ثلاثة وزراء وأكثر من وزارة بالأصالة!
الأصل المستقر حسبما جرى عليه العرف الطويل، أن تسند وزارة واحدة لكل وزير من أعضاء مجلس الوزراء الموقر، وليس في نظام المجلس الصادر آخر مرة بأمر ملكي عام (1414=1993م) أي مادة صريحة تفصل في هذه المسألة بوضوح جازم كما أفهم، وأما النظام الداخلي للمجلس فلا أعلم عنه. وبناء عليه فليس من المعهود أن يتولى وزير واحد أكثر من حقيبة بالأصالة في الوقت ذاته، ولا ينفي هذا حدوث التنقل بين حقائب المجلس كما سبق لي حصره وبيانه.
وإذا خلا منصب الوزير من شاغله لأي سبب، ولم يخلفه وزير آخر مباشرة، فمن المعتاد أن توكل مهمة الوزارة الشاغرة مؤقتًا إلى وزير آخر من الأعضاء الحاليين ساعتها، وغالبًا ما يكون وزير دولة، ولا يمنع ذلك من أن تحال هذه المسؤولية لوزير مسؤول عن حقيبة وزارية، مثلما أسندت وزارة التعليم العالي عدة سنوات للدكتور عبدالعزيز الخويطر وهو وزير للمعارف حينها، ومثل تكليف الدكتور ماجد القصبي بوزارة البلديات ثم وزارة الإعلام، مع بقائه وزيرًا بالأصالة للتجارة.
وفي سجل تاريخ تعيين الوزراء -رحم الله الراحلين وحفظ الباقين- بداية من عام (1349=1930م) إلى لحظتنا هذه، وفي جميع حالات تكوين مجلس الوزراء الموقر ابتداء من عام (1373=1953م)، وحتى يومنا الحاضر، لم يجمع وزير واحد بين أكثر من وزارة بالأصالة باستثناء ثلاثة وزراء، وهم من أقدم الوزراء في التسمية، ومن أقدمهم في العضوية المجلسية، وبالتالي فبعضهم هو الوزير الأول لوزارته، وهذه المعلومات المهمة قد تخفى على بعض الكتّاب والباحثين في تاريخ الوزراء والوزارات، فضلًا عمن يكتفي بالنقل دون مزيد تتبع وتقميش، علمًا أن هذه المعلومات متاحة في صحيفة أم القرى، وسبق أن ذكرها إجمالًا مع غيرها الأستاذ قاسم الرويس في مقال استقصائي جميل له عن الوزارات والوزراء نشر في صحيفة الاقتصادية.
فأول وزير جمع بين وزارتين معًا في زمن واحد، هو الأمير فيصل -الملك لاحقًا-، الذي جعله والده الملك المؤسس عبدالعزيز وزيرًا للداخلية إضافة لمنصبه السابق وزيرًا للخارجية، فجمع الأمير بين الوزارتين عدة سنوات تقع بين عامي (1350-1353=1931-1934م)، وربما لا يتفطن بعضنا لهذه المعلومة؛ بسبب غلبة اسم النيابة العامة ومنصب النائب العام على وزارة الداخلية والمسمى المرتبط بها، خاصة أن الوزارة دمجت من جديد داخل النيابة بعد سنوات من فصلها، فاختفى اسمها قريبًا من خمسة عشر عامًا.
وفي عام (1370=1951م) أعيد إنشاء وزارة الداخلية كرة أخرى، وأصبح وزيرها الثاني الأمير عبدالله الفيصل، الذي جمع بذلك بين وزارتي الداخلية والصحة خلال ثلاثة أعوام (1370-1374=1951-1954م) إلى أن استقال من منصبه الوزاري في المحرم عام (1374)، والملاحظ في هذه المعلومة أن الجمع بين وزارتين، والتعاقب على وزارة واحدة، واشتراك الأب والابن في تأليف وزاري واحد، كان خصيصة انفرد أو سبق بها الملك فيصل، ونجله الأكبر الأمير عبدالله، فكان الانفراد بالخصيصة الأولى مع ثالثهما كما سيأتي، والسبق بالثانية والثالثة؛ إذ تلاهما عدة نماذج للتعاقب والاشتراك.
ثمّ أصبح الوزير الأول -من غير أبناء الأسرة الملكية- أي الشيخ عبدالله بن سليمان الحمدان، ثالث وزير يجمع بين وزارته العتيقة العتيدة أي وزارة المالية التي كلف بها منذ عام (1351=1932م)، وبين وزارة الاقتصاد التي أنشأت عام (1372=1953م)، وحدث الجمع بينهما خلال مدة قصيرة بين عامي (1372-1374=1953-1974م)، وبعد استقالة الشيخ السليمان في مستهل عام (1374=1954م) دمجت الوزارتان معًا، وهما أول وزارتين دمجتا مع بعضهما، وسمي الشيخ محمد سرور الصبان أول وزير للوزارة الجديدة التي حملت اسم المالية والاقتصاد الوطني إلى عام (1424=2003م) وهو العام الذي سلخ الاقتصاد فيه عن المالية. ونلاحظ هنا أن الأمير عبدالله والشيخ عبدالله قد اجتمعا في عضوية مجلس الوزراء في تكوينه الأول، وفي تكوينه الثاني، وكل واحد منهما مسؤول عن وزارتين معًا.
أما الوزير الوحيد الذي تولى المسؤولية عن ثلاث وزارات بالأصالة مدة واحدة، فهو الأمير -الملك- فيصل، الذي جمع مع وزارة الخارجية منصبي وزير الداخلية والمالية بين عامي (1378-1380=1958-1960م)، وكان قبلها قد أصبح بناء على أمر أصدره الملك سعود وزيرًا للخارجية وللمالية معًا بين عامي (1378-1380=1958-1959م)، وفي الأمر نفسه سمي الشيخ عبدالله بن عدوان وزير دولة للشؤون المالية والاقتصادية، وحتى كتابة هذا المقال ليس لدي علم يقيني إن كان الشيخ ابن عدوان عضوًا في المجلس أم لا.
وهذا الجمع الفريد يزداد ندرة إذا علمنا أن الفيصل وقتها كان وليًا للعهد ورئيسًا لمجلس الوزراء، وبالتالي فهو رئيس مجلس الوزراء الوحيد الذي تولي مع رئاسة الوزارة حقيبة طويلة مدتها هي الخارجية إبان كونه وليًا للعهد وملكًا فيما بعد، وتولى مع رئاسة مجلس الوزراء وولاية العهد المسؤولية عن وزارتين هما: الخارجية والمالية، ثم غدا لمدة قصيرة رئيسًا للوزراء ومسؤولًا عن ثلاث وزارت هي: الخارجية، والمالية، والداخلية.
أسأل الله المولى أن يتغمد برحمته وعفوه أولئك العظماء الراحلين، وأن يوفق من آلت إليه هذه المهام الجسام، والأعمال الثقال، وأن يعين الجميع لما فيه الخير العاجل والآجل، والغنم القريب والبعيد، والأمن الظاهر والباطن، والعزة الإقليمية والدولية، والمنعة في البر والبحر والجو، والنماء في كل شأن وباب، والازدهار الذي لا يتوقف ولا يتراجع، حتى يجد بركاته وخيراته الحاضرون والقادمون، وحتى ينقمع بمحاسنه ومباهجه ونعمائه المفسدون والمرجفون، وما ذلك على الرب القدير بعزيز.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
ليلة الخميس 19 من شهرِ محرم عام 1446
25 من شهر يوليو عام 2024م
3 Comments
معلومات قيمة *** وجديرة بالتأمل والتذكر والتفكر *** والإستقصاء للإستفادة والإفادة فيما يعودد على الوطن بالخير والنّماء والبناء *** أحسنت أحسن الله إليك وغفر لي ولك ولوالدي ووالديك *** حفظ الله بلادنا وأهلها وأمتنا وحماها من الشر والأشرار وسوء الحال والأحوال *** وجعلها عونا و منارة يستنير بها قاصديها ومحبيها من كل شعوب الأرض أهل الصلاح الأبرار
اللهم آمين
عبدالله الفيصل
رغم مكانته وحجمه
يقول في مقابلة له
أن من الأشياء التي ندم عليها: (العمر الذي ضيعته في الوظيفة الحكومية)! مع تولى وزارتين بالأصالة