مواسم ومجتمع

رمضان وإحياء شبكات المجتمع!

رمضان وإحياء شبكات المجتمع!

لا يخلو أيّ مجتمع من شبكات عديدة، تُعنى بجوانب مختلفة، ويكمن الفرق بين مجتمع وآخر، في عدد الشّبكات، وتنوّعها، وفعاليّتها، وتمازجها مع ثقافة المجتمع وحضارته، وموقف الحكومات منها والعكس، ومدى استقلاليّتها عن أيّ روابط فكريّة وحزبيّة، وهو ما يحقّق لها التّأثير، والشّمول، والسّلامة.

وتمتاز حضارة المسلمين بأنّها حضارة شبكيّة، تمنح لكلّ فرد منها الفرصة ليكون فعّالًا مؤثرًا، يستطيع خدمة مجتمعه وأمته بما يقوى عليه ويحسنه، وهذه المزيّة بدأت تضمر في واقع النّاس لأسباب منها الانشغال بهموم الحياة، والابتعاد عن معين الثّقافة الإسلاميّة، والانبهار بمنتجات الغرب، والانحياز الفئوي، فضلًا عن تدّخل المؤسسات الحكوميّة في كلّ شيء، وكان يسعها إتاحة المجال لشعبها؛ كي تفرغ هي لأمور أهم.

ولو نظرنا إلى أركان الإسلام الخمسة، لوجدنا أنّ أربعة منها تعزّز العمل الشّبكي في المجتمع المسلم، وتعين عباد الله على سعادة العيش مع شعب الإيمان؛ وعدد كبير منها لابدّ له من مجتمع وأناس. فالصّلاة تستلزم وجود مساجد، وأئمّة، ومصلين، ودروس، وفي الزّكاة أموال، وأصناف، ووسطاء، والحجّ يجتهد فيه علماء، ومرشدون، وتجار، وسقاة، وغيرهم؛ وكم فيه من منافع.

ويبرز دور المجتمع وشبكاته في شهر رمضان المبارك، وكم في قيام مجموعاته بواجباتها من بركات متتالية؛ فالحكومة ترتاح من بعض الأعمال، ولاتنفرد بمسؤوليّة العبء الثّقيل، والمجتمع تدبّ فيه روح الحياة العاملة المنتجة؛ كي يكون مشاركًا وفاعلًا، لا مفعولًا به منتظرًا فقط، وأثر ذلك حميد على طبقات المجتمعات، وثقافته، وأمنه، وتكافله، وإشاعة الرّضا فيه والطّمأنينة.

فلأجل رمضان، يتراءى البصراء المحتسبون هلال الشّهر، ويكون الثّقة الأمين منهم عونًا للأجهزة الرسميّة في إعلان دخول الموسم الميمون، ويؤدي هؤلاء ما عليهم فقط، ويوكلون مهمّة البلاغ وتوابعه إلى القضاء أو الإفتاء، فهم بعيدون عن الافتئات والقفز على الصّلاحيات، ولا يرومون القضاء على مرجعيّة الحكومة.

وتنشط المساجد خلال رمضان، ففيها صلوات وتراويح وقيام، ووعظ وذكر وحفظ للقرآن، ومراجعات للخاتمين، واعتكاف، وختمات ودعوات وفتاوى، ويقصده أهل الحي من الجنسين على اختلاف أعمارهم؛ فيعود للمسجد شيء من موقعه في حضارة المسلمين وحياتهم؛ فالمسجد ليس مكانًا لتأدية الفروض الخمسة فقط، بل هو مؤسسة اجتماعيّة راسخة، وجدير بها أن تنفذ إلى عمق المجتمع.

ولا يخلو مجتمع من محتاجين وأثرياء، وفي رمضان تجود النّفوس الكريمة ليس بزكاتها الواجبة فقط، ولا بزكاة الفطر المفروضة عليها، بل يتجاوز المحسنون ذلك إلى صدقات، وهبات، وأعطيات، وإنظار معسرين، وتخفيف عن متضررين، وهذه شبكة ماليّة فيها عطاء، وأخذ، وتيسير، وتأخير، وكم تصفو القلوب بمثل ذلك.

ولا يقف العطاء المالي عند ذلك، بل يتخطّاه إلى خدمة المجتمع المحيط أو البعيد، بمساندة مشروعاته المباركة، وتمويل أوقافه، وتأييد أيّ مسلك ينتج عنه ما يخدم الوطن وساكنيه في أمر دينهم ودنياهم، فمشروعات المسلمين التّعليميّة، والصّحيّة، والتّأهيليّة، والإعلاميّة، وغيرها، تنتظر من يهبّ فيهبها ما يدفعها للأمام.

وإنّ إطعام المساكين لمثال واضح على شبكة المجتمع، فمشروعات التّفطير، وسلال الغذاء، فيها منفق، ومنفذ، ومتعاون، ومحتاج، وقد يغنم منه غير المسلمين؛ فيفتح الله على قلوبهم، وينقذهم من النّار. وبعد الفراغ اليومي من التّفطير، يكون الجزء النّظيف منه وجبة أخرى للصّائمين وغيرهم، وما بقي منه وهو غير مناسب للاستهلاك الآدمي؛ يصبح طعامًا مباشرًا للحيوانات أو يعاد تدويره لها، وهذه شبكة أخرى متفرّعة عن شبكة الإطعام، تعتني بالبيئة، والحيوانات، ويا له من سمو باذخ.

ومن الأعمال الرّمضانيّة الجليلة، ما يقوم به الفضلاء للإصلاح بين المتخاصمين، وتنقية الأجواء بين الأزواج، والأقارب، والجيران، والشّركاء، وعموم الفرقاء؛ ويتشجّع سادات النّاس على التماس العفو والعدل من الزّعماء والرّؤساء؛ فتعمّ الفرحة خلال رمضان في البيوت والأسر قبل حلول العيد، وهذه شبكة عظيمة، وأجرها على الله.

وكما يوجد شبكات مباركة إيجابيّة، تعمل لصالح المجتمعات والبلدان، ولتحقيق الخيريّة لها في دينها ودنياها؛ فلا تخلو ديار المسلمين من شبكات يسؤوها أن يعود النّاس لربّ العالمين، ويفزعهم تلاحم أفراد المجتمع، وتقارب الشّعوب مع حكوماتها؛ فينغصّون بالفسق، والمجون، والغلو، والشّائعات، والله يكفيناهم بما شاء، وبشبكات من عباده وأوليائه، يؤازرها أهل الجاه والمال والسّلطان.

إنّ شبكات المجتمع تقبس من رمزيّة رمضان وخيراته، فتعود لها الحياة، وقمين بمجتمعات المسلمين أن تكون ذات شبكات ظاهرة نافعة، لا تنتمي لحزب أو جماعة، ولا تصادم الحكومة أو تشاكس النّظام، وغايتها بذل المعروف، والإحسان إلى المجتمع وأهله، والمشاركة الإيجابيّة مع الحكومة والإدارة المحليّة؛ كي تفرغ لعظائم الأعمال، وتنهض لمزيد من التّنمية، دون أن تؤودها أثقال مجتمعيّة؛ فتعجزها عن الحركة الماضية الوثّابة!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض

ahmalassaf@

الأحد 20 من شهرِ شعبان عام 1439

06 من شهر مايو عام 2018م

Please follow and like us:

6 Comments

  1. السلام عليكم ورحمة وبركاته الابن الفاضل الكاتب احمد حفظه الله ورعاه
    سلمت يداك على ماكتبته في مقالك وبارك الله في كتاباتك ووفقك لما يحب ويرضى. نحن هنا في رمضان في استراليا نستعد للصيام ولقد خفضت بعض المحلات الكبيرة سعر التمر بمناسبة شهر رمضان من 20 دولار الى 11 عشر دولار للكيلوا.. والى نهاية شهر رمضان. ورمضان للمومن لايتغير في مشارق الارض ومغاربها طالما نصوم قبل بزوغ الشمس ونفطر لغروبها ونصوم برؤية الهلال ونعيد برؤية شهر شوال. بقى الفرق بين صوم العادة . وصوم العبادة اللهم تقبل من صيامنا وقيامنا واعتق رقابنا من النار

  2. السلام عليكم
    جزاك الله خيرا
    لقد سعدت بحضور محاضرتك القيمه وسجلت منها 18 فؤاده
    الجمعيه صفحة أسبوعية في
    جريدة الرياض . فهل من الممكن المساعدة في إعداد مقال تخص به المتقاعدين ؟
    اخوك عبدالرحمن المشاري

  3. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الكاتب الفاضل احمد حفظه الله ورعاه . ووفقه لما يحب ويرضى
    استميحك عذرا.بان استخدم عنوان مقالتك احياء شبكات المجتمع في رمضان . لاننا باشد الحاجة لاستغلال احياء هذه الشبكات المجتمعية . ما استطعنا اليها سبيلا . لتاليف القلوب . وترك اثر حسن لااحفادنا .لتركيز صلة الرحم في اذهانهم . فالعالم يحتفل باعياد الميلاد في دول كثيرة . وفرصة للمسلمين . استغلال الاجازة لزيارة اولادهم اللذين تفرقوا في ارجاء العالم . وكانت فرصة لااهل زوجة ابني الكبير حفظه الله وعائلته . للقدوم من مكان بعيد لزيارة ابنتهم واحفادهم مستغلين الاجازة . واحببنا ان ندعوهم على عشاء . فاقترح زوجي دعوتهم خارج البيت ليجنبي تعب الطبخ . لكنني اصريت على دعوتهم في بيتنا وانا اعلم ان كل افراد العائلة تحب اطباقي التي ما زلت اعدها بالطريقة التقليديةوالاخص طبق الدولمة الموصلية الذي استخدم اللحم المفروم بيدي الذي يحافظ على مذاقها . لا بالماكنة . مع البصل والسلق والكرنب والبذنجان والكوسا وورق العنب والفلفل الاخضر والاحمر .وانا يسرني ان اهدي اطباقنا العراقية وكليجتنا .لااناس كثيرة من اللذين اتاعامل معهم . اجتمنا وبلغ عددهم 13 فردا من ضمنهم اخو كنتي وزوجته وابنهم الصغير الذي احب الاطباق العراقية وقضينا وقتا ممتعا . هم كانوا ممتنين لي . ولكن والله انا الذي اشكرهم على تقبل دعوتنا ومشاركتنا عشاءنا وقضاء وقت ممتع مع الاحبة .يعتبر . الطبخ وطريقة اعداده كما قالت عنه ملكة اسبانيا بانه فن ونقل تراث وليس طعاما فقط . والجدير بنا نحن الامهات ان نجيد اعداده ونحافظ على تراثنا وننقله لااجيالنا . هو رد جميل لااماهاتنا حفظ الاحياء منهم ورحم الاموات جميعا

  4. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    رحم الله والدتي . وامهات جميع المسلمين. واسكنها فسيح جناته . فقد كانت تجعل من رمضان والعيد مناسبة سعيدة تدخل البهجة على نفوسنا ونحن صغار وما زلت احملها حتى الان وانا كبيرة .فلقد زرعت فينا حب هذا الشهر الفضيل والابتهاج بقدومه حيث كانت تحضر له قبل قدومه كل احتياجاته ولوازمه . وكذلك العيد زرعت في نفسي هذه العادة الجميلة . وانا بدوري نقلتها لااولادي .فاجائتني ابنتي العزيزة بشراءها لي ملابس العيد عن طريق النت لضروف الحجر الصحي في البلاد .بعد ان لاحظت بانني لم اشتر اي شئ جديد لي كعادتي .وقالت هذا دين ياامي اسدده لك . شكرتها ودعوت لها ولكل ابنة على شاكلتها بالنجاح والتوفيق وقلت لها انا الغنية وافرح بالهدية اسال الله العلي القدير ان يدخل الفرح والسرور على قلوب جميع المسلمين اينما كانوا وييسر امرهم . ويرزقهم من حيث لايحتسبون . ويصرف عنهم كل وباء واذى .اللهم اجعلنا في هذا الشهر من الفائزين .ومن عتقائك من النار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)