سير أعلام العقيلات
تمتاز مكتبتنا العربيّة والإسلاميّة بكتب موسوعيّة في مجالات كثيرة، تشمل الإنسان، والحيوان، والنّبات، والجماد، والمكان، والزّمان، والفنون، والأدوات، والأحداث، والمعاني، وغير ذلك مما فتح الله به على أوائلنا ومن سار على خطاهم، ولايزال هذا الحقل من التّآليف خصبًا لا يضيق وإن كثر روّاده.
ومن أمتع هذه الموسوعات، كتب التّراجم، والسّير، والطّبقات، التي تحشد جمهرة النّاس المشتركين في شيء أو أكثر على شرط المؤلف، ومن المتعارف عليه أنّ هذا النّوع من التّصنيف لا يخضع لمعايير التّأريخ الدّقيقة، وإنّما يكتفى فيه بنقل الرّواية ونسبتها، وإن وجد ما يعزّزها من تواتر، أو وثائق، وصور، فخير على خير، لأنّ هذا الفن والجمع يصرم العمر، ويستهلك الجهد، ويستلزم التّفرغ، وقد سخر الله له أقوامًا حفظوا لنا الآثار والمآثر والإرث الكبير.
وبين يديّ موسوعة من هذا الباب، عنوانها: العقيلات مآثر الآباء والأجداد على ظهور الإبل والجياد، تأليف: الباحث عبدالّلطيف بن صالح بن محمّد الوهيبي، وصدرت الطّبعة الأولى من هذا الكتاب الضّخم عام ١٤٣٨=٢٠١٧م، ونشرته مكتبة العبيكان، بينما تولى ترتيب الكشّافات وصنعها محمّد بن عبدالله بن محمّد الفريح، وراجع النّص تاريخيًا كلّ من: سليمان بن إبراهيم الجريش، وعبدالكريم بن صالح الطّويان، وعبدالله بن سليمان أبا الخيل، وعبدالله بن سليمان المرزوق.
تتكوّن الموسوعة من ستّة أجزاء، الأوّل منها دراسة تاريخيّة، وأمّا الأجزاء من الثّاني حتى الخامس فتراجم أسر العقيلات مرتبة أبجديًا، وأنفرد السّادس بكشّاف يحوي العديد من الفهارس، ويبلغ عدد صفحات هذه الموسوعة (2406) صفحات على ورق مريح للعين، ونال الكتاب تزكية علميّة من دارة الملك عبدالعزيز التي وصفته بأنّه عمل موسوعي ضخم يسدّ فراغًا في تاريخنا، وهي شهادة نفيسة.
وفي مستهل الكتاب نقل المؤلّف روايات وشهادات لصالح العقيلات عن الملك عبدالعزيز الذي صرّح بأنّه يدّخرهم للمستقبل، وثناء عاطرًا من الأمير سلطان، وتبجيلًا من أمير القصيم-بلدة غالب عقيل- فيصل بن مشعل، فضلًا عن مرويّات كثيرة لعلماء، ورحالة، ومؤلّفين عرب وأجانب من الماضين والمعاصرين.
ثمّ كتب الأديب الأستاذ عبدالكريم بن صالح الطّويان تقديمًا أثنى فيه على جهد المؤلّف ومحتوى الكتاب، وأشار لأثر والدة المؤلّف فوزية المحسن وعمّته حصّة، وهما كريمتا رجلين من العقيلات، ولهما تأثير حميد في بذر الاهتمام بنفس الباحث منذ صغره، علمًا أنّ والدة عبد الّلطيف ولدت وعاشت طفولتها في سيناء، وبعد عودتها لبريدة حملت على عاتقها جزءًا من مسؤوليّة التّعليم الأهلي والحكومي. ويوجد لكلمة الطّويان عنوانان، فمرّة تقديم، والثّانية مقدّمة، والأوّل أصوب فيما أحسب.
بعد ذلك سطّر المؤلف توطئة تمثّل مقدّمة لهذا العمل الشّاق، وصنّف تفاعل النّاس معه على أربعة أقسام؛ فمنهم المتعاون، وفيهم المسوّف، ولا يخلو الواقع ممن لا يرى هذا العمل شيئًا، وأصعبهم من يضنّ بالمعلومة دونما سبب! وأجزم أنّ فيهم من غضب على سقوط أسماء من أسرته دون أن يلوم نفسه على تقصيرها! وأشار الوهيبي في ختام توطئته لمتحفه الشّهير في بريدة، وأزجى شكره لمن سانده بداية من والده العقيلي الكريم، وأهدى ثمرة نَصَبِه لجميع أبناء العقيلات، وأثبت جميع سبل التّواصل المتاحة معه؛ لمن شاء أن يضيف، أو يقترح، أو يعقّب.
وفي مدخل هذا الجزء شكر من الاستاذ محمّد الفريح للباحث، وفي آخره شكر من المؤلّف لأبناء العقيلي الشّيخ عبدالله العلي المنجم على دعمهم الكتاب، وهذا من برهم بأبيهم وإحيائهم لذكراه، ويتكرّر إطراء المنجم وآله مع نهاية كلّ جزء، وإنّهم لأهل للمديح كما أنّ أبا حمد أهل للوفاء، وفي آخر الجزء السّادس شكر من الأستاذ سليمان الجريش للمؤلّف، وفي آخر الجزء الخامس كلمة بقلم الأستاذ عبدالعزيز بن صالح الطّويان.
يحتوي الجزء الأوّل على أربعة فصول، أوّلها فيه تعريفات وروايات وأسواق، والثّاني يتحدّث عن مكانة العقيلات وآثارهم، وألقابهم وأمثالهم وأخلاقهم، وفي الثّالث نبذ عن أعمالهم في بناء المساجد، وتأسيس المعاهد، وإنشاء المدن، وغيرها من مشاريع كانوا البادئين بها، وختم بالرّابع عن أمراء العقيلات وشعرائهم وطرقهم. وتخلو هذه الفصول من عنوان جامع لكلّ واحد منها، وأتصوّر أنّ وجود العنوان سيساعد على جمع المحتوى المتشابه في مكان واحد، فتظهر الوحدة الموضوعيّة لكلّ فصل، كما أتمنى لو أتيح هذا الجزء منفردًا؛ كي يسهل تسويقه وانتشاره.
وفي هذا الجزء أخبار عن جلب العقيلات للكتب وتبرعهم بمكتباتهم، وإجادة بعضهم لغات شرقيّة وغربيّة، والإشارة إلى ما لهم من إسهامات اقتصاديّة، وسياسيّة، ودبلوماسيّة، وعسكريّة، وأمنيّة، ودعويّة، وخيريّة، وثقافيّة، واجتماعيّة، حتى أنّ أهل الكويت تنافسوا حين توفي الشّيخ ابراهيم بن جاسر عام 1333، وأحضروا ألف كفن له، وكلّ واحد يرجو أن يظفر كفنه بجسد الشّيخ الرّاحل.
ومن محتوياته صكوك تثبت عراقة أصول الخيل وسلامة عروبتها من الهجنة، وأسواق، وديار، وصور قديمة، ووثائق تاريخيّة، ومخطوطات، وأشعار، وألقاب، وقصص، ومن الطّريف أنّ القصيم عرفت من الشّام المحشي، وورق العنب، وسلطة الّلبن بالخيار، كما أحضر العقيلات السّاعة، والمذياع، والدّافور، والتّصميم الجديد للبيوت، والأثاث الشّامي والعراقي، فضلًا عن أوّليات لعقيل في شؤون شتى.
وتسرد الموسوعة من الجزء الثّاني وحتى الخامس سير أعلام العقيلات مرتبة أبجديًا على أسماء الأسر، ابتداء من آل أبا الخيل، وحتى أسرة اليوسف، وداخل كلّ أسرة ترجمة لأفرادها من العقيلات، ومع الأسرة وسم إبلها، وأمّا ترتيب الأسماء داخل الأسرة فيحتاج لنظام واضح؛ كأن يكون التّقسيم حسب الحروف، أو سنوات الميلاد، أو الوفاة.
ويحتوي الجزء السّادس على كشّاف ضخم، وفهارسه بحدّ ذاتها عمل كبير متعب، وهذا الكشّاف يعين على الوصول إلى المعلومة، وهو من ترتيب مدير إدارة النّشر والتّرجمة في شركة العبيكان الأستاذ محمّد الفريح، ويضم ستّة وثلاثين كشّافًا في جهد غير مسبوق عربيًا، مع أنّ الفريح وفريقه تركا ستّة كشافات للطّبعات القادمة بسبب ضيق الوقت.
ويقع الكشّاف في خمسمئة صفحة، واستغرق إعداده سنة ونصف السّنة، وعمل لأجله فريق ضخم من مكتبة العبيكان، وعلى رأسهم الأستاذ الفريح، ومن إتقان عمل الفريق عنايتهم بالمراجعة الّلغويّة، والإملائيّة، وتوحيد المصطلحات النّاجم اختلافها عن طول فترة إعداد الكتاب خلال عقدين، ولعلّهم في الطّبعة القادمة أن يوحدوا طريقة إيراد أسماء الأعلام؛ ليسهل حصرها والوصول إليها.
وبنظرة سريعة للكشّاف نجد أنّ أكثر شخصين ذكرا هما الملك عبدالعزيز، والشّيخ فوزان السّابق، بينما برزت في الأماكن القصيم، والكويت، والعراق، والشّام، وفلسطين. واليهود هم أكثر أهل الأديان ذكرًا، بينما احتلّ الإخوان المرتبة الأولى في كشّاف الجماعات، ومن نافلة القول أنّهم إخوان من طاع الله، المشاركين في حروب الجزيرة العربيّة.
ونالت أسرتا السّليمان والطّويان أكبر عدد من تكرار أسماء الأسر، وتصدّرت سنة (1340) السّنوات الهجريّة، ومحرّم أكثر شهور التقويم القمري ذكرًا، بينما تصدّرت الأعوام (1917-1924-1947) التّاريخ الميلادي المذكور، وفبراير أكثر شهر ميلادي ورد في موسوعة الوهيبي. وربّما أنّ أكثر أسماء النّساء ورودًا هي نورة وميثاء ولولوة، وأمّا الأجانب فأكثرهم تردادًا لويمر ولورنس وجاك روسو، وتربّع الشّاعر العوني على المركز الأوّل بين الشّعراء، وكان الماء والتّمر والقهوة أكثر المأكولات الواردة، والقِرب أكثر أداة ضمن الموسوعة، بينما فازت قبيلة شمّر بالمركز الأوّل بين القبائل.
وتخبرنا إحصاءات الموسوعة، أنّها تحتوي على (06) مجلّدات، مجموع صفحاتها (2406) صفحات، وأعلامها (3309) أشخاص، وفيها (450) قصّة ملهمة، مع (1188) صفة وخلقًا، وحفظت (240) وسمًا للإبل، وروت (96) حدثًا تاريخيًا، واستخدمت (1915) شاهدًا من القرآن والسّنة والشّعر، وقطعت (2865) موضعًا، وأدرجت (400) صورة شخصيّة، و(61) عملة مائيّة، و(250) وثيقة ومخطوطة، و(42) شاعرًا وأديبًا وقصيدة، و(93) قبيلة وأسرة، و(291) لقبًا وكنية، و(60) إمارة، و(1309) مابين مصطلحات وأسماء لأداة أو لباس أو طعام أو سلاح، ولا نعجب أن يستغرق هذا العمل الضّخم (64700) ساعة عمل، ويتشارك فيه فريق من (22) خبيرًا، مستخدمين (07) برامج تصميم.
إنّ يسير العمل النّافع قمين بالاحتفاء والإشادة، فكيف بعمل كبير جمع الأشتات، وحفظ المتفرق، وحمى إرثنا التّاريخي من الضّياع، وإنّ خير ما نخدم به هذه الموسوعة بعد التّعريف، وإيراد المقترحات، أن نعيد مع الباحث ذهبي العقيلات دعوته لكلّ عقيلي بأن يتواصل معه لإكمال هذه الموسوعة في طبعاتها القادمة، فالعقيلات حركة قوافل تجاريّة استمرت ثلاثة قرون أو أكثر، ومن المنطقي أن يكون تعداد رجالاتها آلافًا تستحق الخلود في الباقين.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف -الرِّياض
الاثنين 21 من شهرِ الله المحرّم عام 1440
01 من شهر أكتوبر عام 2018م
10 Comments