يوم لعلمنا الأخضر السامي
أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز –حفظه الله– أمرًا ملكيًا هذا اليوم، ومضمونه الكريم بأن يكون يوم الحادي عشر من شهر مارس كلّ عام يومًا للعلم. وجاء تحديد هذا اليوم بناء على أن الملك عبدالعزيز –رحمه الله– أقر العلم الحالي بتاريخ السابع والعشرين من شهر ذي الحجة عام (1355)، الذي يوافقه هذا اليوم المحدد من شهر مارس عام (1937م). وللعلم فإن نظام العلم السعودي صدر في مستهل عام (1393)، وجرى عليه تعديل يسير عام (1418)، وهذا الأمر الملكي من الأعمال التجديدية التي تعيد بث النشاط في الكيان الكبير كي يزداد عزمًا ورشاقة ومضاء؛ فلا يثنيه شيء عن العلياء والمكارم.
ومما ورد في نص الأمر الملكي الكريم نرى عيانًا التقدير الكبير لقيمة العلم عبر تاريخ الدولة السعودية منذ تأسيسها عام (1139)، والتصريح بثبات رموزه سواء في كلمة التوحيد التي تشير لرسالة السلام والإسلام التي قامت عليها الدولة، أو السيف المهيب الذي يرمز للقوة والأنفة والحكمة وعلو المكانة، حتى أصبح العلم مرافقًا لحملات التأسيس والتوحيد، وصار شعارًا وطنيًا للبلاد وأهلها، ومظهرًا من أجلى مظاهر التلاحم والائتلاف.
وللعلم السعودي نسخة عامة وأخرى ملكية، وقد أوضح النظام جميع ما يخص العلم، ومكانه بين الأعلام، وحرسه من أي إساءة، وضمن له مكان الشرف السامي؛ ولا غرو فلعلمنا أربع خصال ندر أن تجتمع في علم آخر غيره، فهو مرتبط بالدين، واللغة، وعراقة التاريخ والمجتمع، إضافة لتعبيره عن الوطن منذ القدم وفي جميع المحافل، فإذا أحب الأقوام علمهم لسبب واحد، فلعلمنا العريق أربعة أسباب متراصة متماسكة تجعلنا نحبه مرارًا وتكرارًا.
كما يظهر في علمنا السعودي إشارات حصيفة بالغة الدلالة ومثلها لا يستغرب؛ فمنها تأكيد هوية البلاد العميقة في الوجدان والواقع، والتنبيه إلى عراقتها الراسخة جذورها، الممتدة فروعها، البادية ثمارها، المنيعة حصونها. ومنها الاعتزاز بالمعاني العظيمة التي يحملها العالم بما لها من قيمة عقدية، ووطنية، ولغوية، وتاريخية، ومجتمعية، وهو اعتزاز يدعو للفخر بإعلاء العلم شامخًا، ومنع تنكيسه حتى لو كان التنكيس عرفًا دوليًا، وأما الحماية العامة له فواجب يقرره النظام، وتحميه اللوائح والإجراءات.
وفي اختيار يوم من منتصف شهر مارس دلالة زمنية بديعة، ففي هذا الوقت بالتحديد يتعادل الليل والنهار، ولا يطغى جانب على جانب، في صورة من الاعتدال الحقيقي دونما تصنع، ونحن نمثل الوسطية الحقة ديانة ومروءة وشيمًا، ونسعى لحفظها، والله يجعلنا لمن كان واضحًا منصفًا وصادقًا مثل النور والضياء بما لهما من سرور وأمان وطمأنينة، وأما المخاتل المخادع فلا ينتظر إلّا مثل الظلام في وحشته وإخافته ورهبته، وما أكمل التوسط والعدل والاعتدال.
كذلك نجد في العلم من معاني الاستقلال والاعتزاز ما مثله حقيق بأن يورد؛ فلكل بلد علم، ولنا علمنا الخاص، وليس هذا فقط، فهو علم لونه أخضر وإنه للون بهيج جميل يرمز للنماء والنبات حتى لو كانت بعض الحضارات الغالبة الآن تخشاه وتهابه وتصف به ما تكره؛ فهذا شأنهم لا شأننا. وعليه شعار كلمة الإسلام والتوحيد التي قد تستحي بعض الدول الإسلامية من إظهارها، وربما يظن بعض المسلمين أن إغفالها فيه تعايش وليونة، وينسى أعلام الدول الغربية ذات الشعارات الدينية الكنسية وغيرها! وقبل الأخير ففيه السيف الذي يرمز للقوة ومرحبًا بها ألف مرة إذ لا يُراعي غير القوي، وتبدو بهية لغته العربية الفصيحة التي يجب أن تسمو ويُستعلى بها وفيها.
اللهم بارك لنا في الأيام المجيدة والليالي المباركة، وارزقنا الإخلاص في القول والعمل، واجعل بلادك في عز ومنعة وقوة، واكتب لعبادك السعة والإيمان والسعادة، وادم بيننا ما يزيدنا قربًا ومودة؛ فإن المملكة العربية السعودية جمعت المتفرق بعد طول شتات، وآمنت السبل بعد أزمان الخوف، وهي موئل الإسلام، وموطن الحرمين، ومنبع العربية، وديار الشعراء والحضارات، والممثل الأكبر لشبه الجزيرة العربية، ومهوى أفئدة المسلمين، ومخزن الطاقة التي يحيا بها العالم؛ فصنها يا قادر، واحفظها يا عليم، واكتب لها التنمية والرفعة والجودة والحيوية ودوام التصدر والزعامة الروحية والمادية.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف–الرياض
الأربعاء 09 من شهرِ شعبان عام 1444
01 من شهر مارس عام 2023م