عرض كتاب قراءة وكتابة

حسن صياغة النصوص وتحريرها

حسن صياغة النصوص وتحريرها

موضوعات الكتابة، والصياغة، وتحرير النصوص، تهمني كثيرًا نظريًا وعمليًا؛ وسبق لي كتابة عشرات المقالات عنها، منها مقالان عن التحرير وفنون الصياغة، فسألني سائل بعد المقال الثاني عن قواعد التطبيقات العملية لهذا الفن، وأجبته: ذاك بحر لا ساحل له، ويصعب ضبطه في مقالات معدودة، وأردفت له بأن التطبيق والتدريب على الصياغة والتحرير عمليًا أنجع لمن رام دخول هذا الميدان شريطة أن يتهيأ له ذهنيًا، ويواصل لأجله القراءة؛ وهو شأن حقيق بالجهد والعناية؛ فالكتابة كما قيل أعطى رزق وهبه الله للإنسان، ومن أشرف الأعمال والمناصب.

ولسبب يتعلق بهذا الشأن أعدت قراءة كتاب عنوانه: حسن الصياغة تجارب في فن تحرير النصوص، تأليف: الدكتور سعيد أحمد بيومي، وهذا الكتاب صادر عن مكتبة الآداب عام (٢٠١٥)، ويقع في (١٨٧) صفحة مكونة من إهداء لابنتيه التوأم، فمقدمة، ثمّ ثلاثة عناوين هي: فن الصياغة، مقتضيات حسن الصياغة، البنية التنظيمية للنص، ويعقبها الخاتمة، فأهم المراجع، ثمّ المحتويات. وللمؤلف كتب أخرى في هذا الباب، وفي الكتابة القانونية والقضائية على وجه الخصوص.

لذلك سوف أحاول نقل أهم الفوائد الواردة في الكتاب بما يجعلها عامة نظرًا لتركيز المؤلف على الكتابة القانونية، وفي النهاية فجلّ الأفكار لن تخلو من فائدة في الكتابة أيًا كان نوعها: إبداعية، أو قانونية، أو إدارية؛ علمًا أني تصرفت في صياغة بعض المقتبسات، ومنها:

  1. لولا الصياغة لما تميز منشئ عن منشئ ولما شعرنا بمتعة الإبداع.
  2. لا يكون الكاتب كاتبًا حتى يتقن صياغة الكلام.
  3. إذا حام القلم حول المعنى دون أن يدركه فقد ضاع الوقت في خبط عشواء.
  4. المعنى والمبنى مرتبطان ارتباط الروح بالجسد، وعلى الصائغ أن يمسك بتلابيب المعنى، ويحفظ للمبنى بهاءه.
  5. ساحة الصياغة هي اللفظ أو المبنى، أما المعنى فهو ملك لمنشئه.
  6. يعيد الصائغ نظم تراكيب النص حتى ينساب إلى المسامع متينًا مبينًا؛ فيعود مسبوكًا محبوكًا.
  7. تكتسب الصياغة حسنها من منهجية واضحة، وبنية تنظيمية مناسبة، ودلالة منضبطة، وأفكار مرتبة، وجمل مترابطة، وألفاظ منتقاة، ومعنى مستوفى.
  8. الهدف من تحرير النص هو إحكام بنيته التركيبية والدلالية لتنساب إلى المسامع جيدة السبك غزيرة العطاء.
  9. تتطلب الصياغة حسن اختيار لقالب النص، والمفردات الواردة فيه، والتيقن من انسجامها حتى تكون على مقاس المعنى المراد، وبينها تناسق ظاهر ينفي التنافر عنها.
  10. من المهم مراعاة هدف النص؛ فالأدبي يختلف عن التشريعي، وهما يختلفان عن الإداري، وداخل كل نوع أصناف متباينة.
  11. يتدخل الصائغ لضبط إيقاع أسلوب الكاتب؛ فهو كمن يسير على خيط رفيع بين أسلوبه وأسلوب صاحب النص.
  12. من حسن السبك حذف مالا فائدة منه في أداء المعنى، أو إضافة ما تستقيم به الدلالة.
  13. التماسك هو ترابط أجزاء النص وتعلقها ببعضها حسيًا ومعنويًا.
  14. من المهم مراعاة تناسب القالب الشكلي للنص مع محتواه.
  15. في الصياغة الرسمية يفضل التراكيب المباشرة الخالية من التعقيد.
  16. في الكتابة الرسمية تغلّب الحقيقة على المجاز، ويستعمل اللفظ بدلالته المعجمية.
  17. من الواجب تخليص الصياغة النص الرسمي من المحسنات، والإطناب، والتقديم والتأخير، والمبني للمجهول.
  18. الكتابة والتحرير والصياغة صناعة شاقة تستلزم الصبر والثبات كما قال القلقشندي “وفي ذلك من المشقة مالا خفاء فيه على من مارس الصناعة”.
  19. لن يملك الكاتب والصائغ مهارات هذا الفن مالم تملأ عليه اللغة حياته، ويلم بدقائقها، ويستعين بإمكاناتها الأسلوبية.
  20. من نجاح الصائغ أن ينفذ إلى ذهن المنشئ كاتبًا كان أم قانونيًا أم إداريًا حتى تكون صياغته على سنن قويم بعد استيعاب المراد الأساسي من النص.
  21. لا يجوز للصائغ تحميل النص مالا يحتمل أو استنطاق صاحبه بما لم ينطق به.
  22. من كمال الصياغة ضبط الكلمات التي قد يلتبس معناها، وترك ضبط أيّ كلمة يبتعد عنها هذا الاحتمال.
  23. يجب على الصائغ التأكد من كتابة الأفكار والعناصر على نحو منطقي متسلسل في أقسام يؤدي السابق منها إلى اللاحق.
  24. تكتسب لغة الكاتب والصائغ قيمتها من وضوحها، والمصدر الأول للوضوح هو عقل الكاتب والصائغ
  25. يتحقق وضوح النص بتجنب الألفاظ المبهمة أو المثيرة للالتباس.
  26. لا يوجد أي تعارض بين وضوح المعنى وبلاغة اللفظ.
  27. من الضرورة أن يبلغ الصائغ بالنص درجة من الدقة يتعذر معها إساءة الفهم أو الانحراف بالمدلول.
  28. لتحقيق الدقة يبتعد الصائغ عن استعمال العبارات الوصفية والظرفية؛ لأنها عبارات متأرجحة مثيرة للالتباس، وتدع مجالًا للشك حول المقصود منها مثل : العدد المعتبر، المدة المقبلة.
  29. يحسن إحلال الاسم الظاهر محل الضمير درءًا لأيّ لبس.
  30. تكثيف النصوص من أجلّ مهارات الصائغ التي تمنع من الاسترسال مع الألفاظ، والاكتفاء بالقليل من الألفاظ المعبرة، وحذف مالا ضرورة له.
  31. مع مكانة التكثيف إلّا أن المبالغة فيه قد ترهق ذهن المتلقي فيصبح التكثيف مضنيًا له.
  32. من نصائح بشر بن المعتمر: إياك والتوعر، فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك، ويشين ألفاظك.
  33. من أسباب الغموض: استخدام ألفاظ نادرة الاستعمال، أو من المشترك اللفظي التي لها أكثر من معنى، أو الربط الخاطئ، أو التعميم.
  34. للقالب المستخدم قيمية توجيهية لا تهدر ولا تهمل.
  35. على الصائغ أن يتحاشى أخطاء الترجمة مثل استخدام تراكيب أجنبية، أو الترجمة الحرفية.

إن تجويد الكتابة، وضبط فنون التحرير، وامتلاك مهارات الصياغة، لمن الأعمال التي يحتشد فيها العلم مع الخبرة، والأدب مع الذوق وحسن التقدير، وجدير بمن دخل إلى هذا المحال أن يكون وثيق الصلة ودائمها القراءة خاصة في كتب اللغة على اختلاف علومها؛ فاللغة من أهم مكونات عالم الكتابة، وهي زاد لأهل اللسان من العلماء والمفكرين والمثقفين وسواهم، وإنه لمن البلاء المبين أن يكون الكاتب مبتوت الصلة بلغته، أو مناوئا لها، فمثل هذا المسكين المنهزم لا يفلح ولو سبقه أو لحقه ألف زمار وطبال مهما تعالى ضجيجهم، وسيغدو الظفر حليف الملتصق بلغته، المستقي من نبعها العذب الذي يفتن الوارد مرة بالورود كل مرة.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الثلاثاء 26 من شهرِ جمادى الأولى عام 1444

20 من شهر ديسمبر عام 2022م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)