عرض كتاب قراءة وكتابة لغة وأدب

قواعد في تحرير المكاتبات الرسمية

قواعد في تحرير المكاتبات الرسمية

وصلني يوم أمس -بعد زمن من الانقطاع لأسباب صحية وغيرها- كتاب فيه جملة من العلوم والمعارف والمهارات النافعة، عنوانه: قواعد تحرير المكاتبات الرسمية وأهم مبادئ الإملاء، تأليف: المستشار محمد بن عبد العزيز الرشيد، صدرت الطبعة الأولى منه عام (1444=2023م). يقع هذا الكتاب التعليمي المختصر في (126) صفحة، استهلها المؤلف الرشيد بصنيع رشيد حينما جعل الإهداء لوالدته فاطمة الفوزان، ولزوجه وأولاده، ثمّ لأسباطه الذين اقتحموا مكتبته متجاوزين الحظر وإن كانت قواعده صارمة، كاسرين الخلوة المحببة للنفوس ولو ساعة من نهار أو ليل، مخترقين الحرية التي يطلبها كل إنسان، وبالتالي تضاعفت مدة إعداد هذا الكتاب، والله يصلحهم؛ فلأجل عين تكرم مدينة!

ذكر المؤلف في المقدمة أن إدارة مركز التدريب والتطوير في الديوان الملكي طلبت منه تنظيم برنامج في قواعد التحرير وآخر في قواعد تحرير المكاتبات الرسمية في الديوان، ومع أن الاتفاق تم على تنفيذ ذلك البرنامج مرة واحدة فقط، إلّا أنه تكرر غير مرة، مما أثبت الحاجة لمثل هذا البرنامج التدريبي، ولكتب نافعة واضحة مختصرة في بابه، وهو سبب دافع لتأليف كتاب الرشيد ونشره، علمًا أني مع كثرة البحث والقراءة في هذا الباب، ولوجود علاقة لي بموضوعه ربما أقص خبرها قريبًا، أجد أن الكتابة الإدارية -حسب بحثي وجهدي- لم تخدم بما يكفي مثل الكتابة الأدبية أو القانونية، مع الاعترارف بجهود وأعمال مشكورة غير أن الروض أنف، والميدان فسيح لم تمتلئ ساحاته بَلهِ الدروب المؤدية إليه.

يتكون كتاب المستشار الرشيد من اثني عشر بابًا، جميعها في أبواب نظرية، والباب الثاني عشر تطبيقي عملي، إضافة إلى إلحاق تطبيقات، ونماذج، تعين القارئ الباحث على مزيد تمهير ومعايشة فعلية للمادة، دون الاكتفاء بالشق النظري على أهميته، وهذه الزيادة من المؤلف حصيفة كي لا يقول قائل إن المادة خلو من الواقع، وهي متوافقة مع أصل الكتاب ومادة الباب الثاني عشر، خاصة أن ذلكم الباب هو لب البرنامج التدريبي، والتدريب مرتبط غالبًا بالتطبيق، ويزيد ذلك كله أن للمؤلف خبرة بهذا العمل في الديوان الملكي، ومجلس الشؤون السياسية والأمنية، وقبلهما في هيئة الرقابة والتحقيق.

وقد خصص المؤلف الأبواب الستة الأولى لموضوعات في الإملاء فما أقبح الخطأ فيه، ومنها باب عن علامات الترقيم، وآخر لما يكتب ولا ينطق أو العكس، ثم جعل الباب السابع والحادي عشر لمسائل نحوية وما أجدرهما بالتجاور، وما أجمل الإعراب وأقبح اللحن. أما الباب الثامن والتاسع فعن تعبيرات وتراكيب وألقاب، وهذا المجال مهم للكتاب لما فيه من اختصار، وحشد للمعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة، ومثلها مصطلحات العلوم والفنون، ومع الأسف أن التراكيب والمصطلحات ربما تهمل أحيانًا، والتوازن مطلب كي لا تطغى الصنعة الأدبية على الكتابة الإدارية، هذا غير أن الألقاب مهمة ولها مزية منفردة؛  تقديرًا لذوي المقامات، ومنعًا لأي لبس أو غضبة. ولا أجد مسوغًا يتسق مع نفس الكتاب لإدراج موضوع الباب العاشر عن كتابة السيرة الذاتية الوظيفية، وإن كانت قريبة من الكتابة الإدارية والوظيفية، لكن سياق الكتاب بعيد عنها فيما يظهر لي، ومن المؤكد أن المؤلف لديه وجهة نظره بحكم الممارسة التدريبية في هذا المسار.

ثم تسوقنا هذه الأبواب بروية وتدرج إلى آخرها وهو ثمرة للعلم؛ إذ هتف العلم بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل كما قال أسلافنا، ومضمون الباب الثاني عشر هو محتوى البرنامج التدريبي والتطبيقي في قواعد تحرير المكاتبات الرسمية الذي وضعه المؤلف ودرب عليه كما سلفت الإشارة، ولذلك وضع فيه المدرب الموفق خلاصات عملية للكتابة الرسمية، وطريقتها، ومكوناتها، مع التفريق بين أنواع هذه المكاتبات، وما فيها من كتاب أو برقية، أو عرض، أو مذكرة، أو تقرير، مع التركيز على التلخيص وإعداد التقرير وكتابة العرض والمحضر والمذكرة، وهي فنون كتابية تعبر بأي منظمة إدارية أيًا كانت حكومية أو مجتمعية أو تجارية، وعليها فالحاجة لها لا تنقطع، وهي حاجة ماسة ترتقي بها إلى منزلة الضرورة، وفشو الوعي الثقافي تحميها من الهبوط إلى مرتبة التحسين المجرد فقط.

وقبل ختم الكتاب بالمراجع والفهرس مع تعريف مختصر بكاتبه على الغلاف الخلفي، وضع المؤلف جداول فيها أخطاء لغوية شائعة، وكلمات أجنبية تستعمل مع الأسف دون اعتبار لحق اللغة، وتوافر المقابل بأكثر من مرادف، وفي فصول الكتاب جداول فيها تعابير وتراكيب. وهذه الأقسام من العلم فيها مؤلفات كثيرة، موجزة ومسهبة، ولا تخلو من اجتهادات محل نظر، ولا عجب فلسان العرب لا يحيط به إلّا نبي كما قال الإمام الشافعي، ومن عرف لغة العرب لم يكد يلحن أحدًا كما قال الرواية الأصمعي -رحمهما الله-. ووددت لو أشار المؤلف لبعض هذه الكتب عقب تلك الجداول؛ كي يعود لها الموظف الكاتب المجتهد، وإن ظهرت بعضها في مراجع الكتاب.

إن الكتابة الإدارية عمل يومي بل ربما أنه يتكرر على مدار الساعة فما دونها، وهو عمل مهم وجليل وخطير كذلك؛ ولأنه كذلك فلا مناص من محاولة ملك زمامه أو الإلمام بأصوله على أقل تقدير. وهو شأن ذو تأثير وجدير بالالتفات إليه من المسؤول الكبير، ومن معاونيه، ومن إدارات المكاتب، ومن الموظفين الذين يحررون هذه الأعمال أو يراجعونها، أو يُطلب إليهم توقيعها، خاصة إذا كان العمل الكتابي مهمًا موضوعه، أو رفيعًا مصدره، أو عظيمًا المرسل إليه أو باسمه، وهذا أحد بواعث عناية الديوان الملكي المبجل بتجويد الكتابة وضبطها، إذ لا يتصور من مكاتباته وما في عياره من مكاتبات مثل الصادرة عن رئاسة مجلس الوزراء الموقر إلّا أن تكون الأسمى والأتقن في الصياغة والشكل، والأهم والأوضح في الموضوع والمضمون.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الأربعاء 13  من شهرِ ذي الحجة عام 1445

19 من شهر يونيو عام 2024م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)