مواسم ومجتمع

وماذا بعد نهاية كأس العالم؟

Print Friendly, PDF & Email

وماذا بعد نهاية كأس العالم؟

انتهت مباريات كأس العالم (2022م) التي أقيمت في قطر، ورُفع الكأس العالمي، ولُبس البشت العربي، ومع نهايتها فمن الحسن أن نستفيد منها على صعيدي التصور والعمل، وفي مسيرة الأفراد والمجتمعات والحكومات، وكم ترك الأول للآخر.

فمما يمكن أن يُقال بعد نهاية الأيام الثمانية والعشرين لهذه المسابقة ما يلي من اجتهادات:

  1. برز أثناء هذه المناسبة تضامن عربي رسمي وشعبي، وكم نتمنى أن يتواصل هذا التضامن المريح المراد متجاوزًا الرياضة إلى ما هو أهم وأعلى؛ فلدى العرب دين ولغة ومواقع ومصالح وثروات وتاريخ، وهذه المكونات تجمعهم وتزيدهم قوة وهي منفردة فكيف بها وهي مجتمعة منذ قرون؟
  2. سيكون من النافع لو حفظت حكومة قطر قصة الكأس، ووثقتها في كتاب، أو بمادة مرئية، على ألّا يكون التوثيق دعائيًا خالصًا؛ بل يحتوي على العقبات، والعثرات، والفوائد، في الإدارة، والتفاوض، والمتابعة، وحل المشكلات، والتجاوب الإعلامي، وإدارة الأزمات، وغيرها، مع تقييم المكاسب وما يضادها، وإضافة ملحق بإحصاءات النسخة القطرية قياسًا إلى غيرها.
  3. مع بداية المسابقة وصولًا إلى نهاية المباريات سقطت تكهنات تصاعدت مؤخرًا زاعمة بأن هذه البطولة لن تتم، وانشغل بها فئام من الناس، وهي جلبة سبقت موعد الانطلاق المنتظر بشهور قليلة، ومرجع هذه التكهنات إلى تحليلات، ومنامات، وأمنيات، وحروب نفسية، وخبالات تجد من يلتفت لها وحقها بأن تُرمى خلف الظهر، وما أحرانا ببناء العقول، ومناهج التفكير، وطرق التفاعل مع الأحداث، وكيفية تقييم الآراء، كي لا تضيع الجهود والأجيال من التلبيس والتعالم.
  4. استطاعت قطر أن تثبت أنه يمكن لأيّ بلد غير كبير ولا قوي ولا متقدم صناعيًا أو تقنيًا بأن ينافس غيره من الأمم الأولى في التنظيم والإدارة أو يتفوق عليها، وإن المبالغ المصروفة والجهود المضنية يمكن تكرارها في مجالات إستراتيجية، وما أكثرها وما أحوجنا لها!
  5. أثبت منتخب المغرب من خلال تقدمه الكبير أن في العرب قدرة على المنافسة تتجاوز الرياضة، والمطلوب فقط مساحة من الثقة، والمساندة، والتصالح المجتمعي، والحرية المنضبطة.
  6. استطاع منتخب السعودية بفوزه على الأرجنتين وهو المنتخب المرشح أول الأمر، والفائز بالكأس آخره، أن يبرهن على أنه لا شيء من الممكنات وإن بعدت يُجزم باستحالته أو استبعاده، فالأقوياء تدركهم الرهبة إذا شاهدوا من الطرف المقابل التماسك والقوة والإصرار، وهذا يكون في الملعب الكروي، وفي بقيةالملاعب“.
  7. فاز منتخب تونس على منتخب فرنسا حامل اللقب، وأحد أقوى المرشحين، ووصيف البطل في النهائي؛ ليؤكد أن الأقوياء جدًا يمكن هزيمتهم ومخالفة جلّ التوقعات، وأن الضعيف قبل مئة سنة بدأ يخرج من الشرنقة وعسى أن يكتمل نموه.
  8. هزمت منتخبات عربية وإفريقية منتخبات دول استعمارية سابقة، ولعله أن يكون من الفأل المستقبلي الحسن، ومن شروط كمال الاستقلال الذي نتمناه لأمتنا ولو دلفنا إليه من باب الرياضة.
  9. ضمت منتخبات الدول الكبرى لاعبين من غير أهلها الأصليين، ولبعضهم النصيب الأكبر في تسجيل الأهداف، فيا ترى كم من موهوب لفظته بلاده فخرج منها طوعًا أو كرهًا، ليجد أمامه الباب مشرعًا في تلكم البلاد التي استثمرته في حقول مهمة وخطيرة؟ وهل لهم من سبيل لخدمة أوطانهم وأناسهم؟
  10. كاد بعض بني جلدتنا أن يفقد أعصابه والبقية القليلة الباقية فيه من الحياء والعقل؛ بسبب تواتر أخبار الدعوة إلى الإسلام ضمن أنشطة المناسبة العالمية! لكن أنباء الدعوة إلى الشذوذ والخمور والعدوان على ثقافة المضيف التي هي كبائر عند الأغيار ولدى العقلاء؛ لم تحرك في أولئك الممتعضين شعرة إن كان لديهم شعرة! وقد أبى الله إلّا أن يتم نوره، ومن تمامه فضح المنافقين الذين هم العدو ومثلهم جدير بأن يحذر؛ قاتلهم الله.
  11. أظهرت المناسبة المعرفة الشديدة لدى أطفالنا وشبابنا بالأندية والمنتخبات واللاعبين الأجانب؛ بل سمعت طفلًا يسرد تاريخًا رياضيًا حدث قبل ميلاده، وربما قبل زواج أبويه، وليت أن هذه المعرفة انصرفت لتاريخنا وعظمائنا، أو لشيء أعظم فائدة.
  12. استبان التعصب المبالغ فيه للرموز الرياضية؛ فبعضهم بح صوته ضد منخب الأرجنتين نكاية بلاعبه المؤثرميسي؛ لأنه دومًا يلعب ضد البرتغاليرونالدو“! وما أحوج الفتيان والفتيات للقدوات الثقات الأمناء؛ كي لا تضيع طاقتهم بينميسيورفاقه وهو الذي لم يرفع بهم رأسًا. وبالمناسبة فلأول مرة أشاهدرونالدو؛ فاكتشفت أنه يشبه زميلًا، وعندما مازحت الزميل بهذا الشبه تساءل عن احتمالية قبوله محترفًا!
  13. لاحظت كثرة التقليعات الشكلية لدى اللاعبين في الوشم، والشعر، والوجه، وبعض الحركات، وأتصور أنها مع تقليعات أهل الغناء والرقص والتمثيل من أخطر ما يسري في مجتمعاتنا، ويغدو الغاية التقليدية الأشهر بين فئة الشباب، والله يرفع الهمم، ويجعل لنا في رسول الله عليه الصلاة والسلام الأسوة، وفي خيار المؤمنين والنافعين القدوة.
  14. إن الرياضة ميدان فسيح لما هو أزيد من اللعب والمتعة؛ ففيها إشارات، ووعي، وقوة ناعمة، وكم يمكن أن تتسرب بواسطتها مفاهيم وأفكار أو تفرض بسببها، فالرياضة من الأمور الحاضرة بحكم الثقافة الغالبة، وسلطان القوى العالمية، والله يجعلنا في حرز ومأمن من آثارها السيئة، ويعيدنا إلى موقع القيادة الراشدة.

هذا ما تيسر لي تقييده على هامش هذه المناسبة التي انتهت في يوم يصادف اليوم العالمي للغة العربية، وهو اليوم الذي فُرض على منظمات دولية بجهود عربية ميمونة مظفرة، وعسى أن يكون في هذا التوافق ما يعطي أبناء الأمة العربية والإسلامية الدليل على إمكان الحفاظ على عراقتهم وإرثهم الحضاري الضخم، بل والقدرة على نشره والمفاخرة به، وفوق ذلك جلب الأتباع له بقوته الذاتية، وانسجامه الكبير، فكيف لو كانت معه القوة تلو القوة؟!

أحمد بن عبدالمحسن العسَّافالرياض

ahmalassaf@

الأحد 24 من شهرِ جمادى الأولى عام 1444

18 من شهر ديسمبر عام 2022م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)