سير وأعلام عرض كتاب

عبدالعزيز حسين: رجل دولة وفكر وثقافة

Print Friendly, PDF & Email

عبدالعزيز حسين: رجل دولة وفكر وثقافة

كنت أبحث عن هذا الكتاب منذ علمت بصدوره، وقد سعدت بالحصول على نسخة منه في زيارة صباحية موفقة، مع رفقة كريمة متآلفة، إلى مركز البحوث والدراسات الكويتية، وهو مركز نشيط في حفظ تاريخ الكويت. ومن فضل الله علينا أن قابلنا فيه مديره العالم البلداني معالي البروفيسور عبدالله بن يوسف الغنيم، والأستاذ عبدالعزيز الخطيب، وعلم الله أنها كانت ساعة من السعادة والأنس حين جلسنا بين يدي عالمنا الكبير، سليل المنابت الطيبة أبًا وخالًا، وجليس العلماء الفطاحل مثل شاكر والجاسر، وآمل ألّا تكون هاتيك الجلسة من الطيبات المعجلة في الحياة الدنيا، وألّا يكون ذلكم اللقاء يتيمًا؛ ففي اليتم وحدة ووحشة وحزن.

عنوان هذا الكتاب: عبدالعزيز حسين: رجل فكر ودولة، تأليف: طالب الرفاعي، راجعه وقدم له الدكتور يعقوب يوسف الغنيم، وصدرت طبعته الأولى عن مركز البحوث والدراسات الكويتية عام (2022م)، ويقع في (270) صفحة من القطع المتوسط. وفي الكتاب دراسة لستين مقالًا كتبها عبدالعزيز حسين في ست سنوات (1946-1952م)، وهي المقالات التي نشرت نصوصها كما هي في القسم الثاني من الكتاب، وحسب زمن نشرها، حتى ينظر فيها القارئ متى شاء.

ذكر د.يعقوب الغنيم في تقديمه الثري للكتاب أنه سعد بالتقديم له، ودهش بالمحتوى الذي فيه؛ فاحتار أمام هذا الفضل الذي يخصّ تاريخ الكويت بحفظ سيرة رجل لم يتقاعد عن العمل الوطني وعن حمل آمال البلاد وأهلها. ثمّ أشاد بمزايا المترجَم، ومنها المداومة على اكتساب المعارف أينما كانت، ومؤازرة الشباب ومنهم د.يعقوب نفسه في شبابه المبكر عندما نشر بحثًا وهو لما يزل في أوائل سني الطلب الجامعي، ومنها علاقاته الوفية مثل صلته الطويلة بالأستاذ أحمد البشر الرومي الذي جمع د.الغنيم أوراقه في كتاب آمل أن يتيسر لي عرضه لاحقًا.

ولأن التركيت بهذه الخصال الكريمة؛ فقد وجد التجلّة من أمراء الكويت وأناسها، حتى أن الشيخ صباح الأحمد تكفل بجميع مصاريف حفل تكريمي قديم لعبدالعزيز حسين، وحينما اختير عبدالعزيز حسين مديرًا لمعارف الكويت، ترددت أصداء رنة الفرح في جميع الأوساط الاجتماعية الكويتية. وفي ختام تقديمه أثنى الوزير الغنيم على جهد المؤلف الرفاعي، ولا غرو فالمهندس طالب صاحب خبرة تأليفية، ومهارة في الكتابة الإبداعية، والتدريب عليها، ونال عدة جوائز محلية وإقليمية على أعمال سابقة له.

ثمّ أورد المؤلف عقب ذلك ترجمة للأستاذ عبدالعزيز حسين التركيت (1920-1996م)، الذي ولد في بيت علم ودين وأدب في منطقةشرق، وهو بيت أسرة عريقة فيه مكتبة، ومجلس يعمره علماء وأدباء وطلاب علم؛ فوالده من العلماء، ولعدد من أبناء أسرته مكتبات شهيرة. وقد درس عبدالعزيز في المباركية والأحمدية، وكان من ضمن أول بعثة دراسية كويتية تفد إلى مصر عام (1939م)، ولربما أن هذه العوامل تفاعلت فيما بينها لتكوين شخصيته المستقلة، والدفع به نحو منصة النفع والعمل المثمر.

لذلك أصبح الأستاذ عبدالعزيز من مؤسسي النظام التعليمي الحديث في الكويت، والمحرك الأكبر خلف إنشاء عدد من مؤسسات الفكر والثقافة والفن في الكويت؛ إذ ترأس بيت الكويت في القاهرة بعد تخرجه في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر مباشرة عام (1943م)؛ فقام بالمهمة خير قيام، وأشرف على شؤون الطلبة، وأدار مشروع إصدار مجلة البعثة، وأودع فيها عددًا من مقالاته وحواراته وترجماته، ومضمون الندوات التي عقدها في منزله اللندني بعد انتقاله للدراسة فيها، والذي يبدو أن الطلبة أحبوه، ومنحوه الولاء، وحرصوا على إبقاء حبال الود والصلة ممتدة معه.

مع ذلك لم تصرفه الثقافة عن السياسة؛ إذ شارك في وفد الكويت إلى الأمم المتحدة قبيل استقلالها لنيل العضوية عام (1961م)، ورأس الوفد الكويتي لحضور اجتماعات الجامعة العربية للغاية ذاتها، وسمي أول سفير للكويت بمصر، وأول مندوب كويتي لدى الجامعة العربية في القاهرة. وفيما بعد عُين وزير دولة لشؤون مجلس الوزراء؛ ووزراء الدولة على قدر من الأهمية كبير في الغالب، وبعد نهاية عضويته المجلسية اصطفاه أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد ليعمل مستشارًا له إلى أن توفي أبو هانئ وهو على رأس العمل.

ومما يلفت النظر في سيرة الوزير المثقف التركيت أن المركز الثقافي لطلبة الكويت المبتعثين إلى القاهرة سمي بيت الكويت الذي يجمع بنيها ويحافظ عليهم، وكان خلية نشاط ثقافي وأدبي لا تفتر ولا تنقطع، وفيما بعد تحول البيت الثقافي والطلابي إلى مقر لأول سفارة للكويت بالقاهرة، وهي صورة بهية فيها عناق لطيف بين الثقافة والسياسة ونادر؛ إذ يقابله نوع من الجفوة أو النفاق أو الشقاق في بلدان كثيرة جعلت العلاقة قلقة بين المثقف والسياسي، وهذا التوتر لا ينفع طرفيه ولا مجتمعاتهم.

كذلك فإنه لولا أن مركز البحوث والدراسات الكويتية بقيادة معالي الوزير البروفيسور عبدالله بن يوسف الغنيم قد جمع أعداد مجلة البعثة، وصانها من الضياع بنشرها في ثماني مجلدات أنيقة مع مجلد الفهرس، لما أمكن العثور على كلمة مكتوبة لعبدالعزيز حسين التركيت صاحب هذا الإرث العملي الضخم الماثل في المرسم الحر، وجامعة الكويت، والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ومعهد الكويت للأبحاث العلمية، ومشروع الخطة الشاملة للثقافة العربية بالتعاون مع الجامعة العربية، ومشروع الإستراتيجية العربية للثقافة.

أما أهم أفكار رجل الدولة عبدالعزيز حسين فتحوم حول العلم والتعلم، والأدب والثقافة، والفاعلية والإنجاز، والحرية والمشاركة الشعبية، ومساندة الشباب والمرأة والمجتمع، والتخطيط للمستقبل، والدعوة للإخلاص والإيثار كتابة وعملًا حتى بعد بلوغه أعلى المناصب إذ لم يتخل عن مبادئه. ومنها الإيمان بأثر الكتابة والصحافة والاعلام، وبأهمية العمل الجماعي، مع تقديم مصلحة الكويت التي جعلته يجيب سائلًا بالجزم أن التربية الخلقية مقدمة على التربية الوطنية؛ فوجود تربية خلقية لدى الأفراد يضمن توافر المسؤولية الوطنية عندهم.

كما أن أفكار الرجل قومية بدون انتماء سياسي، ودون مصادمة مع العقيدة والدين، إذ يحتفي بالمناسبات الإسلامية في رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى، ويحافظ على التاريخ الهجري، ولم يثق بالمستشرقين وأقوالهم، ولم يهمل المناسبات الوطنية أبدًا كما يصنع بعض غلاة القومية. ولأنه من بيت ذي مجالس مفتوحة أقام ندوات في شقته اللندنية، وهي ندوات فكرية وثقافية صريحة حتى لو حضرها أنجال أمير الكويت آنذاك الشيخ عبدالله السالم.

وكان أبو هانئ مهمومًا بمستقبل بلاده وأمنها القومي، ومتابعًا لشؤون النفط لأنه مصدر الثروة وهو مصدر قابل للنضوب. ومن حرصه على وطنه متابعته لأحوال شعراء ومثقفين تعرضوا لظلم، ومطالبته برفع ما وقع عليهم وتعويضهم، وصدحه بما يراه الصواب والحق دون لجج الصخب، أو غوغاء ابتغاء الجماهيرية، أو غثاثة التملق؛ ولا غرو أن يكون كذلك وهو الذي تنبأ في مؤتمر عربي بدمشق عام (1952م) بأن الكويت ستغدو مركزًا ثقافيًا؛ ولهذه المركزية الثقافية لوازم من الأنفة والوضوح والصدق ظلت حاضرة بجلاء في مسيرة الرجل المثقف الوزير الذي حفظ عنه قوله: إن الشعوب لا تحب أن يمن عليها أحد!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّافالرياض

ahmalassaf@

ليلة الجمعة ثاني أيام شهرِ رمضان المبارك عام 1444

24 من شهر مارس عام 2023م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)