سياسة واقتصاد سير وأعلام شريعة وقانون عرض كتاب

الشيخ ابن منيع وبحوث في الاقتصاد

الشيخ ابن منيع وبحوث في الاقتصاد

يُعدّ معالي الشيخ عبدالله بن سليمان بن منيع -أمتع الله به- أقدم عضو في هيئة كبار العلماء المكونة أول مرة عام (1391)، وهو أحد أكبر خطباء منبر نمرة في يوم عرفة، وأكبرهم سنًا على الإطلاق في العصر السعودي حسبما أحصيت في مقال سالف. وللشيخ عناية فائقة بالمسائل العصرية والنوازل الشرعية، ومنها علوم الأموال وما يتصل بها من بحوث وفتاوى، وهي مجال خصب أبدع العلماء الأوائل في الكتابة حوله منذ قرون الإسلام الأولى، وما كتب الخراج والأموال عنّا ببعيد؛ حتى أبهر بعضها أمراء ذلكم الزمان؛ فقال قائلهم عن كتاب ومؤلفه: إن عقلًا أثمر مثل هذا لجدير بأن يُكفى مؤونة العيش!

امتاز الشيخ بقربه من علماء كبار مثل الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، وربما أنه كان يحرر للشيخ المفتي بعض فتاواه في أبواب المعاملات، ومنهم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبدالرزاق بن عفيفي الربيعي، والشيخ عبدالله بن محمد بن حميد، والشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز. وللشيخ منهج في الفتيا عرف به، وله طريقة لطيفة بالحديث والإجابة عن الفتاوى تجعله قريبًا من العامة وغير بعيد عن الخاصة، وله مشاركات في هيئات ولجان ومجامع ومحاكم، إضافة إلى عمله مستشارًا في الديوان الملكي.

كما أن للشيخ قصة حياة، وعصارة أيام، وحكاية مصابرة، وآمل أن يمليها شيخنا على بنيه أو أحد ممن حوله؛ فما أحوجنا لمثلها، ويمكن الانطلاق من اللقاء المسجل للشيخ في الجمعية الفقهية، والفائدة المرجوة من مثل هذا العمل حفظ سيرة الشيخ، وأحداث حياته، والتعريف بتاريخ بعض الأعمال المهمة التي شارك فيها الشيخ في الفتيا والمصرفية؛ إضافة إلى علاقاته الواسعة مع رجالات العصر، وعسى أن يكون في صنيعه القدوة للمشايخ والقضاة الذي يجفلون من هذا الباب أحيانًا، وهو باب مفتوح بأيدي خيار الأمة من الأئمة ومن سواهم.

وقد اشتهر الشيخ بصدعه بما يراه من رأي علمي وحقٍّ دون مجاملة، وإن كان يسوق أقواله بلطف جم وهدوء بيّن، مدعمة بالحجة والدليل حسب اجتهاده؛ لكنه لا يكتم رأيه إرضاءً لأحد. وللشيخ عناية بالمصرفية الإسلامية، وحضور بارز في مؤتمراتها وشؤونها، وحرص على تيسير أعمالها ودفعها للمنافسة ومزاحمة الربا لما فيه من محادة وحرب على الله؛ فمن يقوى على حرب القوي القاهر القادر؟! ومن جوانب العناية للشيخ التفاتته نحو بلدان الوشم، وعلم الأنساب، والأهلّة والفلك، ومن فرائده عمله بمحكمة التمييز مباشرة دون العمل في القضاء بالمحاكم العامة اكتفاء بملازمته الطويلة لشيخ القضاة الشيخ محمد بن إبراهيم، ومن مزاياه تخصصه الدراسي باللغة العربية، ثمّ ما وفقه الله إليه من تحصيل الفقه وعلومه بدراسة وملازمة وقراءة ومباحثة.

وبالأمس القريب سعدت بزيارة الشيخ بعيد العصر، والجلوس إليه، وفي نهاية اللقاء تفضل بإهدائي مجموعة من مؤلفاته وغيرها من الكتب، ومنها كتاب يقع في أربع مجلدات، عنوانه: بحوث وفتاوى في الاقتصاد الإسلامي، تأليف: عبدالله بن سليمان المنيع، صدرت الطبعة الأولى منه عام (1437=2016م) عن دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع، ويتكون الكتاب من مقدمة فتسعة وعشرين بحثًا، ويختتم الكتاب بالبحث الثلاثين، وفيه فتاوى عامة عن مسائل مالية بلغ عددها مئتان وتسعة وعشرون فتوى.

جاء المجلد الأول في (375) صفحة منها المقدمة وسبعة بحوث متنوعة عن الذهب وبطاقات الائتمان والشيك والشركات المساهمة والأوراق النقدية. وقد ذكر الشيخ في المقدمة أنه لم يطلب تقديمًا لكتابه جريًا على عادته في كتبه التي اكتفى فيها بمقدمته، ومنعًا لإحراج الآخرين الذين قد يجاملون، أو يشرقون ويغربون بعيدًا عن مسائل الكتاب تحاشيًا لإبداء الرأي الصريح؛ ولذلك كتب الشيخ المقدمة بنفسه بحياد بعيد عن التزكية والثناء، تاركًا للقارئ الحكم والاستفادة سواء أكان من العلماء أم من المتعلمين النابهين.

ثمّ أتى المجلد الثاني في (385) صفحة، وفيه ثمانية بحوث منها بحث عن التأمين والمصالحة. وبلغ عدد صفحات المجلد الثالث (350) صفحة، وضمنه تسعة بحوث فيها أبحاث عن مطل الغني، والتورق، والمصرفية الإسلامية، وآخرها الرابع الذي يحتوي على (366) صفحة مشتملة على خمسة أبحاث منها الصكوك، والمشاركة المتناقصة، والإيجار مع الوعد بالتمليك، ويتلوها الفتاوى المالية العامة التي تتعدى مئتي فتوى بموضوعات مختلفة.

أسأل الله أن يبارك في الشيخ وعلومه، وفي جميع علماء المسلمين، وأن يلهمهم ما يرضيه من القول والعمل، وأن يجعلهم مصابيح للمدلجين، ومنارات للسائرين، فما أحوج الأمة لعلماء الشريعة الربانيين في كل فنٍّ ومجال، وهي حاجة ترتقي لمراتب الضرورات في كل عصر وآن؛ ذلك أن المسلم مرتبط بدينه وأومر مولاه ونواهيه في كل صغيرة وكبيرة، منذ أن يستهل صارخًا إلى أن يُدرج صامتًا مرورًا فيما بينهما من حياة وصخب ومجريات ونوازل ومسائل.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الأحد غرة شهرِ جمادى الآخرة عام 1444

25 من شهر ديسمبر عام 2022م

Please follow and like us:

One Comment

  1. “الله أن يبارك في الشيخ وعلومه، وفي جميع علماء المسلمين، وأن يلهمهم ما يرضيه من القول والعمل”

    بوركت الجهود مقالتين فاخرتين في يوم الأحد غرة شهرِ جمادى الآخرة عام ، يبدو أن الكتابة كانت له متنفس عن ملل تشرّى، او نوع من التحليق في فضاء الرحابة عن ضيق الأرض!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)