شريعة وقانون عرض كتاب قراءة وكتابة

حوكمة القوانين وفشل التشريعات

حوكمة القوانين وفشل التشريعات

هذا الكتاب عنوانه: حوكمة القوانين في فشل التشريعات، تأليف: القاضي مهيمن عزيز خليفي، صدر عن منشورات الحلبي الحقوقية عام (2024م). عدد صفحاته (256) صفحة، مكونة من إهداء وتقديم عام ومقدمة وجزئين. في كل جزء مبحثان، ثم خلاصة لكل جزء في ختامه. أما خلاصة الكتاب ومراجعه فهي آخر ما في هذه الدراسة العربية عن موضوع مهم. هذا الكتاب فيه علوم عديدة: قانون، وسياسة، وإدارة، ولغة، واجتماع.

يجب أن يحظى أي تشريع بالنفاذ القانوني والنفاذ الفعلي. إذا لم يحدث ذلك، وأصيب القانون بالفشل؛ فربما يرجع السبب إلى نقص الموارد، أو غياب السبل التي تترجم القانون إلى فعل. من الأسباب أن القانون لم يتغيا الصالح العام؛ ولذلك جوبه برفض شعبي. هذه الحال تجعلنا أمام حرج يحيط بالمشهد التشريعي في جوانبه الشكلية، أو الإجرائية، أو المضمونية، مما يقودنا حتمًا للحديث عن حوكمة القوانين لدرء فشل التشريعات.

إن النجاح في التشريعات صياغة وإعدادًا وتطبيقًا هي من أجلّ مهمات السلطة السياسية عمليًا، ويساعد على تحقيق هذا الهدف الباحثون عبر قراءتين أولاهما استكشافية تنبش عن بواعث الفشل التشريعي، ودواعي انزياح التشريعات عن كونها أداة لتحقيق الصالح العام. أما القراءة الثانية فهي استكشافية للإسهام في بناء أسس سليمة وثابتة لنمو الفعل التشريعي، منطلقة من تشخيص العلل الساكنة في بواطن عملية التشريع.

تستهدف الحوكمة التشريعية تحقيق الشفافية في صياغة التشريعات بما يضمن إعداد القوانين ونشرها بأعلى كفاءة ونجاعة ممكنة. إن الحوكمة الرشيدة متطلب أساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية، والاستقرار السياسي والأمني، والرضا المجتمعي. يكتب النجاح لحوكمة القوانين إذا توافر لها إطار مؤسسي يؤدي إلى إنتاج تشريعات فعالة وقادرة على ترتيب التغيير في الواقع، مع توافر نظام يكفل الرقابة على فاعلية التشريعات، ورصد الخروقات الواقعة على القوانين. إن المدلول العام للحوكمة يعني السلامة القانونية للتشريعات بما يكفل تحقيق ثلاث وظائف هي: وضوح المعايير، ويسر الإجراءات، وسرعة حسم المنازعات.

لحوكمة القوانين خصائص، منها المشاركة في صناعة القرار من قبل الشخص الطبيعي أو المعنوي بما يدعم الثقة في مؤسسات صناعة التشريعات، ويعزز التشاركية المجتمعية، ويقصي السلطوية المؤسسية والتعالي المعرفي. منها كذلك فتح قنوات تواصل مع المواطنين تعزيزًا للشفافية. يضاف لها تأمين عنصر المساءلة والمحاسبة بما يضمن قدرًا عاليًا من الكفاءة والفعالية مع الحرص على الرضا العام. إن توافر هذه الخصائص الثلاث تجعل القانون محكمًا مفهومًا مقبولًا، ويسعى الكافة إلى توقيره وتطبيقه. تجمع هذه الخصائص بين الشكل والموضوع، بما يضفي على التشريع أوصاف العدل والتناسق والمعقولية، وهي معايير التشريع الجيد عند بعض أساتذة القانون.

يدرس الجزء الأول حوكمة القوانين من جهة الصياغة التشريعية، وفيه بيان لمتطلبات الصياغة التشريعية الحسنة، وتركيز على أبعاد مبدأ الوضوح في التشريع. خلاصة هذا الفصل الإلزام بحسن الصياغة، وأن تُكسى التشريعات بالوضوح؛ لأن المطلوب من المتلقي الانصياع والتنفيذ، وهذا لا يكون مع الغموض. يوصي المؤلفُ الصائغَ بأن ينظر بعين شاملة وغائرة في آن واحد، فيتبع ما تستوجبه قواعد اللغة الوطنية -العربية هنا- وأسس اللغة التشريعية،  ويحيط باللحظة التشريعية وما سبقها وما قد يلحقها.

ثمّ كان من المنطقي قصر الجزء الثاني على حوكمة التشريع من جهة المضامين، وفيه بحث عن تجسيد القبول الاجتماعي وأسسه، وآخر عن تحقيق القبول الدستوري بمراعاة التدرج، والمقارنة، وتحاشي القصور التشريعي، وتعزيز كفاءة المشرع. لهذه الحوكمة جناحان: مجتمعي بالمشاركة وفتح قنوات التواصل، ودستوري يراعي سمو الدستور، وتباين قوة القوانين واللوائح.

يتحقق المطلب الوارد ضمن جزئي الكتاب بالتأني، والاستئناس بالتجارب الأخرى، وإيجاد منصة رقمية موحدة لعرض جميع القوانين والتشريعات قبل إقرارها، والإفادة من مقترحات الكاقة وملحوظاتهم. منها كذلك الحرص على التصويت الفردي على كل قانون في المجالس المختصة، وبناء منهجية عمل تؤدي إلى تشذيب القوانين ومنع التكرار وتكاثر القوانين، وهي صلاحية مهمة جديرة بتكوين هيئة تعتني بها ضمن الجهاز التشريعي، الذي ينبغي له تأمين متطلبات الصياغة الجيدة، وضمان تطبيق القوانين بعد توافر سلامتها الدستورية.

إن هذا الكتاب المختصر، والمنبثق من التجربة التونسية، لجدير بأن يكون فاتحة باب علمي وعملي نحو هذا الجانب الحيوي والمهم من المسائل القانونية، ذلك أن القانون والنظام والتشريع إنما صدرت من أجل إسعاد الناس، وضبط المجتمعات، وجلب المصالح، ودفع المفاسد، والظفر بالتنمية والأمن والاستقرار. هذه الغايات الجميلة التي نؤمن بها ينغص عليها تعثر التطبيق أو فشله أو رفض التشريعات أو تناقضها، وهو ما يوجب اعتماد سياسة حوكمة القانون؛ تحقيقًا للصالح العام، وحفظًا للمصالح العليا، وتفاعلًا مع مقتضيات التنمية.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الثلاثاء 28 من شهر ربيع الأول عام 1446

01 من شهر أكتوبر عام 2024م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)