أصدر مجلس الوزراء الموقر برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله وأيده- القرار رقم (584) بتاريخ 18 من شهر رجب عام 1445، وقد اعتمد هذا القرار المهم لائحة الاتصالات الرسمية والمحافظة على الوثائق ومعلوماتها. مشروع هذه اللائحة مقدم من المركز الوطني للوثائق والمحفوظات، تلاه مذكرات من هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، وثلاث توصيات من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ومجلس الشورى، واللجنة العامة بمجلس الوزراء، وهذه المذكرات والتوصيات تدل على أهمية اللائحة ومشروعها، وقد نشرت اللائحة في موقع المركز، وفي صحيفة أم القرى، وسسوف تطبق اللائحة استرشاديًا لمدة سنة، ويجمع مركز الوثائق آراء الأجهزة الحكومية لتطويرها بعد العرض على صاحب الصلاحية وصدور موافقته.
تقع هذه اللائحة في (44) صفحة، وتتكون ثلاثين قسمًا فيها سبعة وثمانون مادة. أول الأقسام يبين معاني تعريفات واردة في اللائحة وعددها خمسة وعشرون تعريفًا، ثم أهداف اللائحة وهما هدفان كبيران ظاهران في موادها أولهما: تنظيم المراسلات وتوحيد معاييرها الشكلية والموضوعية وضبط الإجراءات، والثاني: المحافظة على المراسلات والوثائق وحمايتها، ولذلك فإن هذه اللائحة تحول دون وجود فروق جوهرية في المراسلات، وتقود لإضفاء مزيد من الرزانة على المراسلات الحكومية شكلًا وموضوعًا، مع الحرص على التوحيد والتقريب قدر الإمكان لصناعة ثقافة مراسلات رسمية عريقة وراسخة.
يتلو هذين القسمين القسم الثالث عن عمليات الاتصال وهي داخل الجهاز ومع فروعه، أو مع غيره من الأجهزة، أو مع أشخاص ذوي صفة طبيعية أو اعتبارية، وقد تكون مع دول ومنظمات خارجية، فتنظيم الرسالة وتنسيقها. عقب ذلك تحدد اللائحة المعايير الشكلية للرسالة، وتتبعها المعايير الموضوعية للرسالة، وصولًا إلى صياغة الرسالة، ثم استكمال معلومات الرسالة، فالمرافقات، وهو القسم التاسع، وفي استخدام كلمة “المرافقات” بدلًا من “المرفقات” بلاغة وبراعة لغوية لا تستغرب، وهذا الرقي اللغوي سمة جليّة في اللائحة والحمدلله.
أما القسم العاشر فيبدأ في توضيح المراسلات الواردة، ويعقبه المراسلات الصادرة، ثم متابعة المراسلات الواردة والصادرة، ويختص القسم الثالث عشر بموضوع الاستعجال والأهمية والسرية، وبعده المحافظة على المراسلات أثناء نقلها بالبريد، وحماية الرسالة الواردة، والمحافظة على الوثائق التي تسلم مناولة للمسؤول، والمحافظة على الوثائق التي تنقل لأسباب استثنائية إلى خارج الجهاز، وكذلك المحافظة على الوثائق عند نقلها، والمحافظة على أصول الوثائق، فحماية الوثائق من التلف أو التلوث، وأخصّ منها المحافظة على سرية بيانات الوثائق ومعلوماتها، ثم حماية الوثائق الإلكترونية.
بينما فصّل القسم الثالث والعشرون في مسألة حماية الوثائق المرسلة بوساطة الوسائل التقنية والإلكترونية وهي البرقيات، والناسوخ “الفاكس”، والبريد الإلكتروني، ثم تطرق القسم اللاحق إلى حماية أجهزة الحاسبات والتصوير والإرسال والماسحات، وبعده حماية أجهزة الطباعة “النسخ”، فحماية المطبوعات الرسمية وأوعية الحفظ، وحماية أماكن الحفظ، وحدد القسم الثامن والعشرون شروط ومواصفات مباني وأماكن الحفظ، وجاءت بعدها أحكام عامة، ثم ختمت الأقسام بملاحق اللائحة، وهي ثلاثة ملاحق أولها نموذج استرشادي لتنظيم شكل الرسالة العام، والثاني نموذج فهرس المرافقات، وثالثها إيضاحات حول استخدام نموذج فهرس المعاملات، وهذه الإيضاحات على قسمين هما: استيفاء بيانات نموذج الفهرس، وإرشادات.
والمأمول – وهو ما سيكون- أن تعتني المؤسسات الحكومية بتطبيق هذه اللائحة، ومن ذلك أن تكون أمام ناظري مديري المكاتب قبل إمضاء أي مراسلة وتمريرها للتوقيع الأخير، وأن يديم القراءة فيها موظفو إدارات الشؤون الإدارية والقانونية والاتصالات والإعلام ومن في حكمهم، وقد يناسب إلحاق ذوي الشأن ببرامج تدريبية عملية متينة في الكتابة الإدارية، على أن تتخذ هذه البرامج من هذه اللائحة أصلًا تبنى عليه المادة العلمية والعملية؛ فالكتابة الإدارية المحكمة مهمة، والوصول إليها ليس بعسير بعد مران وحسن تهيئة وإعداد، وكلما ارتفع مستوى الكتاب المرسل ومن يصدر عنه من أجهزة وذوي صفة ومسؤولية زادت أهمية العناية بالتجويد الكتابي بلا حشو ولا نقص ولا خلل.
كما أن تحديث الأدلة الكتابية الصادرة من الأجهزة الحكومية غدا أمرًا ملحًا بعد صدور هذه اللائحة للتوفيق بين الأدلة القديمة واللائحة الجديدة. ومن تمام النصح وكمال الإخلاص أن تتواصل الأجهزة الحكومية كافة مع المركز الوطني للوثائق والمحفوظات بما لديها من اقتراحات وتطبيقات؛ كي تكون النسخة الثانية من اللائحة أكثر إفادة وعملية، وهذا الواجب كبير ولا مناص منه لبلوغ الغايات المنشودة.
إن هذه اللائحة المتين سبكها، المتماسك نظمها، الضابطة خطواتها، المعلّم مضمونها لمن يقرأ قراءة المستبصر المستفيد، لتسعى إلى الارتقاء بمستوى الاتصالات الرسمية شكلًا وموضوعًا بما يحقق الوضوح، والاختصار، والسرعة مع الإتقان في الإنجاز، ويرتفع بمستوى اللغة ومكانتها. كما تستهدف اللائحة الحفاظ على المراسلات والوثائق وحمايتها سواء الورقية منها أو الإلكترونية. وإنها للبنة من لبنات إحكام الأنظمة والإجراءات في العمل الرسمي بما يزيد من الدقة والضبط، والشفافية، والجودة، ويعين على المتابعة والحوكمة، ويحمي من الخلل حتى اليسير منه قدر المستطاع، خاصة بعد أن استبان الطريق لكل ناظر وناظرة.
الرياض- الاثنين 30 من شهرِ شوال عام 1446
28 من شهر إبريل عام 2025م
2 Comments
كاتبنا العزيز..
دوماً مقالاتك متجددة محملة بحس عالي من الوعي والمسؤولية تجاه “الارتقاء بمستوى الاتصالات الرسمية شكلًا وموضوعًا بما يحقق الوضوح،”، تكتب بسلاسة كمن يبحث عن موضع العطب ثم يخيطه بهدؤ ..
أصابت المقالة كبد المراسلات بسهم لما فيها من ملاحظات مهمة دقيقة ومقترحات متميزة..
👏🏻👏🏻
شكرا لكم والله ينفع بها وبهذه اللائحة المتميزة.