اقتصاديون ووزراء
أهمية الاقتصاد ليست بحاجة إلى برهان، ويكفي أن نعلم بأن جلّ تحركات الدول الداخلية والخارجية تدفعها مصالح أكثرها مرتبطة بالاقتصاد وشؤونه؛ فهو أحد مرتكزات قياس النجاح في الأعمال الحكومية، وأحد أسباب الرضا عن أداء المسؤولين. ولأهمية الاقتصاد نشأت منظمات دولية وإقليمية، ووجدت تحالفات ومعاهدات، بل نشبت حروب وصراعات، ويحتل الاقتصاد حيزًا كبيرًا من خطط الدول وبرامجها، وهو أحد أسس رؤية المملكة (2030) التي تهدف لتحقيق اقتصاد مزدهر.
ومن هذا الباب أن أصبح عشر وزراء المملكة -تقريبًا- ممن درس الاقتصاد؛ إذ سمي ثمانية عشر وزيرًا في عضوية مجلس الوزراء الموقر، وجميعهم يحملون شهادة البكالوريوس في الاقتصاد، وقد أكمل اثنا عشر وزيرًا منهم دراسته لنيل شهادة الماجستير في التخصص ذاته، وهؤلاء بدورهم واصلوا الدراسة لحمل شهادة الدكتوراة إلّا واحدًا اكتفى بالماجستير، وآخر تحول لدراسة السياسة. ومما وجدته أن جلهم درس علم الاقتصاد وحده، في حين تخصص ثلاثة وزراء في الاقتصاد الإسلامي، وقد جمع الأستاذ فيصل الإبراهيم بين تخصصي المحاسبة والاقتصاد بنيله شهادتي بكالوريوس فيهما، بينما درس الأستاذ سلمان الدوسري الإدارة مع الاقتصاد، وتخصص وزيران في الاقتصاد الزراعي هما د.عبدالرحمن آل الشيخ، والأستاذ بندر الخريف، والله يوفق ويبارك.
كما يلاحظ أن أكبر تزامن لعدد من الوزراء في عضوية المجلس ممن درسوا الاقتصاد حدث في عهد الملك سلمان -حفظه الله- الذي اجتمع فيه سبعة وزراء من الاقتصاديين، هذا بعد وفاة وزير وإعفاء آخر وكلاهما من دارسي الاقتصاد. ومما وقع لي أن ستة من وزراء هذه القائمة درسوا البكالوريوس في أمريكا، وخمسة تعلموا في جامعة الملك سعود، وثلاثة تخرجوا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وأصبح وزيران من خريجي جامعة القاهرة، بينما درس وزير واحد في الجامعة الأمريكية في بيروت، ونال وزير واحد شهادته من جامعة قطر. أما الماجستير فدرسها الجميع في أمريكا، ومثلها الدكتوراة التي حصلوا عليها من جامعات أمريكية باستثناء واحد منهم أتمها في بريطانيا، وقد فضل بعضهم مواصلة دراسته العليا في القانون أو الإدارة أو السياسة.
أما الوزارات التي شغلها وزراء هذه القائمة فعددها خمس عشرة وزارة، تكررت فيها وزارة الاقتصاد والتخطيط، ثم المالية والخارجية والتعليم والعمل والشؤون الاجتماعية، مع شغل أربعة منهم منصب وزير دولة بعد أن عمل ثلاثة منهم في أكثر من حقيبة وزارية، ووزير الدولة من المناصب المهمة الوازنة التي تفيد في الاقتصاد وغيره من الأعمال. ويشارك الوزراء السبعة حاليًا بفعالية في أعمال مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية مع بقية زملائهم أعضاء هذا المجلس الذي يرعى الاقتصاد والتنمية ومجالاتهما.
وقد عمل عدد من الوزراء الاقتصاديين في مناصب عليا سابقة قبل توزيرهم مثل نائب وزير، أو وكيل وزارة، إضافة إلى أن ثلاثة منهم كانوا على رأس الهرم الإداري للبنك المركزي أو قريبًا منه، هذا غير التمثيل الدولي المشرف للمملكة من بعضهم إن في صندوق النقد، أو البنك الدولي، أو في مقر الأمم المتحدة بجنيف، أو في بنك التنمية الإسلامي، مع مشاركات لافتة في قمم اقتصادية وسياسية مثل “دافوس”، ومؤتمرات قمة العشرين، واجتماعات الأمم المتحدة، وغيرها. ولعدد منهم صلة عمل سابقة مع شركة أرامكو وهي عملاق اقتصادي مثل الوزير الإبراهيم، أو عضوية مجلس إدارتها مثل الوزير العساف الذي يعد ثاني أعضاء المجلس في الأقدمية خلال تاريخ أرامكو.
ومما لفت نظري أن اختيار أول وزيرين اقتصاديين انضما إلى عضوية المجلس كانت عام (1395=1975م)، أي في حكومة الملك خالد بعد تسمية الأمير سعود الفيصل وزير دولة للشؤون الخارجية ثم وزير خارجية، وتعيين د.عبدالرحمن آل الشيخ وزيرًا للزراعة والمياه -رحم الله جميع الراحلين من المذكورين ووفق الباقين-. وتوالى عقب ذلك ترشيح الوزراء ممن درسوا الاقتصاد إلى أن أصبحوا ربع عدد المجلس الحالي، مما يشير إلى ما يمثله هذا الباب من أولوية لدى ولاة الأمر حفظهم الله ورعاهم.
كذلك لاحظت أن لوزراء هذه القائمة أوليات أو فرائد لطيفة، خاصة في أداء القسم، فصاحب أطول مدة بين التعيين وأداء القسم هو الأمير سعود الفيصل الذي أدى القسم وحده في قصر اليمامة قبيل بدء جلسة مجلس الوزراء؛ لأنه عندما أعاد الملك سلمان تكوين المجلس عام (1436) كان في رحلة علاجية، أما صاحب أقصر مدة انتظار بين التعيين وأداء اليمين فهو د.إبراهيم العساف، وهو الوحيد الذي أقسم يوم الجمعة، والوحيد الذي أقسم أمام ولي العهد ونائب رئيس المجلس. ومن أوليات وزراء هذه القائمة تأدية اليمين عن بعد كما حصل مع أ.فيصل الإبراهيم إبان نازلة كورونا.
وفي غير القسم نجد أن الأمير سعود الفيصل هو أول وزير يخلف والده في العضوية وعلى المنصب نفسه، وأن د.عبدالرحمن آل الشيخ هو الوزير الوحيد -حتى الآن- الذي تشارك في العضوية المجلسيه مع شقيقه د.محمد -طبعًا من غير الأمراء-، وكذلك اجتمع الأستاذ خالد القصيبي مع خاله د.غازي القصيبي وهي واقعة نادرة فيما أعلم. ومنها أن عددًا من وزراء هذه القائمة عملوا تحت إدارة وزير اقتصادي ثم زاملوه، وفيهم من انتقل داخل المجلس بين عدة حقائب مثل د.إبراهيم العساف الذي تولى ثلاث وزارات إضافة إلى وزارة الدولة.
أسأل المولى الكريم الرازق الوهاب أن يفتح على هؤلاء الوزراء، وعلى كل ذي مهمة وأمانة عامة مهما كانت، بما يحقق المأمول، ويعين المسؤول، ويكثر الخيرات، ويضاعف البركات، ويحفظ المصالح، ويمهد الطريق للمستقبل المراد، بما فيه من نمو دائم، وازدهار لافت، وتنمية مستدامة، حتى يعم الهناء، وتزداد السعادة، وما ذلك على المولى بعزيز، خاصة مع توافر النية والهمة والمتابعة، ومع الدعاء الصادق بالتوفيق والفلاح، والإصابة بجني المحاسن كلها أو جلها، واجتناب ما قد يضر ويؤلم.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الخميس 22 من شهرِ ذي القعدة عام 1445
30 من شهر مايو عام 2024م
One Comment
موضوع المقال *** جميل ودقيق ومفيد *** كيف لايكون كذالك *** وقد قال ألله بشأنه ( ألمال والبنون زينة ألحياة ألدنيا ) صدق الله ألعلي العظيم *** ألذي أعطى لكل شيء أهميته وقيمته في الحياة الدنيا
( والباقيات ألصالحات خير عندربك ثوابا وخير أملا ) سبحانه وتعالى علوا كبيرا أما ألنجاحات فيأتي بها خيار ألناجحون *** ألمثابرون ألمبدعون ألعاملون عليها بتوفيق وعون من الله ( وقل إعملوا فسيرى الله عملكم )