حزنت لخبر وفاة معالي الدكتور مطلب بن عبدالله النفيسة (1356-1446) -رحمه الله-، وكنت قد كتبت إبان حياته مقالًا عنه والحمدلله. وفي غمرة الحزن استذكرت الوزراء وأعضاء مجلس الوزراء الموقر الذين أدركتهم المنية وهم على رأس المنصب المرتبط بمجلس الوزراء، فوجدتهم خمسة عشر شخصًا، وسوف أعرّف بهم على عجالة هنا، فهي فرصة في هذه الخواتيم المباركة من شهر رمضان كي ندعو لهم بالرحمة والمغفرة، ولمن كان سببًا في التذكير بهم.
أول وزير توفي وهو في منصبه هو وزير الدفاع الأول الأمير منصور بن عبدالعزيز (1336-1370)، وكانت وفاته في مطار باريس في طريقه للعلاج بأمريكا، وعاد الجثمان وصلي عليه بمكة، وكان عمره آنذاك في أوائل الثلاثينات، وخلفه على وزارته شقيقه الأمير مشعل. ثم تلاه في الوفاة الأمير عبدالعزيز بن أحمد السديري (1324-1375) ثاني وزير للزراعة والمياه الذي توفي بعد أقل من مضي شهر على تسميته وزيرًا، وعمره حينها دون الخمسين، وقد خلفه شقيقه خالد على المنصب ذاته.
ثم توفي وزير التجارة والصناعة الأول بهذا المسمى الأستاذ عابد بن محمد صالح شيخ (1338-1391)، وأدركته المنية وهو يتلقى العلاج في بيروت، وتلاه فيمن نزلت به مصيبة الموت السيد عمر بن عباس السقاف (1343-1394) أول وزير دولة للشؤون الخارجية الذي توفي وهو يرأس الوفد السعودي في اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك، وكان آنذاك يدافع عن فلسطين بقوة، ورجع جسده المسجى إلى جدة حيث استقبله بحزن جمع من الأمراء والمسؤولين.
ثم فجعت البلاد والأمة بوفاة الملك فيصل (1324-1395) وله من العمر واحد وسبعون عامًا، وبعده توفي الملك خالد (1331-1402) في الطائف التي كان قد وصلها للتو قادمًا من الرياض، وقد أجرى قبلها عملية خطيرة أو أكثر في القلب. ثم بعد ذلك توفي فجأة الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ (1352-1407) ثالث وزير للمعارف وأول وزير للتعليم العالي، وكانت وفاته وهو يستعد لصلاة المغرب.
عقب ذلك انتقل الملك فهد ( 1340-1426) إلى رحمة الله بعد سنوات من المرض، وبعده نعى الديوان الملكي الدكتور غازي القصيبي (1359-1431) أول وزير للعمل بهذا الاسم، وقد توفي بعد معاناة مع المرض، علمًا أن القصيبي هو الوحيد الذي تولى بالأصالة المسؤولية عن خمس وزارات. وبعد القصيبي اختار الله الأمير سلطان (1349-1432) وزير الدفاع والطيران إلى جواره بعد أن أصيب بالمرض العضال ولم يمهله، وهو أول ولي عهد يتوفى، وتبعه شقيقه الأمير نايف (1353-1433) الذي توفي وهو وزير للداخلية وولي للعهد كذلك.
ثم توفي وزير الدولة د.عبدالعزيز الخويطر (1344-1435)، وهو عميد الوزراء بحق لأكثر من سبب، وبعده نعى الديوان الملكي الملك عبدالله (1343-1436) بعد مدة يسيرة من المرض، وتلاه الأمير سعود الفيصل (1358-1436) الذي توفي وهو وزير دولة ومستشار للملك ومشرف على الشؤون الخارجية، وهذه المهمة لم تكن لأحد قبله أو بعده، ولا غرو فهو من أكثر وزراء الخارجية في العالم خبرة، ومن أقدمهم. ثم جاء الناعي هذه الليلة ينقل بيان الديوان الملكي في وفاة د.مطلب الذي تولى الوزارة لثلاثين عامًا، وكان من رجال الدولة الكبار، وأحد الوزراء القانونيين العظماء، فاللهم ارحمهم، واغفر لهم، واجعل هذا المقال من أسباب الدعاء لهم، والسعادة التي تبلغهم في قبورهم.
أشير إلى أن أصغر هؤلاء الراحلين عمرًا هو الأمير منصور، وأكبرهم حين الوفاة هو الملك عبدالله فالوزيران الخويطر ثم النفيسة. وأولهم في سنوات الميلاد هو الملك فيصل والأمير عبدالعزيز السديري. كما يلاحظ أن جمعًا منهم تلاه أخوه على الوزارة بعد وفاته، أو هو خلف أخاه عليها كما في حال الشيخ حسن مع أخيه الشيخ عبدالعزيز ثاني وزير للمعارف، بينما تولى سعود الفيصل الخارجية بعد والده الملك فيصل. وقد توفي الأمير سلطان، والوزيران عابد شيخ والقصيبي وهم في المستشفى، كما توفي جل هؤلاء الراحلين في المملكة، بينما مات بعضهم في فرنسا أو أمريكا أو سويسرا أو لبنان. وقد شملت هذه الوفيات عهود ملوك المملكة السبعة، وأكثرها ما وقع في عهد الملك عبدالله.
أسأل الله أن يطيل في عمر المسؤولين أجمعين، ويطرح فيهم البركة ويمنحهم القوة والعافية، وأن يغفر لنا جميعًا ويرحمنا أحياء وأمواتًا، وأن يعين الكافة على خدمة البلاد والعباد، وتحقيق المصالح الآنية والمستقبلية، والله يجعل العمل كله مبرورًا في صحائف الأعمال، كي يجدها العاملون عند الرب العزيز الرحيم الغفور. هذا وإن التذكير كرة أخرى لا مفر منه بضرورة الدعاء للسالفين بالرحمة والمغفرة، ولراحلنا الليلة بالثبات حين السؤال، وبالأنس في أول أيامه البرزخية؛ فهذه هي غاية الكتابة.
الرياض- ليلة الجمعة 28 من شهرِ رمضان المبارك عام 1446
28 من شهر مارس عام 2025م