سياسة واقتصاد

أين كان يعمل الوزراء؟

أين كان يعمل الوزراء؟

إكمالًا لما بدأته من تعريف بشيء من تاريخ مجلس الوزراء الموقر، وأعضائه أعانهم الله، ونظرًا لما وجدته من تفاعل طيب مع المقالات السابقة، رأيت أن أنجز هذا المقال عسى أن يكون مفيدًا ومحفزًا. وينحصر صلب موضوعه بالأماكن التي عمل بها الوزراء قبل تسميتهم أعضاء في المجلس، وبالتالي يخرج منه أيّ عمل بعد الوزارة. ويعتمد الاستقصاء على السير الذاتية أو الغيرية المتوافرة للوزراء مطبوعة بكتاب، أو على ما حوته الكتب والمواقع شريطة أن يكون مضمونها واضحًا صريحًا بلا غموض أو لبس.

ولا يهم إن كان العمل سابقًا على الوزارة مباشرة، أو أنه قبلها بسنوات طويلة، وإن كانت العناية تنصرف أكثر ما تكون للعمل الملاصق لمرحلة الوزارة؛ لأنه الأعلى أهمية والأولى بالملاحظة، وبناء على ذلك سيكون مجموع الأعمال مرتفعًا قياسًا لأعداد الوزراء؛ فسيرة بعضهم حافلة بالعمل في أماكن عديدة لمدد غير قصيرة، والله ينفع بهم جميعًا أينما حلّوا، ويتفضل على الراحلين بالرحمة والعفو. ومن الضروري الإشارة إلى أن جلّ هذه الأرقام ليست دقيقة تمامًا؛ لغياب بعض المعلومات، بيد أنها تقريبية، وتؤدي الغرض في توضيح الصورة العامة، وتتبع خريطة المناصب قبل الوزارة.

وعليه فقد لاحظت أن أربعة وأربعين (44) وزيرًا درّسوا في جامعات محلية أو عالمية وفي معاهد عليا، منهم عشرة أصبحوا مديرين (10) لبعض تلك الجامعات. ووجدت في تاريخ الوزراء ثلاثين وزيرًا (30) عملوا وكلاء للوزارة التي استوزروا عليها، أو أن الواحد منهم كان وكيلًا لغيرها، وهذا الرقم ينفي ما يشاع بأن الوكيل قلّما يغدو وزيرًا، ومما أحصيته قريبًا من هذا الباب أن ثمانية عشر وزيرًا (18) شغلوا منصب نائب وزير أو مساعد وزير قبل أن يصبحوا وزراء، وجلّهم ذهبوا للوزارة التي أُسندت إليهم نيابتها، ومثل هذه الأرقام تفتح أبواب الرجاء للوكلاء والنواب، ومن الطبيعي أنها لن تكدّر على الوزراء، أو تعكر صفو العلاقة بينهم وبين مساعديهم.

كما جاء إلى المقعد الوزاري ثلاثة وثلاثون وزيرًا (33) من منصب عالٍ في مؤسسات عامة، ونال عضوية المجلس ثلاثة عشر وزيرًا (13) بعد عملهم في هيئات حكومية. وفي السلك الدبلوماسي عددت خمسة وعشرين وزيرًا (25) أصبحوا سفراء للمملكة، فيهم ستة وزراء (06) كانوا سفراء قبل الوزارة، وشغل منهم تسعة وزراء (09) منصب السفير قبل الوزارة وبعدها، على أن عدد الوزراء الذين عملوا في السفارات قبل الوزارة يصل إلى ستة عشر وزيرًا (16)، وقسم منهم لم يكونوا سفراء.

واستقطب الديوان الملكي اثني عشر وزيرًا (12) للعمل فيه قبل الوزارة، بينما جلس (17) وزيرًا تحت قبة مجلس الشورى قبل أن ينتقلوا إلى عضوية مجلس الوزراء، ومنهم نائب ومساعدان لرئيس المجلس. ولإمارات المناطق الكبيرة أو الصغيرة حضور تمثل في (14) أميرًا أو نائبًا لأمير منطقة دخلوا إلى المجلس، وبعضهم صار أميرًا لأكثر من منطقة. ولعدد من الوزراء خبرة عسكرية سابقة على عضويتهم المجلسية، واثنان منهم كانا في رئاسة الاستخبارات العامة قبل الوزارة، بينما جرّب ثلاثة وزراء (03) العمل في مؤسسات إعلامية صحفية أو تلفزيونية قبل أن يتبوؤوا المجلس مدة من الزمن لم تطل لهم.

أما من عالم التجارة والأعمال فقد سبق لاثنين وعشرين وزيرًا (22) العمل في شركات تجارية محلية ودولية قبل أن يصبحوا وزراء، وهي شركات مساهمة أو شركات خاصة، ومن هذا العدد ستة وزراء (06) ممن عملوا في شركة أرامكو على اختلاف المسمى الوظيفي، ويضاف على ذلك العدد خمسة وزراء (05) مارسوا التجارة وكانوا من رجال الأعمال قبل تسميتهم وزراء، ومنهم من كان عضوًا في غرف تجارية محلية أو إقليمية. بينما عمل في المؤسسات المجتمعية ستة وزراء (06) على الأقل، ومثّل المملكة عشرة وزراء (10) في منظمات دولية وإقليمية أظهرها البنك الدولي، وصندوق النقد.

وإذا شئنا تخصيص المعلومات وتحديدها في نطاق محصور، فسوف نجد ظهورًا لأجهزة حكومية وأماكن عمل أزيد من غيرها، فمن البنك المركزي الذي كان يسمى مؤسسة النقد جاء خمسة وزراء (05)، وعمل في السفارة بفرنسا ومصر وأمريكا عدة وزراء قبل تعيينهم. ولهيئة الخبراء في مجلس الوزراء حضور لافت في عضوية المجلس، ومثله لسكة الحديد، والصندوق السعودي للتنمية، وإمارتي الرياض ومكة، وهيئة سوق المال، ومؤسسة تحلية المياه، ومؤسسة التأمينات الاجتماعية، وديوان المظالم، وديوان رئاسة مجلس الوزراء، وجامعة الملك سعود من بين سائر الجامعات، ووزارة المالية كذلك من بين أخواتها.

من لطائف هذا الموضوع أن بعض الوزراء رجعوا إلى المكان الذي كانوا فيه قبل الوزارة سواء المكان نفسه أو في محيطه؛ فمثلًا أصبح د.رشاد فرعون وزيرًا للصحة قادمًا من السفارة في باريس ثمّ عاد إليها عقب الوزارة، وجاء د.عبدالعزيز خوجه وَ م.وليد الخريجي من السفارة إلى الوزارة ثمّ قفلوا إلى سفارة ثانية كرة أخرى، وقبلهما الوزيران السفيران الشيخ جميل والشيخ فيصل الحجيلان.

وبعد أن عمل د.فهد المبارك محافظًا لمؤسسة النقد عين وزير دولة لمدة عامين، ثم صارة مرة أخرى محافظًا للبنك المركزيمؤسسة النقد سابقًا، وبعد أن عمل د.إبراهيم العساف شهورًا يسيرة نائبًا لمحافظ مؤسسة النقد؛ اختير وزيرًا للمالية التي تشرف على مؤسسة النقد. ومن أمراء المناطق نرى أن الأمير خالد الفيصل أمضى سنوات وزيرًا للتربية والتعليم وقبلها وبعدها كان أميرًا لمنطقة مكة، ومثله الأمير خالد الأحمد السديري وزير الزراعة وأمير عدة مناطق قبل الوزارة وبعدها. ولا يخفى أن الإشارة لهذا الملمح الوزاري يفتح شهية النابهين من الشباب والمؤهلين من الموظفين، وتلك لطيفة من اللطائف.

ولربما يسأل سائل: هل ستبقى هذه الأماكن هي الأكثر في صناعة الوزراء؟ والجواب بسهولة هو أن الله سبحانه وتعالى هو العالم وحده، وإن نظن إلّا ظنًا؛ وخلاصة الظنّ أنها سوف تبقى من منابع الوزراء ومن مسوغات الترشيح والانتقاء؛ لكن سيضاف إليها خيارات أخرى من شركات الأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، والاستثمار، والأوقاف، والعمل المجتمعي، وربما تبرز أسماء مؤسسات وهيئات وشركات فيما نستقبل من أيام؛ بيد أن المعروض آنفًا يرصد التاريخ ويصف الواقع، والله يوفق من يختار للأنسب، ويعين من سُمي لولاية على سؤال الدنيا والآخرة.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّافالرياض

ahmalassaf@

الأحد غرة شهرِ صفر عام 1444

28 من شهر أغسطس عام 2022م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)