سياسة واقتصاد سير وأعلام

أبناء عنيزة في مجلس الوزراء

قبل أن أشرع في الدخول إلى صلب هذا المقال أحيط القارئ العزيز علمًا أن عندي بعض الاهتمام بتاريخ مجلس الوزراء، وبشخصيات تنتمي إلى مدينة عنيزة، ومن هذه العناية انبثق المقال الذي أمامنا؛ فليس فيه تعصب، ولا تفضيل لقوم أو حجب آخرين البتة. كما أن هؤلاء الرجال من أهل عنيزة ممن عاشوا في شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها ووسطها حتى غدوا كأنهم من أهلها، فمنهم من نشأ في مكة أو المدينة، أو درج في الشرقية، أو تنقل بين العلا والمدينة، أو عمل في الشمال، زيادة على أن عددًا منهم استوطنوا بالرياض أو جدة، ولهم فيها بيوت ومجالس وتجارة ومصاهرة، ولقسم منهم امتدادات أسرية خارج عنيزة. وفوق ذلك كله فأمانة المسؤولية تقتضي نسيان المنطقة، والانصهار في رحاب المجموع وبركة الاجتماع؛ فكل الناس والأماكن سواسية في الحقوق والواجبات، مع تخصيص بعضها لأسباب دينية أو إدارية مفهومة ومقدرة.

بعد ذلك أقول إني حين جمعت معلومات كثيرة عن مجلس الوزراء الموقر وأعضائه الميامين، وعقب إجراء عمليات فرز كثيرة يعين عليها برنامج الإكسل، استبان لي أن أكثر مدينة ورد ذكرها في مدن الوزراء بحسب معلوماتي واجتهادي هي عنيزة بعد الرياض التي ينتسب لها وزراء الأسرة الحاكمة وغيرهم، وباستثناء مكة وجدة التي لم أضبط مرجعية أسر بعض الوزراء الكرام إليها بعلم دقيق أطمأن إليه، وإني في هذا المضمار بحاجة إلى معونة منتظرة من أهل الذكر.

وبناء على ذلك أحصيت ثلاثة عشر وزيرًا من أهل عنيزة، تبلغ نسبتهم من مجمل الوزراء غير الأمراء (8.7%)، وقد بدأت عضوية أولهم في مجلس الوزراء منذ نشأته عام (1373)، وانتهت عضوية آخر هذه القائمة عام (1438)، وهذا يعني أنهم حضروا في جميع تكوينات مجلس الوزراء وهي ميزة نادرة الحدوث. كما وجدت لعدد منهم بعض الأوليات التي سأوضحها فيما يلي، ولا يخلو الأمر من موافقات ومواقف يناسب إيرادها في مثل هذا المقام.

فمثلًا يُعدّ الشيخ عبدالله السليمان الحمدان أول وزير في تاريخ المملكة من غير الأمراء إذ سبقه الأمير فيصل فقطالملك لاحقًا-. وسماه الملك عبدالعزيز وزيرًا عام (1351) عندما حوّل الملك المؤسس مديرية المالية إلى وزارة، وهذا التعيين من فرائد ابن سليمان من بين سائر الوزراء غير الأمراء. وهو أول وزير يجمع بين وزارتين منفصلتين عندما أصبح وزيرًا للمالية، ووزيرًا للاقتصاد قبل ضم الوزارتين معًا وإسنادهما إلى خلفه الوزير الأديب الشيخ محمد الصبان، وهذه أولية له في الوزراء دون الأمراء؛ إذ سبقه الملك فيصل بالجمع بين وزارتي الخارجية والداخلية، والأمير عبدالله الفيصل الذي جمع بين وزارتي الصحة والداخلية.

ثمّ التحق بعضوية المجلس الشيخ إبراهيم السويل وزيرًا للخارجية، وبعد أن ترك المنصب والمجلس عاد إليه بعد شهور وزيرًا للزراعة، وعضويته تقع بين عامي (1380-1384) قبل أن يبعث سفيرًا للمملكة في أمريكا، وبذلك يكون الشيخ السويل ثاني وزير يعود إلى كرسي الوزارة بعد أن أعفي من الجلوس على كرسي سابق. وفي عام (1381) سمي الشيخ محمد الحمد الشبيلي وزيرًا للعمل والشؤون الاجتماعية لكنه استعفى مباشرة من المنصب فقُبل اعتذاره، ولربما أنه صاحب أشهر استعفاء ذاتي من منصب وزير دون أن يقول قائل بأنه قد أقيل، وجاءت بعده عدة وقائع لاستعفاء نصصت عليها في مقالة أخرى.

وفي نفس تلك الحكومة أسندت وزارة المواصلات للشيخ محمد المرشد الزغيبي، وهو من أطول الوزراء عمرًا (1330-1433). وحين استعفي الشبيلي وهو سفير آنذاك خلفه على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بلديه الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله المنصور أبا الخيل، ومن الموافقات اللطيفة أن هذه الوزارة قد تولى زمامها عدد من أبناء عنيزة كما سيأتي، ومن أوليات أبي أيمن أنه أول وزير سابق يصبح عضوًا في مجلس الشورى الجديد عام (1414)، وهو أطول وزراء العمل والشؤون الاجتماعية بقاء في هذه الوزارة، ومع أنه الوزير الرابع تسمية والثالث فعليًا؛ إلّا أنه يكاد أن يكون الوزير المؤسس لها.

بينما أصبح الشيخ محمد العلي الحركان أول وزير للعدل عام (1390) مع أن الوزارة قد صدر قرار بتكوينها قبل هذا التاريخ بثمان سنوات دون أن يعين لها وزير. والشيخ الحركان قاض سابق في عدة مدن، وعضو في هيئة كبار العلماء إبان تأسيسها الأول، وفيما بعد ذلك صار أمين عام رابطة العالم الإسلامي، وهو أول وزير يجمع بين عضويتي مجلس الوزراء وهيئة كبار العلماء، وأول وزير يتولى أمانة منظمة دولية، وتبعه في هاتين الخصيصتين عدة وزراء كما أوضحت في مقال آنف.

وقبل خروج الشيخ أبا الخيل والشيخ الحركان من عضوية المجلس بعام واحد أصبح الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر وزيرًا للصحة عام (1394)، وهو الوزير الوحيد الذي استمرت عضويته لمدة متصلة تجاوزت أربعين عامًا منفردًا بهذه الصفة مع ملوك وأولياء عهد وأمراء، وخلالها صار وزيرًا بالأصالة لوزارتين ثم وزير دولة، وأما بالتكليف والنيابة فيكفي أن نعلم بأنه لقب بمعالي الوزراء لكثرة الوزارات التي أسندت إليه.

وفي عام (1395) اختير د.سليمان بن عبدالعزيز السليم وزيرًا للتجارة بعد فصل الصناعة عنها، وفي عام (1404) انضم إلى مجلس الوزراء ابن أسرته المهندس عبدالعزيز بن عبدالله الزامل وزيرًا للصناعة والكهرباء. وبالمناسبة فإن القارئ لسيرة الوزير د.غازي بن عبدالرحمن القصيبي الشهيرة بعنوانحياة في الإدارةسيجد فيها مادة جميلة عن عدة وزراء منهم ثلاثة وزراء من أهل عنيزة، هم على التوالي د.الخويطر، ود.السليم، وم.الزامل، وفيما كتبه د.القصيبي شهادة لهم، وتجلية لمناهجهم في الإدارة والعمل.

وحين خرج الرجلان وابنا العم من العضوية تباعًا عام (1416) على إثر أكبر تجديد للمجلس في عهد الملك فهد، وعقب استعفاء د.السليم من وزارة المالية والاقتصاد الوطني، كان من الأسماء الجديدة التي أضيفت إلى المجلس د.ناصر بن محمد السلوم وزيرًا للمواصلات التي عمل وكيلًا لها، وهو من المهندسين المشهود لهم بالكفاءة الإدارية والهندسية، وكذلك الأستاذ مساعد بن محمد السناني وزيرًا للعمل والشؤون الاجتماعية وقبلها عمل محافظًا لمؤسسة التأمينات الاجتماعية، وهو ثالث وزير من أهل عنيزة لهذه الوزارة، وأما الرابع فهو د.يوسف بن أحمد العثيمين الذي حمل عبء الوزارة بين عامي (1429-1436)، ثمّ أنيطت به أمانة منظمة المؤتمر الإسلامي عدة سنوات.

أما آخر وزير من أهل عنيزة في تاريخ المجلس حتى الآن فهو د.محمد بن إبراهيم السويل الذي سمي عام (1436) وزيرًا للاتصالات وتقنية المعلومات لمدة عامين، وهو من أقارب وزير الخارجية ثم الزراعة الشيخ إبراهيم السويل، ويجيد عدة لغات أو يلم ببعضها إلمامًا مختلف المستوى، وله خبرة في العمل الأكاديمي، وفي مؤسسات بحثية، وهيئات تقنية، وشركات نفط، ومؤسسات تصنيع ثقيل، وتميزه اللغوي مبكر منذ شبابه؛ لأنه قُبل في جامعة البترول والمعادن وتجاوز شرط دراسة اللغة الإنجليزية نظرًا لتمكنه منها. وللعلم فآخر أربعة وزراء على قيد الحياة، أطال الله أعمارهم على طاعة وعافية، ورحم الأموات وغفر لهم.

وسوف نلاحظ من السرد التاريخي أعلاه أنه اجتمع في بعض السنوات ثلاثة وزراء من عنيزة معًا في عضوية مجلس واحد، مثل سنة (1394) التي اجتمع فيها الوزراء أبا الخيل والحركان والخويطر، وبين سنتي (1404-1416) التي اجتمع فيها الوزراء الخويطر والسليم والزامل. بينما اجتمع أربعة وزراء أول الأمر عام (1416) هم الخويطر والسليم والسلوم والسناني ثم صاروا ثلاثة بين عامي (1416-1420) بخروج السليم من الوزارة. وتكرر وجود وزيرين عام (1381) هما الزغيبي وأبا الخيل، وفي سنة (1382) من المؤكد وجود وزيرين هما السويل وأبا الخيل، وهو رقم تكرر بين عامي (1390-1394) بالوزيرين أبا الخيل والحركان، وبين عامي (1395-1404) من خلال الوزيرين الخويطر والسليم، وبين عامي (1420-1424) مع الوزيرين الخويطر والسلوم، وبين عامي (1429-1435) عبر الوزيرين الخويطر والعثيمين.

اللهم بارك في بلادنا شبرًا شبرًا، وفي أهلها فردًا فردًا، وفي مؤسساتها مؤسسة مؤسسة، وفي شؤونها كافة، وأعمالها بلا مثنوية، وامنن عليها وعلى من وما فيها بالحفظ، والتوفيق، والزيادة من كل خير عاجل وآجل؛ وادم عليها نعمك، وابعد عنها النقم، واجعل نصيبها الظفر، ومآلها الفلاح، وحظها الأكبر من كل مكرمة وخيرية وبهاء، آمين آمين آمين. وسوف تبقى بلادنا بفضل من الله منيعة عزيزة، وسيظلّ أناسها تحت الهداية الربانية سائرين برشاد في منهج تعاون وتخادم لتحقيق الصالح العام بلا تفرقة عند العاقل والحصيف.

ahmalassaf@

الرياض- الثلاثاء 27 من شهرِ ذي الحجة الحرام عام 1443

26 من شهر يوليو عام 2022م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)