القيادة: ممارسات والتزامات
يُعزى كثير من الخلل في المجتمعات، والأعمال، والأسر، والدُّول، إلى ضعف القيادة أو انعدامها، ولأهمية القيادة تصدر المطابع كتابًا إثر آخر عنها وعمّا يحتف بها. ولعظم شأن قيادة النَّاس وتأثيرها؛ حرصت عليها الطَّبقات الحاكمة، والأحزاب المتنافسة، وأصحاب الأفكار المتصارعة، والمصالح المتضاربة، والميدان محل مشاع لممارساتهم في قيادة الجموع، والرّأي، والسُّوق.
وهذه مقالة مختصرة، مستفادة من الطَّبعة العربيّة الخامسة لكتاب ضخم عنوانه: تحديات القيادة: كيف تحدث أشياء رائعة في المؤسسات، تأليف: جيمس كوزس، وباري بوسنر، وهو من إصدارات مكتبة جرير البارعة في الانتقاء والإخراج، ويقع في (409) صفحات، وقد تكون هذه الطّبعة أحدث طبعاته العربيّة، وصدرت قبل عامين تقريبًا.
وقد استغرق عمل المؤلفين في الكتاب قريبًا من ثلاثين عامًا، وشمل مئات الآلاف من النّاس، في جميع القارات، سواء كانوا أتباعًا أم قادة، في منظمات عمل مختلفة؛ ما بين حكومية، وتجارية، وغير ربحية، وكانت جلّ النّتائج تشير إلى أهمية الممارسات والالتزامات الموضحة أدناه، ولم تتغير باختلاف السنين، أو الموقع، أو التخصص، بل إن مخرجاتها تؤكدها المرة تلو المرة.
وسوف أذكر كلَّ ممارسة قيادية، وما يتبعها من التزامات، وهي خمس ممارسات، تحتها عشرة التزامات، مع توضيح مختصر؛ ومن رام الاستزادة فالكتاب متوافر، وفروع جرير كثيرة بارزة؛ فتجربتهم في التّسويق والانتشار رائدة، وجديرة بالدّراسة، والله يبارك لهم وعليهم وبهم.
الممارسة الأولى: تجسيد القدوة:
ويندرج تحت هذه الممارسة التزامان مهمان:
- التعبير عن قيمك ومبادئك: بحيث تكون تصرفات القائد متوافقة مع قيمه ومبادئه المعلنة.
- تبني دور القدوة: وذلك من خلال ربط الأقوال بالأفعال، وهي نتيجة حتمية للالتزام السّابق، وتكاد أن تكون هذه الممارسة هي الأهم، فلا نجاح لقائد يفتقد المصداقية.
الممارسة الثّانية: إلهام الرّؤية المشتركة:
ويحققها التزامان أساسيان هما:
- وضع رؤية للمستقبل: عن طريق تخيل الأشياء المحتملة، وإيجاد هدف مشترك متوافق عليه، بحيث يسعى الجميع لتحقيقه بنشاط وحيوية.
- الحشد للرُّؤية: بجعلها رؤية ملهمة، وطموحة، ينشط الغالبية لتحقيقها؛ على أنّها تشاركية بينهم، وليست مربوطة بأفراد، أو حزب، وإنّما ضاعت الأموال، وفسدت الخطط، حين كانت فردية تنتهي بغياب المنافحين عنها.
الممارسة الثّالثة: تحدي طرق العمل:
ويخدمها الالتزامان التاليان:
- اقتناص الفرص: بالمبادرة، وإيجاد طرق مبتكرة للنُّمو والتَّجديد.
- خوض المخاطرة: من خلال تحقيق المكاسب الصّغيرة، والتَّعلم من التَّجارب، على أن تكون أي مخاطرة مغامرة محسوبة، وليست مقامرة متهورة.
الممارسة الرّابعة: تمكين الآخرين ومساندتهم:
ويتم ذلك بهذين الالتزامين:
- إيجاد بيئة متعاونة: تتميز بعلاقات متينة، وثقة عالية، وأهداف مشتركة، وسقف طموحات متماثل.
- تحفيز الآخرين: وأحسن تحفيز للاتباع يتمثل في إعطائهم حرية التَّصرف، وتنمية قدراتهم.
الممارسة الخامسة: التّشجيع المعنوي الصّادق:
ويبلغه القائد بالتزامين هما:
- الاعتراف بإسهامات الآخرين: بمنحها التّقدير المناسب، والحذر من نسبتها لغير أهلها.
- الاحتفاء بالقيم والإنجازات: فكل تقدم يستحق الاحتفال الملائم به؛ كي يصنع القائد منه خارطة تعاون واتحاد.
وفي الكتاب أمثلة، وشروحات، ووقائع، وهو سلس في القراءة، ويمكن قسمته إلى أوقات متفرقة، بقراءة كل ممارسة على حدة ومراجعتها، والأهم من ذلك أن تكون برنامج صناعة القادة، وسلوك القائد، مراعيًا لهذه الأسس والرّكائز؛ لإدراك الثّمرة المأمولة في وقتها، وعددها، ووصفها، ونفعها المبارك العام.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض
الثلاثاء 13 من شهرِ جمادى الأولى عام 1439
30 من شهر يناير عام 2018م
3 Comments
كلام ذهب وتطبيقه ليس صعب أبدا
جزاك الله خير شيخنا الحبيب
شكرا لكم يا خالد، وقطعا ليس مستحيلا على أهل العزائم.