عرض كتاب قراءة وكتابة

دليل إلى الكتابة الإدارية

Print Friendly, PDF & Email

دليل إلى الكتابة الإدارية

السؤال عن الكتابة وابتغاء تجويدها مطلب يتزايد وحاجة تلح، وليس الأمر مقتصرًا على الكتابة العلمية أو الإبداعية؛ فمن ضمن الأنواع التي يتكاثر الحديث عنها، ويظهر جليًا الحدب على ضبط فنونها من قبل كيانات حكومية، وغير ربحية، وتجارية، نوع مهم حيوي لا تقف الكتابة فيه، ولا يكف المداد عن تسويد الصفحات به وعنه، وهو الكتابة الإدارية التي يندرج تحتها عدد كبير من الكتابات التي تصدر يوميًا من قبل الزعماء والحكومات، والمسؤولين والشركات والمؤسسات، ولا تكاد لحظة أن تمضي دون كتابة إدارية، أو تسويد مقدماتها، أو وجود دوافع لها أو سبب.

وقد فرغت آنفًا من قراءة كتاب لطيف مفيد عنوانه: دليل الكتابة الإدارية، تحرير د.سالم بن وصيل السميري الذي ألّف الكتاب وشاركه في التأليف د.عبدالعزيز بن عبدالله الخراشي، وَ د.سعود بن سليمان اليوسف، وَ د.محمد بن سليمان القسومي. وصدر هذا الدليل عن مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، وهو الإصدار رقم (26) ضمن تصنيف اسمه الأدلة والمعلومات، وهو تصنيف من تصنيفات أخرى لدى المركز، وهذا يعني أن قوائم المركز مليئة بالمؤلفات، وجزء غير يسير منها متاح إلكترونيًا، وهذا الكتاب من المطبوعات المتوافرة إلكترونيًا.

يقع كتابنا الصادر عام (1441=2020م) في (264) صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من كلمة للمركز فمقدمة الدليل، ثمّ سبعة أقسام فيها موضوعات منفصلة تحتها عناوين تتبعها، وهذه الأقسام مختلفة في حجمها، ومقسمة بين المؤلفين، وأخيرًا الملاحق. ويهدف الكتاب كما جاء في كلمة المركز التي كتبها أ.د.محمود إسماعيل صالح إلى أن يكون دليلًا سهل الاستعمال، وقريبًا من الجميع، ومستندًا نافعًا للمدربين. ولتحقيق هذه الغاية انتقى المركز نخبة من الأساتذة لتحبير الدليل؛ لأن جودة اللغة علامة على الاعتناء بالجودة الشاملة، كما أن القصور اللغوي يؤدي إلى أخطاء في الفهم والتطبيق.

ثمّ أوضح المحرر د.السميري في مقدمة الدليل ضوابط العمل فيه، وهي الابتعاد عن التنظير وحشد المعلومات والنزوع نحو التطبيق، ولذلك اعتمد الضابط الثاني على النماذج والقوالب الجاهزة، وأفاد الثالث من التجارب الكتابية السابقة، واقتضى آخر ضابط حصر العمل في الدليل داخل إطارين مرجعيين هما علم اللغة، والقانون المرعي والمتبع في المملكة فيما يخص المكاتبات الإدارية. وحتى ينجح هذا المشروع في بلوغ غايته كوّن المركز فريقًا يجمع بين المقدرة العلمية عبر التدريس الجامعي، وممارسة العمل الإداري، أو الخبرة في التدريب على الكتابة الإدارية، فكانت الثمرة كما سترى.

أول أقسام الكتاب بعنوان اللغة، والثاني عن الكتابة، بينما بحث الثالث موضوع الاتصال، وهي أقسام تحضيرية أشبه بتهيئة لموضوع الكتاب الرئيس، وتجهيز القارئ ليكون على استعداد تام لأساس الدليل الذي كتب لأجله. وعليه دلف دليلنا المرشد إلى صلب موضوعه في القسم الرابع وعنوانه: التحرير الإداري، وهو قسم يحوي عددًا من الضوابط والمميزات، والأوصاف المعنوية والمادية. ثمّ جاء القسم الخامس بعنوان: عناصر بناء النص المكتوب، وإنه لقسم طويل وثمين، تحدث كاتبه فيه عن اللفظة، والجملة، والفقرة، والأدوات والروابط اللفظية.

أما القسم السادس فيدرس أسس الرسم الإملائي العربي وفيه توضيحات لقواعد الإملاء وعلامات الترقيم، وعقب ذلك نصل إلى القسم السابع وعنوانه جذاب لافت هو: من أشكال الكتابة الإدارية: المقومات والسمات، ويشتمل على عشرة عناوين فرعية تكاد أن تضم أصناف الكتابة الإدارية كافة، مثل: الرسالة، والتعميم، والإعلان، والتقرير، وجدول العمل، والملخص، والتعميم، والتقرير، والتعليمات، وغيرها، ويتلوه الملاحق التي أورد مؤلفها فيها ملاحق إملائية ولغوية لتصحيح أيّ خطأ، وفي آخرها ملحق ببعض القرارات الرسمية المتعلقة بالكتابة في المملكة.

والحقيقة أن من يقف على صور من كتابة بعض الأجيال الجديدة سواء من الطلاب أو من الموظفين أو حتى من الكتّاب والمؤلفين -والله يصلح ألسنتنا-، فيرى رسم خطوطهم، ويقيس مستوى بيانهم، ويخمن عدد مفرداتهم، ويشاهد علاقتهم بالنحو والصرف، ومدى التزامهم بالإملاء وعلامات الترقيم، فضلًا عن الأسلوب العربي الغائب؛ لا يلام إذا خشي على اللسان المنطوق والمكتوب، ولا تُستعظم منه الدعوة إلى هبّة تعليمية وتثقيفية صونًا لهذا الجزء الغالي جدًا من ثقافتنا، والمركزي في أمننا القومي؛ حتى قال من قال وصدق فيما قال: إنما السيادة لغة!

كما أن مثل هذا الكتاب إضافة إلى كتب أخرى من جنسه أو لها قيمة في الباب جديرة بأن تكون في مكتبة الأجهزة الحكومية، والشركات، والمؤسسات المجتمعية، ومشروعات الكتابة، ومراكز صناعة المحتوى، ومكاتب الاستشارات والإعلانات، هذا غير العاملين في حقل اللغة والكتابة ممارسة أو تعليمًا وتدريبًا واستشارة؛ فالكتابة عمل يكاد أن يشتبك مع الإنسان في جلّ أحواله الحياتية، ومساحتها تتعاظم في عالمنا يومًا إثر يوم، حتى أن الذكاء الاصطناعي، ومحركات البحث، وشركات التقنية العملاقة يقوم عمادها على اللغة!

فما أحرى العاقل الحصيف بتعلم لغته وإتقانها وضبطها، وإصلاح منطقه ومنطوقه بها، وتحسين بيانه وكلامه ببركتها، وإنه لشأن عظيم، وفقدانه مشين، ويمكن البراعة فيه بعد عون الله من خلال القراءة بعامة، والقراءة اللغوية خاصة، والقراءة في الأعمال الجزلة الرصينة ضمن المجال الذي يعمل فيه الكاتب، أو تجب عليه الكتابة عنه، ويلي ذلك بعد التوكل على الله، الجرأة في التطبيق، والصبر على التصحيح والتوجيه، والاستمرار في التعلّم والإفادة، وإن اللغة العربية لحسناء نضرة لا تشيب ولا تهرم، وأيّ مهر لها مهما غلا فإنها تستأهله وزيادة، والمكاسب حليفة القريب منها.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الجمعة 28 من شهرِ محرم عام 1444

26 من شهر أغسطس عام 2022م

Please follow and like us:

4 Comments

  1. لطالما كانت كتاباتك وكذلك انتقاءاتك في الكتابة مميزة، ومميزة جداً.. فيها من الفائدة والمؤانسة ما يطرب لها العقل، ويتراقص معها القلب، مقالاتك صاحبتني في طريق سفرنا الطويل ..للتو خرجنا من الرياض نودعها لنستودع الله كل من فيها، كانت مقالة محفزة لتحميل الكتاب ويكون رفيقي واقرأه حتى نصل بإذن الله، ليحفظك الله كاتبنا المبدع؛ ليحفظك الله ويحيطك برعايته..

  2. الدليل والكتاب، هل هو متوفر أستاذنا وحبيبنا الفاضل ونسل الكرام الأماجد، رعاك المولى وسلمك ودمت بكل خير ونعمة وبركة وعااافية مشكورا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)