وزراء عملوا في مؤسسات إقليمية ودولية
العمل في المنظمات الدولية مكسب تحرص عليه كثير من الدول، تمامًا مثل السعي للفوز باحتضان مقر أي منظمة حال تأسيسها. للسعودية حضور بارز في المنظمات الإقليمية والدولية. يكفي للدلالة على هذا الحضور السعودي أن أول خليجي أسس ثمّ ترأس منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة هو السفير الشيخ عبدالمحسن السديري، وهو بالمناسبة ثاني عربي يقف على رأس منظمة دولية هي الصندوق الدولي للتنمية الزراعية “إيفاد”، ومن أوائل المسلمين في هذه المواقع إن لم يكن أولهم. يؤسفني أن هذه المعلومة تغيب عن كثيرين، وبعضهم يدرسون لطلاب الحقوق مادة القانون الدولي.
لأجل ذلك حصرتُ أعضاء مجلس الوزراء السعودي الموقر الذين عملوا في منظمات دولية أو إقليمية، شريطة ألّا يرتبط عملهم بمنصبهم الوزاري ويتزامن معه. لم أحصر عضوية المؤسسات والمنتديات والمجالس لكثرتها، وصعوبة تتبعها؛ ولارتباط أكثرها بالمنصب الوزاري، وبالتالي فهي تابعة للمنصب لا مستقلة عنه. بناء على هذه المعايير وجدت أن واحدًا وعشرين وزيرًا عملوا قبل الوزارة أو بعدها في منظمات وهيئات دولية. أولهم الأمير طلال بن عبدالعزيز الذي استوزر عام (1372=1953م)، وأسس ثم ترأس رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية، وآخرهم الأستاذ محمد بن عبدالملك آل الشيخ المعين وزيرًا عام (1436=2015م)، وبالتالي فالعضوية الدولية والإقليمية توافقت مع جميع العهود الملكية، وفي أغلب تكوينات مجلس الوزراء.
كما تبين أن أكثر المنظمات التي عمل فيها الوزراء هي رابطة العالم الإسلامي، ثمّ صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي للإنشاء والتعمير. هذا التكرار يتسق مع المكانة الإسلامية والاقتصادية للمملكة، وثقلها فيهما. أما أكثر الوزارات التي عمل وزراؤها في منظمات دولية فهي المالية والاقتصاد ثمّ التخطيط والعدل والإعلام والصحة والحج. يقابل هذا التنوع تفاوت في المدة التي قضاها الوزراء في منظماتهم؛ فبعضهم طال مكوثه بعيدًا عن البلاد خلافًا لآخرين. مما لاحظته كذلك أن من وزراء هذه القائمة من سبق الوزارة بالعمل في منظمة دولية، أو صار عقب الوزارة في منظمة دولية؛ ولا غرو فالمخلصون على أهبة الاستعداد للخدمة دائمًا.
أيضًا عمل بعض الوزراء في منظمات دولية أساسية، مثل عضوية الشيخ إبراهيم العنقري في الوفد السعودي لدى الأمم المتحدة بنيويورك، وتمثيل د.عبدالوهاب عطار للسعودية في المقر الأممي بجنيف. وقد مثّل المملكة أو عمل في صندوق النقد والبنك الدولي وزراء هم: د.إبراهيم العساف، وأ.خالد القصيبي، ود.جبارة الصريصري، ود.محمد الجاسر، وأ. محمد آل الشيخ. يضاف لهذه القائمة المدة الطويلة التي قضاها د.حسين الجزائري في منظمة الصحة العالمية مسؤولًا عن منطقتنا الواسعة، وعضوية م.وليد الخريجي في الفاو ومنظمة حظر الأسلحة الكيمائية. وللأستاذ هشام ناظر مسؤولية قديمة عن مقعد المملكة في مجلس محافظي أوبك إبان نشأتها.
بينما عمل وزراء آخرون في منظمات إسلامية مثل رابطة العالم التي أنيطت أمانتها بخمسة وزراء هم المشايخ المحمدون: الصبان والحركان ود.العيسى، والمشايخ العبادلة: د.العبيد وأ.د.التركي، ومثل أمانة منظمة المؤتمر الإسلامي التي تولاها وزيران سعوديان متتاليان هما: الأستاذ إياد مدني الذي لم يطل مقامه فيها، ود.يوسف العثيمين، وكذلك البنك الإسلامي الذي عين لإدارته الوزيران د.بندر حجار، ود.محمد الجاسر.
أما خليجيًا فيظهر لنا مكتب التربية الذي أداره الوزير أ.د.محمد الرشيد، أو المجلس النقدي الذي ترأسه د.الجاسر، أو أمانة مجلس التعاون لدول الخليج التي أسندت للشيخ جميل الحجيلان بعد جولات ساخنة، وهو الذي كاد أن يصبح ثاني مندوب للسعودية في الأمم المتحدة بعد وفاة سميه البارودي لولا تدخل الملك فهد -رحمه الله-، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله ورعاه- وشفاعتهما للسفير السعودي المتألق في باريس بناء على طلبه عند الملك خالد -رحمه الله-، القصة بتمامها في مذكرات الحجيلان المتاحة حاليًا في معرض الكتاب.
إن المشاركة في المنظمات الدولية والإقليمية تعكس قوة الدولة وتأثيرها. إن بلادنا لجديرة بأن تسابق إلى مقاعدها المستحقة، وأن تسابق إليها المنظمات الدولية بالمقابل. في هذه المشاركات فوائد شتى، مثل بناء العلاقات، والتغلغل داخل أروقة مهمة، وإدراك الخفايا، وامتلاك زمام التأثير الحسن. كل هذه الفوائد وغيرها تعزز السعي الدؤوب لتكثيف الحضور في تلك المؤسسات، واختيار الأكفأ والأنسب لها من مسؤوليها. رحم الله الراحلين منهم، ووفق الأحياء، وأعان من يمثل البلاد حاليًا أيًا كانت منظمته، ولعل عضويتهم الآن أن تغدو تقدمة خير لهم في شأنهم كله.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الأحد 26 من شهر ربيع الأول عام 1446
29 من شهر سبتمبر عام 2024م
