أساسيات البحث القانوني
بين يدي كتاب جامعي لطيف، عنوانه: أساسيات البحث القانوني، تأليف: د.صباح المصري، وهي أستاذة القانون العام المساعد في كلية الحقوق بجامعة الملك عبدالعزيز، وهذه هي الطبعة الثالثة من الكتاب الصادة عام (1443=2022م)، عن دار الكتاب الجامعي للنشر والتوزيع، ويقع في (277) صفحة مكونة من مقدمة وثلاثة فصول، وفي كل فصل عدة مباحث، ثمّ قائمة بمراجع لغوية وقانونية تقف على رأس الأربعين، فالفهرس، وقد استخدمت المؤلفة المنهج الاستنباطي، وطبقت طرق البحث العلمي على كتابها.
تفيد هذه الدراسة المشتغلين بالشأن القانوني، بل وتخدم أطراف المنظومة العدلية كافة، حتى وإن كان الهدف الرئيس منها هو تنمية قدرات الطالب الجامعي حديث الالتحاق في تخصص القانون على البحث المكتمل سواء في سنوات دراسته الجامعية الأولى أو فيما بعدها. ومما يؤسف له أن مثل هذه المادة المهمة قد تغيب عن مناهج كليات القانون، وربما تجعل في المستويات الأخيرة؛ فيفقد الطالب فرصة المعرفة المبكرة، والتطبيق المتوالي الكفيل بالتقويم المتكرر، وزيادة التمهير.
ولا يخفى أن اشتغال الطلبة بالبحث وشؤونه مبكرًا، سيغدو سببًا دافعًا لمزيد قراءة واطلاع ومتابعة، كما أنه سينمي القدرات التحليلية لديهم بالفهم والتعليل والافتراض وإعادة التركيب، وسوف تصبّ هذه المهارات في إنشاء ذهنية قانونية وقادة، أو تنشيط الذهنية الباحثة المتسائلة المتدبرة، ثمّ يكتمل عقد هذا البناء الفكري الجميل بامتلاك القدرة على الكتابة المبينة الواضحة المؤدية للمعنى، والمقنعة أو حتى الملجمة! وإن هذه المقدرة لمن المكاسب التي يُساق لها نفيس الأموال؛ فالقانوني كاتب في كلّ أحواله، أو هكذا ينبغي له.
عنوان أول فصول كتابنا هو: ماهية البحث القانوني وعوامل نجاحه، وفيه مبحثان الأول منهما عن الجزء المتقدم من العنوان، وهو ماهية البحث القانوني، ويتطرق لبيان مفهوم البحث القانوني، وأهمية الأبحاث القانونية وأنواعها. ونعرف من خلالهما أن البحث القانوني عمل علمي منظم، يُبذل فيه مجهود ذهني؛ بهدف الوصول إلى العدالة في الحكم على الشيء موضوع الدراسة. ولهذه الأبحاث أهمية لدى المختصين ولعامة الناس، وهي أبحاث تدريبية، وأخرى دراسية عليا، وبعضها يأتي حتى بعد نهاية نيل الشهادات العالية.
أما المبحث الثاني فهو عن عوامل نجاح البحث القانوني، وهذه العوامل تنقسم بين الباحث والمشرف عليه، فللباحث صفات ذاتية مثل: الجدية، والصبر، والموضوعية، والقدرة على التواصل، والدقة، مع الأمانة العلمية، وحب المادة، والتواضع للحق. كما يجب توافر مهارات علمية فيه منها: مهارات بحثية، ولغوية، وتقنية، وذهنية، وتعلمية. وينبغي للمشرف أن يكون محايدًا، صبورًا على الباحث، أمينًا معه، وأن يكون مختصًا بموضوع البحث، ومعطاءً لا يبخل بكتاب أو معلومة أو إحالة أو تصحيح؛ ولا غرو فللمشرف حضور واضح في اختيار الموضوع، ووضع خطته، وكتابته، ومناقشته آخر المطاف.
ويدرس الفصل الثاني مرحلة ما قبل كتابة البحث القانوني، وفيها ثلاث خطوات هي اختيار الجامعة وموضوع البحث، واختيار المنهجية العلمية للبحث وتصميم الخطة، وجمع المادة العلمية وتوثيق المعلومات، ثمّ نصل إلى الفصل الثالث عن مرحلة كتابة البحث القانوني وإخراجه، وفيها مبحثان الأول منهما عن الكتابة المبدئية، والثاني عن الكتابة النهائية، ومن تجربة أجزم بأن إعادة الكتابة هي لباب الكتابة وخلاصتها، ولا مناص لمن يقرأ هذا الكتاب أن يرتقي في باب البحث العلمي عامة أو القانوني على وجه الخصوص، وذلك بقراءة كتب أكثر عمقًا، وأبعد مدى، لكن دون وثبات قفز مؤذية؛ فالتدرج سنة حميدة.
إن تدريب الطلبة في التخصصات كافة على البحث مسألة مركزية ومهمة في التعليم وصنع المستقبل المهني، ومن الضرورة تثبيت هذه المادة في التخصصات كافة، والانفاق عليها؛ ذلك أن البحث العلمي يشير لحياة المجتمع، وحيوية الأمة، ووجود حراك علمي رشيد ومنتج ونافع، وله آثاره الحميدة على الفرد والدولة بمؤسساتها المجتمعية والرسمية، كما أنه يوثق صلة الطلبة بمهارتي القراءة والكتابة، وبما يرتبط بهما من تفكير وتأن في النظر والحكم.
وأتصور أن مثل هذه المادة من الأهمية الراسخة الجليّة، ومعها مواد أخرى تخص تاريخ العلوم، وسير مؤسسيها، وأنواع مدارسها، ومصطلحات الفنون والعلوم، إضافة لمواد أخرى تضع في يدي الدارس مفاتيح أبجديات القدرة على تعليم الآخرين التخصص الذي اعتنى به وتعلّم عنه الكثير، ويتوج ذلك كله بمواد عن مهارات التحدث والصياغة والكتابة، وأحسب أن الطالب الجامعي سيتخرج في جامعته وهو أكثر نضجًا وفهمًا، وسيأتي يوم تفخر به مؤسسته التعليمية التي تكتسب العراقة بقوة مناهجها، ومكانة أساتيذها، ونوعية منتجاتها، ونبوغ طلابها المتخرجين فيها.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الثلاثاء 11 من شهرِ رجب عام 1445
23 من شهر يناير عام 2024م
