة ملخصها أن رجلًا عاميًا من بلدتهم يعمل في نقل الرمل ومواد البناء، وله أولاد كلهم صالحون، نالوا أعلى الدرجات في أهم التخصصات، وحين سُأل عن السر أجاب: كنت أنقل المواد كأنها لي فأحافظ حتى على ذرات الرمل من الضياع بإحكام الغطاء فوقها، والدرس أن إطابة المطاعم سبب لاستجابة الدعاء، وصلاح الذرية.

‏أيضًا حدثني صاحبي فقال: زرت رجلًا ثريًا بناء على موعد بيننا، فأهداني سبحة مع انصرافي، فلما رآها زميلي بهرته وقال سعرها لا ينقص عن ألف! فقلت له لنسأل متاجر المسابح، وكان أغلى تقييم لها لا يتجاوز خمسة عشر ريالا! فما أتعس المظاهر، وما أشقى الفقراء بفقرهم، وبضغط تقليد غني بينما هو يشتري الرخيص، وليت القناعة مع الرضى أن تسكن في القلوب طاردة تتبع المشاهير والأثرياء.‏⁧

‏كما سمعت من امرأة قولها: لقريبتي ابنتان شابتان خصامهما دائم لدرجة الصراخ المزعج، وذات مرة غضبت أمهما منهما فقالت-متأثرة بالحرب الباردة-: اللهم اجعل واحدة منكما في واشنطن والأخرى في موسكو! فكان الأمر كما قالت، والعبرة أن نتحين أوقات الإجابة وأماكنها وأحوالها، ولا ندعو على أنفسنا أو أهليتا أو مانحب؛ بل لها.

هذا شيء مما سمعته وروي لي، وفي كل واحدة منها عبرة تصلح أن تكون مادة لمقال، وعسى أن يكون في نشرها ما يفيد الكاتب والقارئ، والسامع والمتكلم، والعالم والمتعلم، والله يزيد ويبارك، ويعمر مجالسنا بالمستطرف والنافع، ويعيذها من خلاف ذلك.

أحمد بن عبدالمحسن العسّاف- أوزنجول

ahmalassaf@

الخميس ٢١ من شهر ذي الحجة الحرام عام ١٤٤٠

٢٢ من شهر أغسطس عام ٢٠١٩م

Please follow and like us:

2 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)