خطبة عرفة في المئة الثانية
صدرت اليوم الثلاثاء غرة شهر ذي الحجة عام 1444 الموافقة الكريمة على أن يخطب في يوم عرفة من حج هذا العام معالي الشيخ د.يوسف بن محمد بن سعيد عضو هيئة كبار العلماء، وأن يكون إمام الحرم المكي وخطيبه فضيلة الشيخ د.ماهر بن حمد المعيقلي إمامًا احتياطيًا، حسبما أعلن موقع رئاسة شؤون الحرمين على تويتر. وهذه أول مرة فيما أعلم ينص على تعيين الإمام الاحتياطي وإعلانه، كما أن توقيت الإعلان عن اسم الخطيب مبكر عما عهدناه في الأعوام السالفة، والبكور خير.
بناء على ذلك أصبح معالي الشيخ د.يوسف بن سعيد هو خطيب ثاني سنة من المئة الثانية في العهد السعودي الحالي بعد د.محمد العيسى خطيب العام الماضي الذي افتتحت به خطب المئة الثانية، وقد سبق لي حصر خطباء عرفة في مئة سنة من الحكم السعودي بين عامي (1343-1442) بعدة مقالات، وفي الموضوع ثغرات أوضحتها في مظانها هناك، وآمل أن أصل فيها لعلم يقيني جازم، أو يصل غيري؛ لأهمية التوثيق التاريخي لهذا الباب.
وعليه فالشيخ يوسف هو الخطيب الرابع عشر في العصر السعودي منذ عام (1343)، والخطيب الحادي عشر من الذين خطبوا مرة واحدة فقط ما لم يتكرر أحد منهم لاحقًا، وثمانية من هؤلاء الخطباء المفردين خطبوا في عهد الملك سلمان، ومعهم الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ خطيب عام (1343)، والشيخ محمد بن عبدالله بن حسن آل الشيخ خطيب عام (1370)، والشيخ صالح اللحيدان خطيب عام (1399). والشيخ يوسف هو الخطيب التاسع في عهد الملك سلمان، وتاسع خطيب كذلك ليس من أئمة الحرمين، وثامن خطيب في نمرة من أعضاء هيئة كبار العلماء، وسابع خطيب لعرفة ليس من أسرة آل الشيخ، ومن الإحصاءات الخاصة بخطيب هذا العام أنه أول من خطب على منبر عرفة من نواب الوزراء.
ثمّ إننا نجد في الإعلان هذه السنة إضافة لافتة وعملية؛ إذ سمي الشيخ د.ماهر بن حمد المعيقلي إمام المسجد الحرام وخطيبه إمامًا احتياطيًا، والاحتياط دومًا من الكياسة تحسبًا لأيّ عارض لا قدر الله. وتطرح هذه النيابة أسئلة فيما لو استمرت منهجًا كل سنة، وهذه الأسئلة من جنس: هل ستكون النيابة مقصورة على أئمة الحرمين أو الحرم المكي بالتحديد بحكم القرب المكاني؟ وهل للنائب حظ أكبر من غيره بالترشيح في عام قابل للخطابة على منبر عرفة خاصة إن لم تحصر النيابة بأئمة الحرمين؟ وهل يُعدُّ النائب خطبة مستقلة أم يُكتفى بخطبة الأصيل؟
أيًا يكن؛ فنحن على درب خير بإذن مولانا، وأسأل الله للشيخ الخطيب التوفيق والعون، فما أهيب الحال بالمثول بين يدي الله الكبير العليم، وما أعظم المسؤولية بالوقوف في موضع سبق الخطباء إليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون، وعلماء الصحابة والتابعين وخيرة سلف الأمة من بعدهم على مر العصور حتى زماننا، وما أهيبه أمام الجمع المشهود المنظور مباشرة من قبل المتابعين قاطبة، والمحفوظ للمستقبل عبر الوسائط والسجلات.
وما أجلّ الزمان إن في العشر وبركتها التي لا تخفى، وأجورها المضاعفة، أو بيوم عرفة ثاني أعظم يوم في السنة، ويوم الانتصار على الشيطان الرجيم، ومن المقطوع به أن الغموم ستدرك وكلاءه في الكرة الأرضية تحزنًا لكآبة سيدهم وقدوتهم، لا أبقى الله لهم سرورًا ولا حبورًا. وما أجلّ المكان بحرمته، وقداسته، ودخوله ضمن الشعائر والمشاعر التي تعظّم فلا تنتهك حرمتها بالصغائر بله الكبائر، والله يكتب القبول لمن وافى الموسم وأهلّ بالتلبية، وييسرها لمن تمناها في عاجل قريب، ويكتب الأجور لمن سعى في تجويد الخدمات، والتيسير على الحجاج.
وكم هو خيار رشيد موفق أن يستمع الناس في كل موسم إلى خطيب جديد أو بعُد العهد به؛ فلكل خطيب طريقته في التحضير والإلقاء، ومنهجه في التوسع والاختصار، وأسلوبه في الدلالة والإقناع، ولكل زمان لوازم ودواع قد تختلف من عام لآخر. وهي فرصة لأن يسمع المسلمون في العالم أسماء علماء المملكة العربية السعودية، فيحرصون على متابعة دروسهم النافعة، والبحث عن فتاويهم المحررة، والارتباط بهم؛ فإن اللقيا، والتعارف، وحمل العلم، من بركات الحرمين الشريفين، والمواسم الكبرى، وقدر هذه البلاد المقدسة أن تحمل أنوار العلم والهداية للناس كافة.
مرة أخرى؛ أضرع لربي أن يعين خطيب الموسم فيما كلّف به، ويكتب له السداد والتوفيق، وأن يجري الله على لسانه الحق المبين المستقى من علوم الوحيين الشريفين، وأن يفرغ المستمعون من الإنصات للخطبة وقد ازدادوا علمًا، وفقهًا، وإيمانًا، وتعبدًا، وإقبالًا على الطاعات، وبعدًا عن السيئات، ومحبة للبلاد وولاتها وعلمائها وأهلها، ومتابعة للتعليمات والأنظمة والإرشادات، وأن يعودوا لديارهم سالمين غانمين مقبولين، والسعادة تملأ قلوبهم، والأنس يغمر أرواحهم، وقد ظفروا من الغفور الرحيم الرؤوف بتوبة مرضية، وذنوب ممحوة، وسلوان يجلو عن النفس أحزانها، ومن الله نستمد كل فضل مرتجى، وننتظر كل مراد مطلوب حتى لو رآه الناس بعيدًا.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الثلاثاء غرة شهر ذي الحجة الحرام عام 1444
19 من شهر يونيو عام 2023م
One Comment
صدرت موافقة ملكية يوم الاثنين 19 من شهر ذي القعدة عام 1445 بأن يكون خطيب عرفة لموسم حج عام 1445 هو الشيخ د.ماهر بن حمد المعيقلي إمام المسجد الحرام وخطيبه، والله يوفقه للصواب والسداد.