سياسة واقتصاد سير وأعلام

محاسبون ووزراء!

محاسبون ووزراء!

إدارة المال، وجلبه، وتثميره، وحفظه، ومتابعته، والحيلولة دون أي تلاعب يمسه، أو شبهة فساد تحوم حوله، إحدى المهمات الجليلة التي تنوء بحملها الحكومات، وتسندها لوزارات وهيئات ودواوين، تختلف أسماءها بين مالية ومراقبة ومحاسبة ومكافحة فساد ونحو ذلك ممن خلفوا صاحب الاستخراج قديمًا. من التخصصات المهمة لتحقيق هذه الغاية العظيمة الإدارة المالية، والمحاسبة، وتخصصات حديثة لدرء الفساد، والتضييق على غسيل الأموال، وهي تخصصات مطلوبة في جميع درجات السلم الإداري، ومن لم يتمكن من دراستها فسيحرص على التبصر بتطبيقات المالية والمحاسبة ومكافحة الفساد وغسيل الأموال ولو لم يك من أهلهما من خلال برامج تدريب حقيقية، وكتب تعليمية نافعة، فهي من واجب الأمانة، ومن أعلى الأهداف التي تسعى لها الحكومة دون محيد.

لأجل ذلك، دخل إلى عضوية مجلس الوزراء السعودي الموقر اثنا عشر محاسبًا حتى الآن ابتداء من عام (1384=1964م) حتى عام (1442=2021م)، وعضوية بعضهم قائمة الآن. بل إن ضبط الحساب، وقوة المتابعة، وحضور الذاكرة والذهن، وجمال الخط، وحسن التنظيم مع مزايا أخرى كانت من أسباب انتقاء الملك المؤسس عبدالعزيز -رحمه الله- لأحد أقرب الرجال منه وأكثرهم تأثيرًا بعد تكوين الدولة الحديثة، وهو الشيخ الوزير عبدالله السليمان -رحمه الله وجميع من سيذكر من الراحلين-؛ وهو أول وزير للمالية، وأول وزير للاقتصاد، وثاني وزير في تاريخ وزراء السعودية.

فأول وزير درس المحاسبة حسبما أعلم هو الشيخ حسن المشاري وزير الزراعة (1384-1395=1964-1975م)، وكان قبل هذه العضوية وكيلًا لوزارة المالية. ثمّ انضم إلى المجلس عام (1391=1971م)  ثلاثة وزراء ممن تحصلوا على شهادة المحاسبة؛ وسوف أذكرهم حسب تاريخ التعيين. أول وزيرين سميا وزيرين في يوم واحد هما: الشيخ عبدالوهاب عبدالواسع الذي أصبح وزير دولة إضافة إلى مسؤوليته عن هيئة الرقابة والتحقيق، ثم أسندت إليه وزارة الحج والأوقاف بين عامي (1395-1414=1975-1993م)، وله قبل الوزارة خبرة بإدارة الميزانية في وزارة المالية، علمًا أنه أطول الوزراء المحاسبين في العضوية المجلسية حتى الآن.

والوزير الثاني هو الشيخ عبدالعزيز القريشي، الذي كان مديرًا لسكة الحديد، وأصبح بعدها وزير دولة ورئيسًا لديوان الخدمة المدنية (1391-1394=1971-1974م)، وعقب ذلك اختاره الملك فيصل، بناء على ترشيح من وزير المالية الأمير مساعد بن عبدالرحمن، ليتولى مسؤولية مؤسسة النقد –البنك المركزي-، وهو رابع محافظ لها، وأول سعودي يصل إلى هذا المنصب الحيوي.كما أصبح في السنة نفسها الشيخ محمد العوضي وزيرًا للتجارة والصناعة، واستمر وزيرًا بين عامي (1391-1395=1971-1975م)، ومما يميز الوزير العوضي أنه نال شهادة المحاسبة بالمراسلة من بريطانيا، هذا غير إجادته اللغة الفارسية واللغة التركية، ولذا عمل سفيرًا للمملكة في أنقرة.

أما الشيخ محمد بن إبراهيم مسعود فصار وزير دولة وعضوًا بالمجلس بين عامي (1395-1416=1975-1995م)، وقد درس المحاسبة وحصل على الشهادة الجامعية من لبنان، وربما أن أكثر أعماله المجلسية تقترب من الشأن الدبلوماسي وما يحيط به من مسؤوليات جسام وحساسة. وبين عامي (1407-1416=1987-1995م) صدر أمر ملكي بتعيين الأستاذ عمر فقيه وزير دولة وعضوًا في المجلس مع المسؤولية عن ديوان المراقبة. إن العلاقة ظاهرة بين المحاسبين والأجهزة الحكومية المعنية بالرقابة والمحاسبة والنزاهة.

وفي مجلس الوزراء الذي كونه الملك فهد عام (1416=1995م) دخل إلى عضوية المجلس ثلاثة وزراء محاسبين معًا هم: الأستاذ أسامة فقيه وزير التجارة بين عامي (1416-1424=1995-2003م)، وبعد ذلك تولى رئاسة ديوان المراقبة. الوزير الثاني هو أ.د.مدني علاقي وزير الدولة لمدة ثمان سنوات، وكان قبل ذلك وكيلًا لجامعة الملك عبدالعزيز، والثالث هو الأستاذ مساعد السناني الذي عين وزيرًا للعمل والشؤون الاجتماعية (1416-1420=1995-1999م) بعد أن ترأس مؤسسة التأمينات، ومجلس إدارة بنك البلاد بعد الوزارة، علمًا أن عددًا من الوزراء المحاسبين أكملوا دراساتهم العليا، ولكن في تخصصات أخرى، باستثناء الوزير السناني الذي درس المحاسبة في مرحلة الماجستير أيضًا.

ثم اختفت مهنة المحاسبة من تخصصات الوزراء ابتداء من عام (1424=2003م) حتى عادت عام (1436=2015م) في عهد الملك سلمان -حفظه الله ورعاه- بتعيين الأستاذ ماجد الحقيل وزيرًا للإسكان ثم غدا وزيرًا للبلديات والإسكان. وفي عام (1438=2017م) سمي د.عواد العواد وزيرًا للثقافة والإعلام، وهو الذي أكمل دراسته العليا في الماجستير والدكتوراة بتخصص الإدارة المالية، وله خبرة سابقة بأعمال الاستثمار والسفارة، وظل وزيرًا حتى عام (1440=2018م). أخيرًا في عام (1442=2021م) عين الأستاذ فيصل الإبراهيم وزيرًا للاقتصاد والتخطيط، وهو يحمل أكثر من شهادة جامعية وعليا إحداهن في تخصص المحاسبة، والبقية في الاقتصاد والإدارة، علمًا أنه أحد وزيرين أدوا القسم بعد التعيين بواسطة الاتصال المرئي إبان أزمة كورونا.

أسأل المولى لجميع المسؤولين أيًا كانت مراتبهم وأماكنهم التوفيق وفيوض المدد، والسداد والنجاح، وأن ييسر الله عليهم أداء الأعمال المرجوة منهم لتحقيق الأهداف والرؤى بأكبر قدر من الإتقان والأمانة، ذلك أن تلك النتيجة هي التي تنجيهم من المحاسبة والحساب إن في الدنيا وأمرها مهما عظم فهو يسير، أو في الآخرة، وهي التي مثلها يُخشى. بعد ذلك فالتحية مرسلة مني للمحاسبين النبلاء وهم كثر، وإنهم لأهل دقة شديدة، وكتمان متجذر، ولا ريب فإن العاملين في تخصصات مالية، وقانونية، تغلب فيهم هذه السمات التي لا تصلح أعمالهم -هم على وجه الخصوص- بدونها، والله يعينهم، ويعين من تقارب منهم!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الأحد 05 من شهر ربيع الأول عام 1446

08 من شهر سبتمبر عام 2024م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)